الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إن الله يحفظ دينه، وإني ألا أستخلف

          22- الرَّابع: عنِ ابن عمرَ _من رواية سالم عنه_ قال: دخلتُ على حفصةَ ونَوْساتُها(1) تَنطُفُ(2)، فقالت: أعلمتَ أنَّ أباك غيرُ مستخلِفٍ؟ قلت: ما كان ليفعلَ! قالت: إنَّه فاعلٌ، قال: فحلفتُ أن أكلِّمه في ذلك، فسكتُّ حتَّى غدوتُ ولم أكلِّمه، فكنت كأنَّما أحمِل(3) بيميني جَبلاً، حتَّى رجعتُ فدخلتُ عليه، فسألني عن حال النَّاس، وأنا أخُبِرُه، قال: ثمَّ قلت له: إنِّي سمعت النَّاس يقولون مَقالةً، فآليتُ أنْ أقولَها لك: زعموا أنَّك غير مستخلِفٍ، وإنَّه لو كان لك راعي إبلٍ أو راعي غنمٍ ثمَّ جاءك وتركَها لرأيتَ أنْ قد ضَيَّعَ، فرعايةُ النَّاس أشدُّ! قال: فوافقَه قولي، فوضعَ رأسَه ساعةً ثمَّ رفعَه إليَّ فقال: إنَّ الله ╡ يحفظُ دينَه، وإنِّي ألَّا أستخلفَ فإنَّ رسول الله صلعم لم يستخلِفْ، وإن أستخلِفْ فإنَّ أبا بكرٍ قد استخلفَ، قال: فوالله ما هو إلَّا أنْ ذكر رسولَ الله صلعم وأبا بكرٍ فعلمتُ أنَّه لم يكن لِيعدِلَ برسول الله صلعم أحداً، وأنَّه غيرُ مستخلِفٍ.
          وأخرجاه أيضاً من رواية عروةَ بنِ الزُّبير عنِ ابنِ عمرَ بمعناه في الاستخلاف، / وأنَّه لمَّا طُعن عمرُ قيل له: لو استخلفتَ؟ قال: أتحمَّلُ أمرَكم حيّاً وميتاً؟! إن أستخلِفْ فقد استخلفَ مَن هو خيرٌ منِّي أبو بكرٍ، وإن أتركْ فقد ترك مَن هو خيرٌ منِّي رسولُ الله صلعم، ودِدتُ أنَّ حظِّي منها الكَفافُ(4) لا عليَّ ولا لي.
          قال عبد الله: فعلمت أنَّه غيرُ مستخلِفٍ.
          فقالوا: جزاك الله خيراً، فقال: راغبٌ وراهبٌ. [خ¦7218]


[1] النَّوس: الحركة، والنوسَات: ما تحرك من شعرٍ أو حُلي متدلياً، يقال: ناسَ الشيءُ ينوسُ نَوْساً ونَوَساناً إذا تحرك.(ابن الصلاح) نحوه.
[2] وأصلُ الصلاةِ في اللغةِ: الدُّعاءُ، قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة:103] أي: ادعُ لهم، وفي الصلاةِ أعمالٌ معروفةٌ موصوفةٌ وهي التي يُدْعَى إليها بالأذانِ، والأذانُ: الإعلامُ بالصلاة والتنبيهُ على دخولِ وقتِها والسعي في أدائِها على الوجهِ الذي أُمِرَ به فيها.
[3] الحمل: ما كان في بطن أو على رأس شجرةٍ بالفتح، والحِمل بالكسر ما كان على ظهرٍ أو رأس.
[4] الكَفاف: ما لا فضل فيه عن الحاجة ولا تقصير، وأصله المساواة...