الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ما منعك أن تعطيه سلبه

          2978- الرَّابع: عن جُبيرِ بنِ نُفيرٍ عن عوفِ بنِ مالكٍ قال: قتَل رجلٌ من حِميَرٍ رجلاً من العدوِّ، فأرَاد سلَبَه، فمنَعَه خالدُ بنُ الوليدِ _وكان والياً عليهم_ «فأتى رسولَ الله صلعم عوفُ بنُ مالكٍ فأخبرَه، فقال لخالدٍ: ما منعَك أن تعطيَه سَلَبه(1) ؟قال: استكثرتُه يا رسولَ الله؛ قال: ادفعْه إليه. فمرَّ خالدٌ بعوفٍ، فجرَّ بردائِه ثم قال: هل أنجَزتُ لك ما ذكَرتُ لك من رسولِ الله صلعم؟ فسَمِعه رسولُ الله صلعم، فاستغضبَ وقال: لا تعطِه يا خالدُ، هل أنتمْ تاركوا(2) لي أمرائِي؟ إنَّما مثلُكم ومثلُهم كمثلِ رجلٍ استُرعِيَ إبلاً وغنماً، فرعاها، ثم تحيَّن سقيَها، فأورَدَها حوضاً، فشرعَت فيه(3)، فشربَت صفْوَهُ، وتركَت كدرَهُ، فصفوُه لكُم، وكدرُه عليهِم».
          وفي حديثِ صفوانَ بنِ عمرٍو عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ جبيرٍ عن أبيه عن عوفِ بنِ مالكٍ قال: خرَجتُ مع مَن خرَج معَ زيدِ بنِ حارثةَ في غزوةِ مؤتةَ، ورافَقَني مددِيٌّ / من اليمنِ... وساقَ الحديثَ، وفيه: «قال عوفٌ: فقلتُ: يا خالدُ؛ أما علمتَ أنَّ رسولَ الله صلعم قضى بالسَّلَبِ للقاتلِ؟ فقال: بلى، ولكن(4) استكثرْتُه».
          وأخرجه أبو بكرٍ البَرقانيُّ في كتابِه من حديثِ إسحاقَ بنِ راهُويَه عن الوليدِ بنِ مسلم بإسناده الذي أخرجه به مسلم، وذكَره بطولِه، وزادَ فيه بياناً: [أنَّ عوفَ بنَ مالكٍ قال: «إنَّ رسولَ الله صلعم لم يكنْ يخمِّسُ السَّلَبَ، وأنَّ مَدَدِيَّاً كان رفيقاً لهم في غزوةِ مؤتةَ في طرفٍ من الشَّام، قال: فجعَل روميٌّ منهم يشتدُّ على المسلمينَ وهو على فرسٍ أشقرَ، وسَرْجٍ مذهَّبٍ، ومِنْطقةٍ ملطخةٍ، وسيفٍ محلى بذهبٍ، قال: فيُغرِي بهم، قال: فتلطَّف له المدديُّ حتَّى مرَّ به، قال: فضرَب عرقوبَ فرسِه فوَقَع، وعلاه بالسَّيفِ فقتَلَه وأخذَ سلاحَه، قال: فأعطاهُ خالدُ بنُ الوليدِ وحبسَ منه، قال عوفٌ: فقلتُ له: أعطِه كلَّهُ، أليسَ قد سمعتَ رسولَ الله صلعم يقول: السَّلَبُ للقاتلِ؟ قال: بلى، ولكنِّي قد استكثرتُه، قال عوفٌ: فكان بينِي وبينَه في ذلك كلامٌ، فقلتُ له: لأخبرنَّ به رسولَ الله صلعم.
          قال عوفٌ: فلمَّا اجتَمعْنا عندَ رسولِ الله صلعم ذكر عوفٌ ذلك لرسولِ الله صلعم، فقال لخالدٍ: لِـمَ لَـمْ تعطِه؟ فقال: قد استَكثرتُه، قال: فادفعْه إليهِ. قال عوفٌ: فقلتُ له: ألم أنجِزْ لك ما وعدتُك؟ قال: فغَضبَ رسولُ الله صلعم وقال: يا خالدُ؛ لا تدفَعْه إليه، هل أنتُم تاركُوا لي أمرائِي»]
.


[1] السَّلَبُ: الذي يُقْضَى به للقاتلِ في الحربِ، هو كل ما كان على المقتولِ من لباِسه ومن آلةِ الحربِ.
[2] استشكل في (ابن الصلاح) حذفَ النون، وهي في بعض النسخ: «تاركون» بثبوتها وهذا هو الأصل، والأول صحيح أيضاً وهي لغةٌ معروفة، وقد جاءت بها أحاديث كثيرةٌ؛ منها: قوله صلعم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا».«شرح مسلم» للنووي 1265.
[3] شَرَعَتِ الإبلُ: وردَت الشَّريعةَ وهي موضعُ الماءِ الذي تردُه وتشربُ منهُ، وشَرَّعتُها تَشْريعاً أمكنتُها من الورودِ في الشَّريعةِ ولم أمنعْها.(ابن الصلاح نحوه).
[4] في (ظ): (ولكنّي).