الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة

          2660- الرَّابع والسَّبعون: عن سفيان بن عيينة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرةَ قال: «قالوا: يا رسول الله؛ هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارُّون في / رؤية الشَّمس(1) في الظَّهيرة(2) ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: والَّذي نفسي بيده، لا تضارُّون في رؤية ربِّكم إلَّا كما تضارُّون في رؤية أحدهما. قال: فيلقى العبد فيقول: أي فُلُ(3)، ألَم أُكرِمْك وأسوِّدْك(4) وأزوِّجْك وأسخِّرْ لك الخيل والإبل وأذَرْك ترأَسُ وتَرْبَع(5) ؟ فيقول: بلى، فيقول: أفظننت أنَّك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإنِّي أنساك كما / نسيتني، ثمَّ يلقى الثَّاني فيقول: أي فُلُ، ألَم أكرِمْك وأسوِّدْك وأزوِّجْك وأسخِّرْ لك الخيل والإبل وأذرْك تَرأَسْ وتَرْبَع؟ فيقول: بلى، أي وربِّي، فيقول: أظننت أنَّك ملاقيَّ؟ قال: فيقول: لا، فيقول: فإنِّي أنساك كما نسيتني، ثمَّ قال: ثمَّ يلقى الثَّالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربِّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصلَّيت وصمت وتصدَّقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذاً، قال: ثمَّ يقال: الآن نبعث شاهدنا عليك، ويتفكَّر في نفسه مَن ذا الَّذي يشهد عليَّ، فيُختَم على فِيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطِق فخِذُه ولحمُه وعظامُه بعمله، وذلك ليُعذِر من نفسه(6)، وذلك المنافق، وذلك الَّذي يسخط الله عليه».
          وليس لسفيان بن عيينة عن سهيل في مسند أبي هريرةَ من الصَّحيح إلَّا هذا.


[1] هل تضارُّون في رؤيةِ الشمسِ: من رواه بالتخفيف فهو من الضَّير؛ أي: لا يخالف بعضُكم بعضاً فيُكذبه، ولا تَنازَعون، يقال: ضارَّه مُضارَّةً، إذا خالفه، ويقال: ضارَه يَضِيره، وأهل العالية يقولون: يضُورُه، وقيل: لا تُضارُّون؛ أي: لا تُضايَقون، والمُضارَّة المضايقة، والضرر الضِّيق، وروي: «لا تُضامُّون في رؤيته» أي: لا يَنضم بعضُكم إلى بعض في وقت النظر لإشكاله وخفائه، بل هو أظهر من ذلك، وروي: «لا تُضامُون» بالتخفيف؛ أي: لا ينالكم ضَيمٌ في رؤيته، فيراه بعضٌ دون بعض بل يستوون في الرؤية.وقال ابن الأنباري: أي: لا يقع لكم في الرؤية ضَيمٌ، وهو الذُّل والصَّغار، وهو من الفعل تفعلون تضيمون، فأُلقيَت فتحةُ الياء على الضاد، فصارت الياء ألفاً؛ لانفتاح ما قبلها، وأما قوله: لا تضارون: فيجوز أن يكون على معنى لا تُضاررون بعضكم؛ أي: لا تخالفونهم ولا تجادلونهم في صحة النظر، بتسكين الراء الأولى وتُدْغَم في التي بعدها، ويُحذَف المفعول لبيان معناه، ويجوز لا تُضارُّون؛ أي: لا تَنازَعون، وقال ابن عرفة: أي لا تتجادلون فتكونون أحزاباً مُتضادة.
[2] الظَّهيرة: وقتُ اشتدادِ الحر من وسط النهار، ويقال: قد أظهرنا؛ أي: صرنا في وقت الظهر.
[3] أي فُلُ: ترخيم فلان في النداء.
[4] ألم أُسوِّدْك: ألم أجعلك سيداً، والسيد الذي يفوق قومه في الخير، ويَنقادون له في الأمر، وسيِّدُ المرأة بعلُها لطاعتها إياه وانقيادها له.
[5] وأذَرْك تَربَع وتَرأسُ: كذا رواه بعض أصحاب الغريب بالباء المعجمة بواحدة وفسره على هذا فقال أن تأخذ المِرْبَاع، وهو ما كان يأخذه الرئيس من الغنيمة فمعناه: الانبساط والتنعم والأكل والتصرف بسعة وأمن لا مانع فيه، وأصله في المرعى، يقال: رَبِعَت الإبل وأَرْبَعَها صاحبُها، إذا كانت في موضعٍ مُخصِبٍ لا تَعدمُ فيه ما تريده من الانبساط والتنعم.
[6] وذلك ليُعذِر من نفسه: أي؛ لتقومَ الحجة عليه بشهادة أعضائه عليه، يقال: أَعذرَ فلان من نفسِه، إذا أُتي من نفسه كأنها هي التي قامت بعذرِ من لامَها، ومن ذلك قوله: لن يَهلِك الناسُ حتى يُعذِروا من أنفسهم؛ أي: حتى تكثُر ذنوبُهم وعيوبهم فتقوم الحجة عليهم، ويكون العذر واضحاً لمن يُعاقبهم.