الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي

          310- الحديث الأوَّل: عن أنسِ بنِ مالكٍ عن ابنِ مسعودٍ أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «آخرُ مَن يدخُل الجنَّةَ رجلٌ، فهو(1) يمشي مرَّةً ويكْبُو(2) مرَّةً، وتسفَعُه النَّارُ(3) مرَّةً، فإذا ما جاوَزها التفتَ إليها فقال: تباركَ الَّذي نَجَّاني منكِ، لقد أعطاني اللهُ شيئاً ما أعطاه أحداً من الأوَّلينَ والآخرينَ، فتُرفَعُ له شجرةٌ فيقولُ: / يا ربِّ؛ أَدنِنِي مِن هذه الشَّجرةِ فَلْأسْتظِلَّ بظِلِّها وأشْربَ من مائها، فيقولُ الله ╡ له: يابنَ آدمَ؛ لعلِّي إن أعطيتُكَها(4) سألتَني غيرَها! فيقول: لا يا ربِّ، ويعاهدُه ألَّا يسألَه غيرَها، قال: وربُّه ╡ يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبرَ له عليه، فيُدنيه منها فيستظلُّ بظِلِّها ويشربُ مِن مائها، ثمَّ تُرفَعُ له شجرةٌ هي أحسنُ من الأولى، فيقول: أي ربِّ؛ أَدنِنِي من هذه الشَّجرةِ لأَشربَ مِن مائها وأستظلَّ بظلِّها، لا أسألُك غيرَها، فيقول: يابنَ آدمَ؛ ألم تعاهِدني ألَّا تسألَني غيرَها! فيقول: لعلِّي إنْ أدنيتُك منها تسألُني غيرَها، فيعاهدُه ألَّا يسألَه غيرَها، وربُّه تعالى يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبرَ له عليه، فيدنيه منها، فيستظلُّ بظلِّها ويشربُ من مائِها، ثمَّ تُرفَعُ له شجرةٌ عند بابِ الجنَّةِ هي أحسنُ مِن الأُولَيَينِ، فيقولُ: أي ربِّ؛ أَدنِنِي من هذه لأستظلَّ بظلِّها وأشربَ مِن مائها، لا أسألُك غيرَها، فيقول: يابنَ آدمَ؛ ألَم تُعاهِدني ألَّا تسألَني غيرَها! قال: بلى يا ربِّ، لا أسألُ غيرَها وربُّه ╡ يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبرَ له عليه، فيُدنيه منها، فإذا أدناهُ منها سمِع أصواتَ أهلِ الجنَّة، فيقول: أي ربِّ؛ أدخِلْنيها، فيقول: يابنَ آدمَ؛ ما يَصْريني(5) منكَ؟! أيُرضيكَ أن أعطيَك الدُّنيا ومثلَها معها؟ قال: يا ربِّ؛ أتستَهزئُ منِّي وأنت ربُّ العالمين؟!» فضحِك ابنُ مسعودٍ، فقال: ألا تسألوني مِمَّ أضحَكُ؟! فقالوا: مِمَّ تضحَكُ؟! فقال: «هكذا ضحِك رسولُ الله صلعم، فقالوا: مِمَّ تضحَكُ يارسولَ الله؟! قال: مِن ضَحِكِ ربِّ العالمين حينَ قال: أتستَهزئُ منِّي وأنت ربُّ العالمين؟! فيقول: إنِّي لا أستَهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادرٌ». /


[1] أشار في (ابن الصلاح) إلى أنها نسخة: (سع وغيره).
[2] كَبَا يكْبُو: عَثَر.(ابن الصلاح).
[3] سفَعتْهُ النار: أصابته بلَفْحِها حتى أبقَتْ فيه أثراً، تَلْفَح وجوهَهم النارُ: أي: تضربُهم ضرباً مؤلماً، واللَّفْحُ أشدُّ تأثيراً من النَّفْخ.
[4] أشار في هامش (ابن الصلاح) إلى نسخة: (أعطيتك).
[5] يصْرِيني منك: أي: ما الذي يُرضيك ويقطَع مسأَلَتك، وأصل التَّصْرية القطْعُ والجمْعُ ومنه المُصرَّاة التي جُمع لبنُها وقُطع حلْبُه.(ابن الصلاح) نحوه.