الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: من كان عنده شيء من هذه النساء

          3071- حديثُ المتعةِ:
          من روايةِ الرَّبيعِ بنِ سَبْرَة عن أبيه قال: «أذِنَ لنا رسولُ الله صلعم بالمتعةِ(1)، / فانطلقتُ أنا ورجلٌ إلى امرأةٍ من بني عامرٍ كأنَّها بَكرةٌ(2) عَيطاءُ(3)، فعرَضْنا عليها أنفسَنا، فقالت: ما تُعطِي؟ فقلتُ: ردائِي، وقال صاحبِي: ردائِي، وكان رداءُ صاحبِي أجودَ من ردائِي، وكنتُ أشبَّ منه، فإذا نظرَتْ إلى رداءِ صاحِبي أعجَبَها، وإذا نظرَتْ إليَّ أعجبتُها، ثم قالتْ: أنتَ ورداؤُك يَكفِيني، فمَكثتُ معها ثلاثاً، ثم إنَّ رسولَ الله صلعم قال: منْ كانَ عندَه شيءٌ من هذه النِّساءِ الَّتي يُتَمتَّع(4) فليخلِّ سبيلَها».
          كذا في روايةِ اللَّيثِ عن الرَّبيعِ.
          وفي حديثِ عمارةَ بنِ غزيةَ عن الرَّبيعِ: «أنَّ أباهُ غزا مع رسولِ الله صلعم فتحَ مكَّةَ، قال: فأقمْنا بها خمسَ عشرةَ _ثلاثينَ بين ليلةٍ ويومٍ_ فأذِنَ لنا رسولُ الله صلعم في متعةِ النِّساءِ، فخرَجتُ أنا ورجلٌ من قومِي ولي عليه فضلٌ في الجمالِ، وهو قريبٌ من الدَّمامةِ(5)، مع كلِّ واحدٍ منا بُردَه، فبُردي خَلَقٌ، وأمَّا بردُ ابنِ عمِّي فبردٌ جديدٌ غضٌّ(6)، حتَّى إذا كنَّا بأسفل مكَّةَ أو بأعلاها فتلقَّتْنا فتاةٌ مثلُ البكرةِ العَنَطْنطة...» ثم ذكَر نحوه بمعناه.
          وفيهِ: «ويراها صاحِبي تنظرُ إلى عِطفِها(7)، فقال: إنَّ بُردَ هذا خَلَقٌ وبردِي جديدٌ غضٌّ، فتقولُ: بُردُ هذا لا بأسَ به، / ثلاثَ مرارٍ، أو مرتين، ثم استمتعتُ منها، فلم أخرُجْ حتَّى حرَّمها رسولُ الله صلعم».
          وفي حديثِ وُهيبٍ عن عُمارةَ نحوُه، وزاد: قالتْ: وهل يصلحُ ذاك؟ وفيه: قال: إنَّ بُردَ هذا خَلَقٌ مَحٌّ(8).
          وفي حديثِ عبدِ العزيزِ بنِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ عن الرَّبيعِ بنِ سَبْرةَ: أنَّ أباه حدَّثَهُ أنَّهُ كان مع رسولِ الله صلعم فقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إنِّي كنتُ قد أَذِنتُ لكُم في الاستمتاعِ منَ النِّساءِ، وإنَّ الله قد حرَّم ذلك إلى يومِ القيامةِ، فمَن كان عندَه منهنَّ شيءٌ فليخلِّ سبيلَه، ولا تأخذُوا ممَّا آتيتموهُنَّ شيئاً».
          زاد في روايةِ عبدةَ بنِ سليمانَ عن عبدِ العزيزِ بنِ عمرَ: «رأيتُ رسولَ الله صلعم قائماً بينَ الركنِ والبابِ وهو يقولُ...» فذكَرَه، وذكَر التَّحريمَ إلى يومِ القيامةِ.
          وفي حديثِ عبد الملك بنِ الرَّبيعِ عن أبيه عن جدِّه سَبْرةَ قال: «أمرَنا رسولُ الله صلعم بالمتعةِ عامَ الفتحِ حين دخَلْنا مكَّةَ، ثم لم نخرُجْ منها حتَّى نهانَا عنها».
          وفي حديثِ عبدِ العزيزِ بنِ الرَّبيعِ بنِ سَبْرةَ عن أبيه عن جدِّهِ نحوُه، وفيه: «فآمَرَتْ نفسَها ساعةً، ثم اختارَتْني على صاحِبِي، فَكُنَّ معنا ثلاثاً، ثم أمرَنا رسولُ الله صلعم بفراقِهنَّ».
          وحديثُ الزهري من روايةِ معمرٍ عنه عن الرَّبيعِ بنِ سَبْرةَ مختصرٌ: «أنَّ رسولَ الله صلعم نهى زمانَ الفتحِ عن متعةِ النِّساءِ».
          زاد في حديثِ صالحٍ عن الزهري عن الرَّبيعِ: وأنَّ أباه كان تمتَّعَ ببردَينِ أحمرَينِ. /
          وفي روايةِ يونسَ بنِ يزيدَ عن ابنِ شهابٍ قال: أخبرنِي عروةُ بنُ الزُّبيرِ أنَّ عبدَ الله بنَ الزُّبيرِ قامَ بمكَّةَ فقال: «إنَّ ناساً أعمَى الله قلوبَهم كما أعمَى أبصارَهم يُفتونَ بالمتعةِ، يعرِّضُ برجلٍ، فناداه فقال: إنَّك لَجِلْفٌ(9) جَافٍ، فلعَمري لقَد كانتِ المتعةُ تُفعَلُ في عهدِ إمامِ المتَّقينَ _يريدُ به رسولَ الله صلعم_ فقال له ابنُ الزُّبيرِ: فجرِّبْ بنفسكَ، فوالله لئِنْ فعلتَها لأرجمنَّكَ بأحجارِكَ».
