الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون

          3012- أخرجه تعليقاً فقال: وقال هشامُ بنُ عمارٍ: حدَّثنا صدقةُ بنُ خالدٍ. [خ¦5590]
          وأخرجه أبو بكرٍ الإسماعيليُّ وأبو بكرٍ البَرقانيُّ بالإسنادِ، وهو عند البخاري وعندهما من حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بن غَنْمٍ الأشعريِّ قال: حدَّثني أبو عامرٍ أو أبو مالكٍ الأشعريُّ _والله ما كذبَني_ سمعَ النَّبيَّ صلعم يقولُ: «لَيكونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ يستَحلُّونَ [الخزَّ](1) والحريرَ والخمرَ / والمعازفَ(2)، ولَينزلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ عَلَمٍ(3)، يروحُ عليهم بسارحةٍ(4) لهم، يأتيهم(5) لحاجةٍ». كذا في الكتابِ.
          وللبرقانيِّ عن الإسماعيليِّ، وفي روايةِ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ الباغنديِّ عن هشامِ بنِ عمارٍ: [«ويَأتيْهم رجلٌ لحاجةٍ»].
          وفي روايةِ الحسنِ بنِ سفيانَ عن هشامٍ: [«فيأتِيهم طالبُ حاجةٍ»]. /
          ثمَّ اتَّفقُوا: «فيقولونَ: ارجعْ إلينا غداً، فيُبَيِّتُهم الله، ويضعُ العلمَ، ويمسخُ آخرينَ قردةً وخنازيرَ إلى يومِ القيامةِ».
          وقد رواهُ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ من حديثِ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ الباغنديِّ عن هشامِ بنِ عمَّارٍ بالإسنادِ، وفيه: حدَّثَنا أبو عامرٍ الأشعريُّ _والله ما كذبَني وذكرَ الحديثَ_ ولم يشكَّ.
          وكذلك أخرجه أبو داودَ سليمانُ بنُ الأشعثِ السجستانيُّ في «السننِ» في كتابِ اللباسِ في ذكرِ الخزِّ ولباسِهِ، من حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ عن أبي مالكٍ أو أبي عامرٍ بنحوِه.
          والذي ذكرَه أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحربيُّ في بابِ الحاءِ والراءِ، ليس في هذا من شيءٍ، إنَّما هو حديثٌ آخرُ، من روايةِ مكحولٍ عن أبي ثعلبةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «أوَّلُ دينِكم نبوَّةٌ ورحمةٌ، ثم مُلكٌ ورحمةٌ، ثم مُلكٌ وجَبرِيَّةٌ، ثم ملكٌ عِضٌّ، يُستَحلُّ فيه الحِرُ(6) والحريرُ». يريدُ استحلالَ الحرامِ من الفروجِ، وهذا لا يتَّفقُ مع الذي أخرجه البخاري وأبو داودَ في متنٍ ولا إسنادٍ، وإنَّما ذكرنا ذلك لأنَّ منَ النَّاسِ من توهَّم في ذلك شيئاً فبيَّنَّاه.
          وحديثُ مكحولٍ أيضاً ليس من شرطِ «الصحيحِ». /


[1] في نسختنا من رواية البخاري (الحر).قال الحافظُ ابنُ حجر: ضبطهُ ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورةِ والرَّاء الخفيفةِ، وكذا هو في معظمِ الرواياتِ من «صحيح البخاري»، ولم يذكرْ عياضٌ ومن تبعَه غيرَه، وأغربَ ابن التين فقال: إنَّه عندَ البخاري بالمعجمتينِ، وقال ابن العربي: هو بالمعجمتينِ تصحيفٌ، وإنما رويناهُ بالمهملتينِ، وهو الفرجُ والمعنى يستحلونَ الزِّنا.
قال ابن التين: يريدُ ارتكابَ الفرجِ بغيرِ حلِّه، وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة بهذا المعنى ولكنَّ العامة تستعملُه بكسرِ المهملةِ كما في هذه الرواية، وحكى عياضٌ فيه تشديدُ الرَّاء، والتخفيف هو الصواب، وقيل: أصلُه بالياءِ بعدَ الرَّاءِ فحذفَت.
وذكره أبو موسى في ذيلِ الغريبِ في (ح ر) وقال هو بتخفيفِ الراءِ وأصلُه حِرحٌ بكسرِ أوَّله وتخفيفِ الرَّاء بعدها مهملةٌ أيضاً، وجمعُه أحراحٌ، قال: ومنهم من يشدِّدُ الرَّاء وليس بجيِّد.
ترْجمَ أبو داودَ للحديثِ في كتابِ اللباسِ: بابُ ما جاءَ في الخز، ووقَع في روايتهِ بمعجمتينِ والتشديدِ _والراجحُ بالمهملتينِ، ويؤيِّدهُ ما وقَع في الزُّهد لابن المباركِ من حديثِ عليٍّ بلفظِ (يوشكُ أن تستحلَّ أمتي فروجَ النساءِ والحريرِ)، ووقَع عندَ الداودي بالمعجمتينِ_ ثم تعقَّبه بأنه ليس بمَحفوظٍ لأنَّ كثيراً من الصحابةِ لبسوهُ.
[2] المعازفُ: الملاهي، والعزف: اللعبُ بها.
[3] العَلَمُ: الجبلُ، والعَلَمُ: العلامةُ، والعلمُ: الشقُّ في الشفةِ العليا، والعَلَمُ: الرَّايةُ، والعَلَمُ: الثوبُ، والعَلَمُ: الفارس إذا كانت له علامةٌ في الحرب يُعرفُ بها، والعَيْلَمُ: البحرُ والبئرُ الكثيرةُ الماءِ ويُشبَّهُ العالِمُ الكثيرُ العلمِ بها.
[4] السَّارحةُ: من الإبلِ وغيرها تسرحُ في المرعى تروحُ عليهم، أي: تعودُ عليهم رواحاً بالعشيِّ، قال أبو عبيدٍ: السارحةُ هي الماشيةُ التي تسرحُ بالغداةِ إلى مراعيها، وقال غيرهُ: السارحةُ: الإبلُ والغنمُ.
[5] استشكله في (ابن الصلاح)، وقد أتى بحذف الفاعلِ على تقدير: الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل، وسيأتي أنه عند الإسماعيلي: «يأتيهم طالبُ حاجةٍ».«فتح الباري» 1055.
[6] أشار في (ابن الصلاح) أنها كذلك أيضاً في: (سع).