الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: سألت عائشة فقلت لها أرأيت قول الله

          3177- السَّابعُ والعشرون: عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ قال: سألت عائشةَ، فقلت لها: أَرأيتِ قولَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:158] فوالله ما على أحدٍ جناحٌ ألَّا يطَّوف بالصفا والمروة، قالت: بئسَ ما قلتَ يا بن أختي! إنَّ هذه لو كانت على ما أوَّلتها عليه كانت: (لا جناح عليه ألَّا يطوف بهما) ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يُسلموا يُهلُّون لمناةَ الطاغيةِ الَّتي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل، وكان مَن أهلَّ بها يَتحرَّج(1) أن يطوفَ بالصفا والمروة، «فلما أسلموا سألوا النَّبيَّ عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله؛ إنَّا كنَّا نتحرَّج أن نطوفَ بين الصَّفا والمروة، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} الآيةَ [البقرة:158]، قالت عائشة: وقد سنَّ رسول الله الطَّوافَ بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطَّوافَ بينهما».
          فأخبرت أبا بكرِ بنَ عبد الرحمن فقال: إنَّ هذا لَعِلمٌ ما كنتُ سمعتُه! ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكُرون أنَّ النَّاس _إلَّا مَن ذكرَتْ عائشةُ ممَّن كان يُهلُّ لمناةَ_ كانوا يطوفون كلُّهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله الطَّواف بالبيت / ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا: «يا رسولَ الله؛ كنَّا نطوفُ بالصفا والمروة، وإنَّ الله أنزل الطَّوافَ بالبيت فلم يذكرِ الصَّفا(2)، فهل علينا من حرجٍ ألَّا نطوفَ بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} الآيةَ[البقرة:158]».
          قال أبو بكر: فأسمَعُ هذه الآيةَ نزلت في الفريقين كلَيهما، في الَّذين كانوا يتحرَّجون أن يطوفوا في الجاهليَّة بالصفا والمروة، والَّذين كانوا يطوفون ثم تحرَّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أنَّ الله أمر بالطَّواف بالبيت، ولم يذكر الصَّفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطَّواف بالبيت. [خ¦1643]
          وفي حديث سفيانَ بنِ عُيينةَ عن الزُّهريِّ بمعناه، وقال: قال الزهريُّ: فذكرتُ ذلك لأبي بكرِ ابن عبد الرحمن بن الحارثِ بن هشام فأعجبه ذلك، وقال: إنَّ هذا لَعِلمٌ! ولقد سمعتُ رجالاً من أهل العلم يقولون: «إنَّما كان من لا يطوف بين الصَّفا والمروةِ من العرب يقول: إنَّ طواف ما بين هذين الحَجرين من أمر الجاهليَّة، وقال آخرون من الأنصار: إنَّما أُمرْنا بالطَّواف ولم نُؤمر به بين الصَّفا والمروة، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[البقرة:158]».
          قال أبو بكر: فأُراها قد نزلت في هؤلاءِ وهؤلاءِ. [خ¦4861]
          وفي رواية عُقيل عن الزُّهريِّ بالإسناد: قالت عائشةُ: «وقد سَنَّ رسول الله / صلعم الطَّوافَ بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطَّوافَ بهما».
          وفي رواية يونسَ عن الزهريِّ: «إنَّ الأنصارَ كانوا قبل أن يسلموا هم وغسَّانُ يُهلُّون لمناةَ، فتحرَّجوا أن يطوفوا بين الصَّفا والمروةِ، وكان ذلك سنَّةً في آبائهم، من أحرم لمناةَ لم يطُف بين الصَّفا والمروة، وإنَّهم سألوا رسول الله عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله تعالى في ذلك: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ...} وذكر إلى آخر الآية[البقرة:158]».
          وأخرجاه من حديث هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ _فذكر نحوَ ما تقدم في قوله لها في الآية وقولها له_ ثم قالت(3) : «إنَّما أُنزل هذا في أُناسٍ من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناةَ في الجاهليَّة فلا يَحِلُّ لهم أن يطوفوا بين الصَّفا والمروة، فلما قدِموا مع النَّبيِّ الحجَّ(4) ذكروا ذلك له، فأُنزِلَ(5) هذه الآيةَ، ولَعمري! ما أتمَّ الله حجَّ من لم يَطُف بين الصَّفا والمروة».
          وفي حديث مالك عن هشام عن أبيه قال: قلت لعائشةَ وأنا يومَئذ حديثُ السنِّ: أرأيت قولَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[البقرة:158] ثم ذكر قولَه وقولها له وأنَّها قالت: «إنَّما أُنزلت هذه الآيةُ في الأنصار كانوا يُهلُّون لمناةَ، وكانت مناةُ حَذْوَ قُدَيد، وكانوا يتحرَّجون أن يطوفوا بين الصَّفا والمروة، فلما جاء الإسلامُ سألوا رسول الله صلعم عن ذلك، فأنزل الله ╡: / {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[البقرة:158]». [خ¦1790]
          وفي حديث أبي معاويةَ عن هشام إنَّها قالت: وهل تدري فيمَ كان ذاك؟(6) «إنَّما كان ذاك أنَّ الأنصارَ كانوا يُهلُّون في الجاهليَّة لصنمين على شطِّ البحر يقال لهما: إسافٌ ونائلةُ، ثم يجيئُون فيطوفون بين الصَّفا والمروة، ثم يحلقُون، فلما جاء الإسلامُ كرهوا أن يطوفوا بينهما للَّذي كانوا يصنعون في الجاهليَّة، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ...}[البقرة:158]إلى آخرها(7)، قال: فطافوا».
          انفرد أبو معاويةَ بما في حديثه: «أنَّ الأنصارَ كانوا يجيئُون فيطوفون بين الصَّفا والمروة» وفي سائر الرِّواياتِ عن هشام وعن عُروَةَ(8) أنَّهم كانوا لا يطوفون بين الصَّفا والمروة.


[1] يَتحرَّج: أي يخاف الحرج والضيق.(ابن الصلاح).
[2] زاد في (ت): (والمروة)، وما أثبتناه من (ظ) و(ابن الصلاح) موافق لنسختنا من صحيح البخاري.
[3] في (ظ): (قال).
[4] استشكل في (ابن الصلاح): (الحج).
[5] استشكل في (ابن الصلاح): (فأنزل).
[6] في (ابن الصلاح): (سع: ذلك).
[7] في (ابن الصلاح): (سع: الآية).
[8] في (ت): (عن هشام عن عروة) وكلاهما صواب.