الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ائذني له فإنه عمك، تربت يمينك

          3173- الثَّالث والعشرون: عن ابن شهابٍ عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: «إنَّ أفلحَ أخا أبي القُعَيس استأذن عليَّ بعد ما نزَل الحجابُ، فقلت: والله لا آذنُ له حتى أستأذنَ رسول الله! فإنَّ أخا أبي القُعَيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضَعتني امرأةُ أبي القُعيس. فدخل عليَّ رسول الله، فقلت له: يا رسولَ الله؛ / إنَّ الرجلَ ليس هو أرضعَني، ولكن أرضعَتْني امرأتُه، فقال: ائذني له فإنَّه عمُّك، تَرِبت(1) يمينُك».
          قال عروةُ: فبذلك كانت عائشةُ تقول: حرِّموا من الرَّضاعة ما يحرُم من النَّسب. [خ¦6156]
          وفي حديث شعيبٍ عن الزُّهريِّ نحوُه، وفيه: «فدخل عليَّ النَّبيُّ، فقلت: يا رسولَ الله؛ إنَّ أفلحَ أخا أبي القُعَيس استأذَن فأبيت أن آذنَ له(2) حتى أستأذِنَك، فقال النَّبيُّ: ما يَمنعُكِ أن تأذنِي لعمِّك؟ قلت: يا رسولَ الله؛ / إنَّ الرَّجلَ ليس أرضعَني...» وذكَر الحديثَ. [خ¦4796]
          وحديثُ مالك عن الزُّهريِّ مختصرٌ: أنَّ أفلحَ أخا أبي القُعَيس جاء يستَأذنُ عليها _وهو عمُّها من الرَّضاعة_ بعد أن نزَل الحجابُ، فأبيتُ أن آذنَ له، «فلما جاء رسول الله أخبَرتُه بالَّذي صنَعتُ، فأمرَني أن آذنَ له». [خ¦5103]
          وأخرجاه من حديث هشامِ بن عروةَ عن عُروَةَ(3) عن عائشَةَ... وذكر الحديثَ بنحوِه ومعناه.
          وفيه: «إنَّه عمُّك فلْيَلجْ عليك». [خ¦5239]
          وأخرجاه من حديث عِراك بن مالكٍ عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: «استأذن عليَّ أفلحُ فلم آذن له، فقال: أتَحتجِبين منِّي وأنا عمُّك؟ فقلت: كيف ذلك؟ قال: أرضَعتْكِ امرأةُ أخي بلبن أخي، قالت: فسألت رسول الله، فقال: صدَق أفلحُ، ائذني له». [خ¦2644]
          وفي حديث الحكم عن عِراك نحوُه، وفيه: «فأبيت أن آذنَ، فجاء رسول الله فذكَرت له ذلك، فقال: ليَدخُلْ عليكِ فإنَّه عمُّك».
          ولمسلم في حديثِ يزيدَ بن أبي حبيبٍ عن عِراكٍ: «أنَّ عمَّها من الرَّضاعة يُسمَّى أفلحَ استأذَن عليها فحَجَبته، فأخبَرت رسول الله، فقال: لا تَحتجِبي منه، فإنَّه يَحرُم من الرَّضاعة ما يحرُم من النَّسب».
          وأخرجا جميعاً من حديث عبد الله بنِ أبي بكرِ بن محمَّد بن عَمرِو بن حزمٍ عن / عَمرَةَ عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله كان عندها، وأنَّها سمِعت صوتَ رجلٍ يستَأذنُ في بيتِ حفصَةَ، قالت عائشةُ: فقلت: يا رسولَ الله؛ هذا رجلٌ يستَأذِن في بيتِكَ، قالت: فقال رسول الله: أُراه فلاناً. _لعمِّ حفصةَ من الرَّضاعة_ فقالت عائشةُ: يا رسولَ الله؛ لو كان فلانٌ حيَّاً _لعمِّها من الرَّضاعة_ دخَل عليَّ؟! فقال رسول الله: نعم، إن الرَّضاعة تُحرِّم ما تُحرِّم الولادةُ». [خ¦2646]
          وفي حديث هشام بنِ عروةَ وابنِ جريجٍ عن عبد الله بن أبي بكرٍ المسندُ منه فقط: أنَّ رسول الله قال: «يَحرُم من الرَّضاعة ما يَحرُم من الوِلادة».
          وأخرجه مسلمٌ من حديث عطاء عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: استأذَن عليَّ عمِّي من الرَّضاعة أبو الجَعد فردَدْته _قال هشام بن عروة: إنَّما هو أبو القُعَيس_ «فلما جاء النَّبيُّ أخبَرتُه ذلك، فقال: فهلَّا أذِنتِ له تَرِبَت يمينُكِ، أو يدُكِ».


[1] تَرِب الرجلُ: في أصل اللغة بمعنى افتقر، كأنه لصق بالتراب، وأترَب إذا استغنى، كأنه قد صار له من المال بقدر التراب، ثم جرى ذلك على ألسنتهم في الدعاء، وهم لا يريدون وقوع الأمر، إنَّما يريدون بذلك إيجابَ اللائمة عليه في تقصيره في ما كان يجب أن يفعله أو يفهمه، وكذلك أيضا قوله: «عليك بذات الدين تربت يداك».
قال أبو عُبيد: نرى أنه لم يتعمد الدعاء عليه، ولكنها كلمة جارية على ألسنة العرب، قال ابن الأنباري: معناه: لله دَرُّكَ! إن استعملتَ ما أمرتُك به، وقال ابن عرفةَ: أراد ترِبت يداك إن لم تفعل ما أمرتُك به، وقد استدلوا بقوله في حديث جاء لخزيمة فيه: «أنعِم صباحاً تربت يمينك»، أنه ليس بدعاء عليه، بل هو دعاء له، إذ لا يُقْرَن بالدعاء له دعاءٌ عليه، ويقول الفصيح من الشعراء:
~هَوَت أمُّه ما يَبعث الصبح غاديا وماذا يؤدي الليلُ حين يَؤُوب
لأنه أراد المدح، أيْ: أيُّ رجل يبعث الصبح منه، وأيُّ رجل يؤدي الليل منه حين يؤوب إلى أهله، فظاهره ذم وباطنه المدح والثناء.(ابن الصلاح نحوه).
[2] سقط قوله: (له) من: (ابن الصلاح) و(ظ): وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من صحيح البخاري.
[3] سقط قوله: (عن عُروَةَ) من (ت).