الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن النبي علمه هذا الأذان الله أكبر

          3068- من روايةِ مكحولٍ عن عبدِ الله بنِ محيريزٍ عنه: «أنَّ نبيَّ الله / صلعم علَّمَه هذا الأذانَ: الله أكبرُ الله أكبرُ(1)، كذا عندَ مسلم، أشهدُ أنْ لا إلهَ / إلَّا الله(2)، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله(3)، أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله، ثم يعودُ فيقول: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، مرَّتينِ، أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله، مرَّتينِ، حيَّ على الصَّلاةِ(4)، مرَّتينِ، حيَّ على الفلاحِ(5)، / مرَّتينِ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله».


[1] الله أكبر الله أكبر: اختلَف أهلُ العربيةِ في ذلك، فقيل: معناهُ الله أكبرُ، وأكبرُ في معنى كبير، واحتجّ من قال ذلك بقولِ الفِرزدقِ:
~........................بيتاً دعائمُه أعزُّ وأطولُ
أي: دعائمُه عزيزةٌ طويلةٌ، وبقول الآخرُ:
~.....................وتلك سبيلٌ لستُ فيها بأوحدِ
أي: لستُ فيها بواحدٍ، وبقول الآخر:
~لعمرك ما أدري وإني لأَوجلُ .....................
[2] أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله: معناه أعلمُ أنه لا إله إلا الله وأبينُ أنَّه لا إله إلا الله، والدليل عليه قوله: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة:17] أي: مبينينَ لنا ذلك ومُعْلِمينَ لنا به، وقولُه: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران:18] معناه بيَّنَ ذلك وأعلمَنا بذلك، ومنه قولُهم: شهدَ الشاهدُ عندَ الحاكمِ، أي: أعلمَه بما عندَه وبين له ذلك، وقيل: معنى {شَهِدَ اللّهُ} أي: قضَى الله أنَّه لا إله إلا هو، وكذلك قولُه: أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله، أي: أعلمُ وأبينُ أنَّ محمداً متابعٌ للأخبارِ عن الله ╡.
[3] الرَّسول مَعناه في اللغةِ: الذي يتابعُ الأخبارَ بما أُرسلَ به عمَّن أَرسَلَه، مأخوذٌ من قولِ العرب: جاءتْ رَسْلاً، أي: متتابعةً، والرَّسَلُ: الإبلُ المتتابعةُ، وجمعُ رسولٍ رسُلٌ وتثنيتُه رسولانِ، ومن العربِ من يوحدُه في موضعِ التثنيةِ والجمعِ، فيقول: الرجلانِ رسولُك والرجالُ رسولُك، وفي القرآنِ في موضعٍ {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه:47] وفي موضعٍ آخرَ: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:16] ، وقال أبو عبيدة وغيرُه: إنما وُحِّدَ الرَّسولُ لأنَّه في معنى الرِّسالةِ كأنَّه قال: إنَّا رسالةُ ربِّ العالمينَ.
ويجوزُ في ما ذكرنا من الشهادةِ في العربيةِ ثلاثةُ أوجهٍ، الوجه الأولُ المتفقُ عليهِ: أشهد أن محمداً رسول الله، والوجه الثاني: أشهد أنَّ محمداً رسول الله على معنى أقولُ: إنَّ محمداً رسول الله، ويُجمع محمدٌ على ثلاثةِ أوجهٍ ففي جمع السلامةِ المحمدون في حالةِ الرفعِ، والمحمدينَ في النصبِ والخفضِ، ومن أبدَل من العربِ من الألفِ عيناً لا يجوزُ أن يفعَل ذلك إذا انكسرتِ الألفُ وإنما يفعلون ذلك إذا انفتحَت الواو لا غير، والوجهُ الثالثُ: جمعُ التَّكسيرِ وهو جمعُ محمدٍ على محامدَ ومحاميدَ، كذا حكى أهل العربية.
[4] حيَّ على الصلاة: معنى حيَّ في كلامِ العربِ: هَلُمَّ وأَقبِل، والمعنى هلمُّوا إلى الصَّلاةِ أقبلوا إلى الصَّلاة، وفتحَت الياء من حيَّ لسكونِها وسكونِ التي قبلَها، كما قالوا: ليتَ ولعلَّ، ويقال: حيَّ هلا بكذا، أي: أقبلُوا إليه، وقد رُوِيَ عن ابن مسعودٍ: إذا ذكر الصالحون فحيَّ هلا بعمرَ، أي: أقبلُوا على ذكرِ عمرَ.
[5] حيَّ على الفلاح: قيل: الفلاحُ الفوزُ، أي: هلمُّوا إلى الفوزِ، يقال: أفلحَ الرَّجلُ إذا فازَ، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [الأعلى:14] و{وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] أي: الفائزون وفازَ من تَزَكَّى، وقيل: الفلاحُ البقاءُ، أي: أَقبِلوا إلى السببِ الذي يؤدِّي إلى البقاءِ في الجنَّةِ، والحُجَّةُ له قولُ الشَّاعرِ:
~.....................والمُسْيُ والصُّبْحُ لا فلاحَ معَه
أي: لا بقاءَ معه، وقال هؤلاء في قوله {وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: الباقون في الجنَّةِ.