الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة

          2417- التَّاسع والأربعون بعد المئتين: عن محمَّدٍ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «لم يتكلَّمْ في المهدِ إلَّا ثلاثةٌ: عيسى بن مريمَ، وصاحبُ جُرَيجٍ، وكان جريجٌ رجلاً عابداً فاتَّخذ صَومعةً فكان فيها، فأتته أمُّه وهو يصلِّي فقالت: يا جُرَيجُ، فقال: يا ربِّ؛ أمِّي وصلاتي، فأقبَلَ على صلاتِه فانصرفتْ، فلمَّا كان من الغد أتَتْه وهو يصلِّي فقالت: يا جريجُ، فقال: يا ربِّ؛ أمِّي وصلاتي، فأقبَلَ على صلاته، فلمَّا كان من الغد أتته فقالت: يا جريج، فقال: أي(1) ربِّ؛ أمِّي وصلاتي، فأقبَلَ على صلاتِه، فقالت: اللَّهمَّ لا تُمِتْه حتَّى ينظرَ إلى وجوه المومساتِ(2)، فتذاكرَ بنو إسرائيلَ جُريجاً وعبادَته، وكانت امرأةٌ بغيٌّ(3) يُتَمثَّلُ بحُسنِها، فقالت: إن شئتم لَأفتِنَنَّه، قال: فتعرَّضَت له فلم يلتفِتْ إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صَومعتِه، فأمكنَته من نفسِها فوقَع عليها فحملت، فلمَّا ولدَت قالت: هو من جُريجٍ، فأتَوه فاستنزلوه وهدموا صَومعتَه وجعلوا يضرِبونَه، فقال: ما شأنُكم؟ فقالوا: زنَيتَ بهذه البغيِّ فولدَت منك، قال: أين الصَّبيُّ؟ فجاؤوا به، فقال: دَعوني حتَّى أُصلِّيَ، فصلَّى، فلمَّا انصرف أتى الصَّبيَّ، فطعَن في بطنَه، وقال: يا غلامُ؛ مَن أبوكَ؟ قال: فلانٌ الرَّاعي، فأقبلوا على جُريجٍ يقبِّلونه ويتمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صَومَعتك من ذهبٍ، قال: لا؛ أعيدوها من طينٍ كما كانت، ففعلوا.
          وبينا صبيٌّ يرضَعُ من أمِّه، فمرَّ به رجلٌ راكبٌ على دابَّةٍ فارِهةٍ وشارةٍ حسنةٍ(4)، / فقالت أمُّه: اللَّهمَّ اجعل ابني مثلَ هذا، فترك الثَّديَ وأقبل إليه فنظرَ إليه فقال: اللَّهمَّ لا تجعَلْني مثلَه، ثمَّ أقبلَ على ثديه فجعل يرتضِع. قال: فكأنِّي أنظرُ إلى رسول الله صلعم وهو يحكي ارتِضاعَه بإصبَعِه السبابةِ في فيه، فجعل يَمصُّها. وقال: ومرُّوا بجاريةٍ وهم يضربونَها ويقولون: زنَيتِ سرقتِ، وهي تقول: حسبيَ الله(5) ونِعْمَ الوكيلُ(6)، فقالت أمُّه: اللَّهمَّ لا تجعلْ ابني مثلَها، فترك الرَّضاع ونظر إليها فقال: اللَّهمَّ اجعلْني مثلَها. فهنالك تراجعا الحديثَ، فقالت: مرَّ رجلٌ حسنُ الهيئةِ فقلتُ: اللَّهمَّ اجعلْ ابني مثلَه، فقلتُ: اللَّهمَّ لا تجعلْني مثلَه، ومَرُّوا بهذه الأمَة وهم يضرِبونَها ويقولون: زنيتِ سرقتِ، فقلتُ: اللَّهمَّ لا تجعلْ ابني مثلَها، فقلتَ: اللَّهمَّ اجعلني مثلها، قال: إنَّ ذلك الرَّجلَ كان جبَّاراً فقلتُ: اللَّهمَّ لا تجعلْني مثلَه، وإنَّ هذه يقولون لها: زنَيتِ ولم تزنِ، وسرقتِ ولم تسرِقْ، فقلتُ: اللَّهمَّ اجعَلْني مثلَها». لفظُ حديث مسلمٍ عن زهير بن حربٍ، وهو أتمُّ. وأخرجه البخاريُّ مختصراً. [خ¦2482]
          وأخرج البخاريُّ حديثَ المرأة وابنها خاصَّةً من حديث شعيبِ بن أبي / حمزةَ عن أبي الزناد عن الأعرجِ عن أبي هريرةَ عن رسول الله صلعم قال: «بينما امرأةٌ تُرضِعُ ابناً لها إذ مرَّ بها راكبٌ وهي تُرضِعه، فقالت: اللَّهمَّ(7) لا تُمِت ابني حتَّى يكونَ مثلَ هذا، فقال: اللَّهمَّ لا تجعَلْني مثلَه، ثمَّ رجع في الثَّدي، ومُرَّ بامرأةٍ تُجَرَّر ويُلعَبُ بها، فقال: اللَّهمَّ اجعلني مثلَها، فقال: أمَّا الرَّاكبُ كافرٌ، وأمَّا المرأةُ فإنَّه يقال لها: تزني، وتقول: حسبيَ الله، ويقولون: تسرِقُ، وتقول: حسبيَ الله». [خ¦3466]