          قال ابنُ شهابٍ: فأخبرنِي خالدُ بنُ المهاجرِ بنِ سيفِ الله أنَّه بينَا هو جالسٌ عندَ رجلٍ جاءَه رجلٌ فاستفتاه في المتعةِ فأمرَه بها، فقال له ابنُ أبي عمرةَ الأنصاريُّ: مهلاً(10)، قال: ما هيَ؟ والله لقَد فُعلَت في عهدِ إمامِ المتَّقينَ، قال ابنُ أبي عمرةَ: إنَّها كانتْ رخصةً في أوَّلِ الإسلامِ لمنِ اضطرَّ إليها كالميتةِ والدَّمِ ولحمِ الخنزيرِ، ثم أحكَم الله الدِّينَ ونهى عَنها.
          قال ابنُ شهابٍ: وأخبرنِي الرَّبيعُ بنُ سَبْرةَ أنَّ أباه قال: «قدْ كنتُ استمتعتُ في عهدِ رسولِ الله صلعم ببردينِ أحمرينِ امرأةً من بني عامرٍ، ثم نهانا رسولُ الله صلعم عن المتعةِ».
          قال ابنُ شهابٍ: وسمعتُ الرَّبيعَ بنَ سَبْرةَ يحدِّثُ ذلك عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ وأنا جالسٌ. /
          وفي روايةِ إبراهيمَ بنِ أبي عبلةَ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ قال: حدَّثنِي الرَّبيعُ بنُ سَبْرةَ عن أبيه: «أنَّ رسولَ الله صلعم نهَى عن المتعةِ وقال: ألا إنَّها حرامٌ من يومِكم هذا إلى يومِ القيامةِ، ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذْهُ».


[1] المتعة: أصلُ التَّمَتُّعِ الانتفاعُ، واستمتعتُ بالشيء وتمتَّعتُ به انتفعتُ به، ومتعَة المطلّقةِ ما تعطاه مما تَنْتَفِعُ به، وكان التَّمَتُّعُ في أولِ الإسلامِ واقعاً على النِّكاحِ إلى أجلٍ معلومٍ، وكان ذلك حلالاً ثم حَرَّم ذلك رسولُ الله صلعم إلى يومِ القيامةِ ونصَّ على ذلك بقولهِ عليهِ السَّلامُ في حديثِ سبرةَ بن معبدٍ المخرَّجِ في الصحيحِ: «يا أيها الناسُ إنِّي قدْ كنتُ أذنتُ لكم في الاستمتاعِ من النِّساءِ، وإنَّ الله قد حرَّمَ ذلك إلى يومِ القيامةِ».
[2] البَكر: الفَتِيُّ من الإبلِ، والأنثى بَكْرَةٌ.(ابن الصلاح).
[3] العَيطاءُ: الطويلةُ العنقِ، والمذكَّرُ أعيطُ، أي: طويلُ العنقِ، والعَنْطِيطَةِ: الطويلةُ العنقِ والذَّكرُ عَنْطِيطٌ.(ابن الصلاح نحوه).
[4] استشكلها في (ابن الصلاح)، وقال النووي: هكذا هو فى جميع النسخ: «التى يتمتع فليخل»؛ أي: يتمتع بها، فحذف (بها) لدلالة الكلام عليه، أو أوقع (يتمتع) موقع (يباشر)؛ أي: (يباشرها) وحذف المفعول.«شرح مسلم» 9185.
[5] الدَّمامةُ: بالدال المهملةِ قُبحٌ في الوجهِ، يقال: دمَّ وجهُ فلانٍ يَدِمُّ دَمامةً وهو دميمٌ.
[6] الغضُّ: الطريُّ النَّاعمُ.
[7] العِطفُ: الجانبُ، وفلانٌ ينظرُ في عِطفيه كنايةٌ عن الإعجابِ.
[8] يقال: ثوبٌ مَحٌّ: أي؛ بالٍ خَلَقٌ.
[9] الجِلْفُ: هو الجَافِي، ويقال: جِلْفٌ جافٍ، فجاف إتباعٌ وتأكيدٌ في الوصفِ له، وأصلُ الجِلْفِ الشاةُ المسلوخةُ بلا رأسٍ ولا قوائمٍ.
[10] المَهَلُ: التُّؤدةُ والتثبُّتُ والتوقفُ عن السُّرعةِ، وتقول: مهلاً يا رجلُ، أي: اثبُت وتربصْ ولا تعجلْ، وكذلك تقولُ للاثنينِ والجميعِ: مهلاً يا رجلانِ، ومهلاً يا رجالُ، وهو مصدرٌ فيه أمرٌ بالتَّمهلِ، فإذا قيل لك مهلاً فأبيتَ قلتَ: لا مَهْلَ والله، أي: لا يَحْتَمِلُ هذا الأمرُ تَمهُّلاً ولا إبطاءً عن المبادرةِ، قال الشَّاعرُ:
~.....................وما مَهْلٌ بواعظةِ الجَهُولِ