الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أي عباس ناد أصحاب السمرة

          2778- أحدُها: من روايةِ كَثيرِ بنِ العبَّاسِ عن أبيهِ قال: «شهدتُ مع رَسولِ الله صلعم يومَ حُنينٍ، فلزِمتُ أنا وأبو سفيانَ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطَّلبِ رسولَ الله صلعم فلمْ نفارِقْه، ورسولُ الله صلعم على بَغلةٍ له بيضاءَ أهدَاها له فروةُ بن نُفَاثَةَ الجُذاميُّ، فلمَّا التقى المسلمون والكفَّارُ، ولَّى المُسلِمون مُدبرين، فطفِقَ رسولُ الله صلعم يركُضُ بغلتَه قِبَل الكفَّارِ، قال عبَّاسٌ: وأنا آخذٌ بلِجامِ بَغلةِ رسولِ الله صلعم أَكُفُّها إرادةَ ألَّا تُسرِعَ(1)، وأبو سفيانَ آخذٌ بركابِ رسولِ الله صلعم، فقال رسولُ الله صلعم: أيْ عبَّاسُ؛ نادِ أصحابَ السَّمُرةِ. فقال عبَّاسٌ _وكانَ رجلاً صَيِّتاً_ : فقلتُ بأعلى صوتِي: أينَ أصحابُ السَّمُرةِ؟ قال: فوالله لَكأنَّ عَطْفَتَهُم حين سَمِعوا صوتِي عَطْفةُ البقرِ على أولادِها، فقالوا: يا لبَّيكَ يا لبَّيكَ، قال: فاقتتَلوا والكفَّارَ، والدَّعوةُ في الأنصارِ يقولونَ: يا معشرَ الأنصارِ، يا معشرَ الأنصارِ، ثم قُصِرَتِ الدَّعوةُ على بني الحارثِ بنِ الخزْرجِ، فنظَر رسولُ الله صلعم وهو على بَغلتِه كالمتطَاوِل عليها _يَنظر_ (2) إلى قِتالهمْ، فقال رسولُ الله / صلعم: هذا حين حَمِيَ الوَطِيسُ(3). قال: ثم أخَذ رسولُ الله صلعم حَصَيَاتٍ فرَمى بهنَّ وجُوه الكفَّارِ، ثم قال: انهَزَموا وربِّ محمَّدٍ! قال: فذَهبتُ أنظر، فإذا القتالُ على هَيئتِه فيما أُرى، قال: فوالله ما هو إلَّا أنْ رمَاهم بحصَيَاتِه فما زِلت أَرى حدَّهم(4) كَلِيلاً(5)، وأمرَهم مُدبراً».
          وفي حديث مَعمرٍ عن الزُّهريِّ نحوُه، غيرَ أنَّه قال: «فَروةُ بن نُعامَةَ» وقال: «انهزَموا وربِّ الكعبةِ، انهزَموا وربِّ الكعبةِ».
          وزاد في الحديث: «حتَّى هزمَهُم الله، قال: وكأنِّي أنظُر إلى النَّبيِّ صلعم يركضُ خلفَهم على بَغلتِه».


[1] ضبطها في (ابن الصلاح): بالياء والتاء.
[2] لم يذكر في (ابن الصلاح) ولا في نسختنا من صحيح مسلم: (يَنظُر).
[3] حمَي الوَطيسُ: أي؛ اشتدتِ الحربُ فتناهى القتالُ، والوطيسُ في الأصلِ التَّنُّورُ، شبَّه الحربَ باشتعالِ النَّارِ ولهبِها، ثمَّ قيلَ ذلكَ في كلِّ أمرٍ اشتدَّ وخلافٍ استَحْكم وقتالٍ استَلْحم.
[4] تصحفت في (ابن الصلاح) إلى: (جَذَّهم).وقوله: فما زلْنا نرى حدَّهم: أي؛ بأسَهم وشدَّتَهم.
[5] كَليلا: أي؛ ضعيفاً نابياً، يقالُ: كَلَّ السيفُ كَلاًّ وكلولاً إذا نبا عن الضربةِ ولم يسرعْ قطعَها، ضربَه مثلاً لضعفِ أمرِهم وانحلالِ شدتِّهم.