          وأخرج البخاريُّ أيضاً حديثَ جُرَيجٍ وأمَّه تعليقاً من حديث جعفرِ بن ربيعةَ عن الأعرج عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلعم: «نادَت امرأةٌ ابنَها وهو في صومعةٍ له، قالت: يا جُريجُ، قال: اللَّهمَّ أمِّي وصلاتي، فقالت: يا جُريجُ، قال: اللَّهمَّ أمِّي وصلاتي، قالت: يا جُريجُ، قال: اللَّهمَّ أمِّي وصلاتي، قالت: اللَّهمَّ لا يموتُ جريجٌ حتَّى ينظرَ في وجوه الميامِسِ(8). وكانت تأوي إلى صَومَعتِه راعيةٌ ترعى الغنمَ فولدَت، فقيل لها: مِمَّن هذا الولدُ؟ قالت: من جُريجٍ، نزل من صَومعته، قال جُريجٌ: أين هذه الَّتي تزعُمُ أنَّ ولدَها لي؟ قال: يا بابوسُ(9)، مَن أبوكَ؟ قال: راعي الغنم». [خ¦1206]
          وأخرج مسلمٌ منه طرفاً في جريج خاصَّة من حديث أبي رافع الصائغ عن أبي هريرةَ أنَّه قال: «كان جريج يتعبَّد في صومعة، فجاءتْ أمُّه _قال حُميد بن هلال: / فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرةَ بصفة رسول الله صلعم أمَّه حين دعته كيف جعلت كفَّها فوق حاجبها_ ثمَّ رفعتْ رأسها إليه تدعوه فقالت: يا جريج؛ أنا أمُّك كلِّمني، فصادفته يصلِّي، فقال: اللَّهمَّ أمِّي وصلاتي، فاختار صلاتَه، فقالت: اللَّهمَّ إنَّ هذا جريجٌ وهو ابني، وإنِّي كلَّمته فأبى أن يكلِّمَني، اللهمَّ فلا تُمِتْه حتَّى تُريَه المومِساتِ، قال: ولو دعتْ عليه أن يُفتَنَ لَفُتنَ، قال: وكان راعي ضأنٍ يأوي إلى دَيرِه، قال: فخرجت امرأةٌ من القريةِ فوقع عليها الرَّاعي فحمَلت، فولدت غلاماً، فقيل لها: ما هذا؟ قالت: مِن صاحبِ هذا الدَّير(10)، قال: فجاؤوا بفؤوسهم ومَساحيهِم فنادَوه، فصادفوه يصلِّي، فلم يكلِّمْهم، قال: فأخذوا يهدِمون دَيرَه، فلمَّا رأى ذلك نزل إليهم، فقالوا له: سَل هذه، قال: فتبسَّم ثمَّ مسح رأسَ الصَّبيِّ وقال: مَن أبوك؟ قال: راعي الضَّأن، فلمَّا سَمِعوا ذلك قالوا: نبني ما هدَمْنا من دَيرِك بالذَّهب والفضَّة، قال: لا؛ ولكن أعيدوه تراباً كما كان، ثمَّ علاه».


[1] في (ت): (يا رب)، وما أثبتناه من (الحموي) موافق لنسختنا من رواية مسلم، وهي في البخاري: (اللهم).
[2] المُومِسة: الفاجرة، وجمعه المومسات، وقيل: الميامس.
[3] البَغِي: الزانيةُ، وجمعه بغايا، والبِغاء الزنى.
[4] الشَّارة الحسنةُ: جمال الظاهر في الهيئة والملبس.
[5] حسبُنا الله: كافينا الله، يقال: أحسَبَني الطعامُ يحسِبني إحساباً إذا كفاني، ومن ذلك قولهم للظالم حسيبُك الله أي: كافيك، وقد قيل فيه: محاسبُك الله والعالم بظلمك الله.
[6] ونِعْمَ الوكيل: قيل: معناه الكافي، قال تعالى: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً} [الإسراء:2] أي: كافياً، وقيل: الوكيل الربُّ؛ أي: ونعم الربُّ، وقيل: معناه ونعم الكفيل بأرزاقنا، قال: ابن الأنباري، والمختار من هذا أن يكون المعنى كافينا الله ونعم الكافي فيكون الذي بعد نِعْم موافقاً للذي قبلها، كما يقولون: رازقنا الله ونِعْم الرزاق وراحمنا الله ونِعْم الراحم وخالقنا ونِعْم الخالق، فيكون هذا أحسن في اللفظ من قولك: خالقنا الله ونِعْم الكفيل بأرزاقنا.
[7] سقط قوله: (اللهمّ) من (الحموي).
[8] في (الحموي): (المومسات) وفي نسخة: (الميامس)، وما أثبتناه موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[9] يا بابوسُ: كلمةٌ تقال للصغير.
[10] في (الحموي): (هذه الصومعة)، وفي نسخة: (هذا الدير)، وما أثبتناه موافق لنسختنا من رواية مسلم.