الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت

          3053- من روايةِ جعفرِ بنِ عمرِو بنِ أميةَ الضَّمْريِّ قال: خرَجتُ مع عُبيدِ الله بنِ عديِّ بنِ الخِيارِ فلما قدمْنا حمصَ قال لي عبيدُ الله: هل لكَ في وحشيٍّ تسألُهُ عن قتلِ حمزةَ؟ قلتُ: نعَم، وكان وحشيٌّ يسكنُ حمصَ، فسألْنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظلِّ قصرِه، كأنَّه حَميتٌ(1).
          قال: فجِئنا حتَّى وقَفنا عليه بيَسيرٍ، فسلَّمْنا، فردَّ السَّلامَ، وعبيدُ الله معتجرٌ بعمامةٍ(2)، ما يَرى وحشيٌّ إلَّا عينيه ورجليه، فقال عبيدُ الله: يا وحشيُّ؛ أتعرفُني؟ قال: فنظَر إليه ثم قال: لا والله، إلَّا أنِّي أعلَمُ أنَّ عديَّ بنَ الخِيارِ تزوَّج امرأةً يقال لها: أمُّ قتالٍ بنتُ أبي العاصِ فولدَتْ له غلاماً بمكَّةَ، فكنتُ استرضعُ له، فحملتُ ذلك الغلامَ مع أمِّهِ فناولتُها إيَّاهُ، فلكأنِّي نظرتُ إلى قدميكَ.
          قال: فكشَف عبيدُ الله عن وجهِهِ، ثم قال: ألا تخبِرُنا بقتلِ حمزةَ؟ قال: نعَم، إنَّ حمزةَ قتَل طُعيمةَ بنَ عديِّ بنِ الخِيارِ ببدرٍ، فقال لي مولاي جبيرُ بنُ / مطعمٍ: إن قتَلتَ حمزةَ بعمِّي فأنتَ حرٌّ.
          فلمَّا أن خرَج النَّاسُ عن عَينَينِ(3) _وعينين: جبلٌ بحيالِ أحدٍ، بينَه وبينَه وادٍ_ خرجتُ مع النَّاسِ إلى القتالِ، فلما أن اصطفُّوا للقتالِ خرَج سِباعٌ فقال: هل من مبارزٍ(4) ؟ فخرَج إليه حمزةُ، فقال: يا سباعُ، يا ابنَ أمِّ أنمارٍ، مُقَطِّعةِ البُظورِ(5)، أتُحادُّ(6) الله ورسولَه؟ قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمسِ الذاهبِ.
          قال: وكمنتُ لحمزةَ تحتَ صخرةٍ، فلما دنا منِّي رميتُه بحربَتي(7)، فأضعُها تحت(8) ثدييهِ، حتَّى خرجَتْ من بينِ وركيهِ، قال: فكان ذلك العهدُ به.
          فلما رجَع النَّاسُ رجَعتُ معهم، فأقمتُ بمكَّةَ حتَّى فشَا فيها الإسلامُ، ثم خرَجتُ إلى الطَّائفِ، «فأرسَلوا إلى رسولِ الله صلعم رسلاً، فقيل لي(9) : إنَّهُ لا يهيجُ الرُّسلَ»، قال: فخرَجتُ معهم حتَّى قدمتُ على رسولِ الله صلعم، فلما رآنِي قال: أنتَ وحشيٌّ؟ قلتُ: نعَم، قال: أنتَ قتلتَ حمزةَ؟ قلتُ: قد كان من الأمرِ ما بلغَك، قال: «فهلْ تستَطيعُ أن تغيِّبَ وجهَك عنِّي؟». /
          قال: فخرَجتُ، فلما قبضَ رسولُ الله صلعم، فخرَج مسيلمةُ الكذَّابُ، قلتُ: لأخرُجَنَّ إلى مسيلمةَ، فلعلِّي أقتلُه، فأكافي به حمزةَ، قال: فخرَجتُ مع النَّاسِ، فكان منْ أمرِه ما كان، فإذا رجلٌ قائمٌ في ثُلمةِ(10) جدارٍ كأنَّه جملٌ أورقُ ثائرُ الرَّأسِ، فرميتُه بحربتِي فأضعُها بينَ ثديَيه، حتَّى خرَجَت من بينِ كتفَيهِ، قال: ووَثبَ إليه رجلٌ من الأنصارِ فضَربهُ بالسَّيفِ على هامتِه.
          قال عبدُ الله بنُ الفضلِ: فأخبرنِي سليمانُ بنُ يسارٍ أنَّه سمِع عبدَ الله بنَ عمرَ يقول: فقالت جاريةٌ على ظهرِ بيتهِ: وا أميرَ المؤمنيناهُ، قتلهُ العبدُ الأسودُ. [خ¦4072]


[1] الحَمِيتُ: الزِّقُّ.(ابن الصلاح).
[2] الاعتجارُ: لفُّ العمامةِ على الرأسِ دونَ أن يَتَلَحَّى بشيءٍ منها، ويقال: إنه لحسنُ العِجرةِ، ومِعْجَرُ المرأةِ من ذلك وهو أصغرُ من الرِّداءِ نحوُ المِقْنَعَةِ تضعُه على رأسِها، وفي الحديثِ: «ما يَرَى وحشيٌّ منه إلا عينيهِ ورجليهِ» فقد يكون غَطَّى وجهَه بعد العمامةِ إذ لم يُذكرْ في الاعتجارِ إلا ما قدمنا.(ابن الصلاح نحوه).
[3] في (ت): (بعينين) وفي نسختنا من رواية البخاري: (عام عينين)، قال العيني: عينين تثنية عين، قال الكرماني: ضد المثنى، ويروى بلفظ الجمع، وعلى التقديرين النون تعتقب الإعراب منصرفاًَ وغير منصرف، وإنما قال عام عينين دون عام أحد؛ لأن قريشاً كانوا نزلوا عنده.وفي هامش (ابن الصلاح) في (سع): (وكذا في الآخر: عَيْنيِنَ وَعَيْنِينُ).
[4] البُروزُ: الظهورُ، والمُبارزُ: الذي يخرجُ إلى قتالِ من يبارزُه ويتعاطى قتالَه.
[5] مُقَطِّعَةُ البُظُورِ: عيَّرهُ بأنَّ أمَّه كانت خاتنةً تختنُ النساءِ وهي الخافضةُ، والبَظْرُ: ما يبرزُ في وسطِ فرجِ المرأةِ من اللحمِ فتقطعُه الخاتِنةُ بصناعتِها.(ابن الصلاح نحوه).
[6] المحادَّاةُ: المخالفَةُ وتركُ الطاعةِ، والأصلُ أن يكون في حدٍّ غيرِ حدِّ من يخالفُه.(ابن الصلاح نحوه).
[7] الحربةُ: نوعٌ من الرِّماحِ فيه قِصَرٌ.(ابن الصلاح نحوه).
[8] في (ت): (بين).
[9] سقط قوله: (لي) من (ظ).
[10] الثُلْمَةُ: في الحائطِ وفي الجبلِ كالفرجةِ، وأصلُ الثلمةِ الخَلَلُ في الشيء ومنه وأنا مُتَثَلِّمٌ.(ابن الصلاح نحوه).