الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أنا سيد الناس يوم القيامة

          2389- الحادي والعشرون بعد المئتين: عن أبي زُرعةَ عن أبي هريرةَ قال: «كنَّا مع النَّبيِّ صلعم في دعوةٍ، فرُفعَ إليه الذِّراعُ، وكانت تعجبُه، فنهسَ(1) منها / نهسةً وقال: أنا سيِّد النَّاس يومَ القيامة، هل تدرون ممَّ ذاك؟ يجمعُ الله الأوَّلين والآخرينَ في صعيدٍ(2) واحدٍ، فيبصرُهم النَّاظرُ ويُسْمِعُهم الدَّاعي، وتدنو منهمُ الشَّمسُ، فيبلغُ النَّاسَ من الغمِّ والكرْبِ ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النَّاس: ألا ترَون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغَكُم، ألا تنظرون من يشفعُ لكم إلى ربِّكم؟ فيقول بعضُ الناس لبعضٍ: أبوكم آدمُ، فيأتونه فيقولون: يا آدمُ؛ أنت أبو البشرِ، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحِه، وأمر الملائكةَ فسجدوا لك، وأسكنكَ الجنَّةَ، ألا تشفعُ لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغَنا؟ فقال: إنَّ ربِّي غضِبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولا يغضبُ بعدَه مثلَه، وإنَّه نهاني عن الشَّجرة فعصَيتُ، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ، فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوحُ؛ أنت أوَّل الرُّسلِ إلى أهل الأرضِ، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، أما ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغَنا، ألا تشفعُ لنا إلى ربِّك؟ فيقول: إنَّ ربِّي غضبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه، وإنَّه قد كانت لي دعوةٌ دعوتُ بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيمَ، فيأتون إبراهيمَ فيقولون: يا إبراهيمُ؛ أنت نبيُّ الله وخليلُه من أهل الأرضِ، اشفع لنا إلى ربِّك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنَّ ربِّي قد غضبَ اليوم غضَباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه، وإنِّي كنت كذبتُ ثلاثَ كذباتٍ _فذكرها أبو حيَّانَ يَحيى بن سعيدِ بن حيَّانَ في الحديث_ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى؛ أنت رسول الله، فضَّلك اللهُ برسالاتِه وبكلامِه على النَّاس، اشفع لنا إلى ربِّك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنَّ ربِّي قد غضِبَ / اليومَ غضباً لم يغضَبْ قبلَه مثلَه، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه، وإنِّي قد قتلتُ نفساً لم أؤمر بقتلِها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى؛ أنت رسول الله وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وكلَّمتَ(3) النَّاس في المهد، اشفع لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه، فيقول عيسى: إنَّ ربِّي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه _ولم يذكر ذنباً_ نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمَّدٍ، فيأتون محمَّداً _وفي رواية محمَّد بن بشرٍ: فيأتوني_ فيقولون: يا محمَّد؛ أنت رسول الله وخاتَمُ الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر، اشفع لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلقُ فآتي تحتَ العرشِ، فأقعُ ساجداً لربِّي، ثمَّ يفتح الله عليَّ من محامِدِه وحسنِ الثَّناء عليه شيئاً لم يفتحْه على أحدٍ قبلي، ثمَّ يقال: يا محمَّد؛ ارفع رأسَكَ، سلْ تُعطَه، واشفع تُشفَّع، فأرفعُ رأسي فأقول: أمَّتي يا ربِّ، أمَّتي يا ربِّ، أمَّتي يا ربِّ، فيقال: يا محمَّد؛ أدخِل من أمَّتك من لا حسابَ عليهم من الباب الأيمنِ من أبواب الجنَّة، وهم شركاءُ النَّاس فيما سوى ذلك من الأبوابِ، ثمَّ قال: والَّذي نفسي بيده، إنَّ ما بين المصراعَين(4) من مصاريعِ الجنَّة كما بين مكَّةَ وهجَرَ، أو كما بين مكَّةَ وبصرى». في كتاب البخاريِّ: «كما بين مكَّةَ وحِميرَ». / [خ¦3340]
          وفي حديث عمارةَ بن القعقاع عن أبي زُرعةَ عن أبي هريرةَ قال: «وُضِعَت بين يدي رسول الله صلعم قصعةٌ من ثريدٍ ولحمٍ، فتناول الذِّراعَ _وكانت أحبَّ الشَّاة إليه_ فنهسَ نهسةً، فقال: أنا سيِّد النَّاس يومَ القيامةِ. ثمَّ نهسَ أخرى فقال: أنا سيِّد النَّاسِ يومَ القيامةِ. فلمَّا رأى أصحابَه لا يسألونه، قال: ألا تقولون: كيفَهْ؟ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقوم النَّاس لربِّ العالمينَ...». وساق الحديثَ بمعنى ما تقدَّم، وزاد في قصَّة إبراهيمَ فقال: «وذكر قولَه في الكوكب: هذا ربِّي، وقولَه لآلهتهم: بل فعلَه كبيرُهم هذا، وقوله: إنِّي سقيمٌ. وقال: والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، إنَّ ما بين المصراعَين من مصاريع الجنَّة إلى عِضادَتي(5) الباب لكَما بينَ مكَّةَ وهجرَ» أو: «هجرَ ومكَّةَ». لا أدري أيَّ ذلك قال(6).
          وأخرج مسلمٌ نحوه من حديث أبي حازمٍ عن أبي هريرةَ ومن حديث رِبعيِّ بن حِراشٍ عن حذيفةَ قالا: قال رسول الله صلعم: «يجمعُ الله تبارك وتعالى النَّاسَ، فيقوم المؤمنونَ حتَّى تزلَفَ لهم الجنَّةُ(7)، فيأتون آدمَ فيقولون: يا أبانا؛ استَفتِح لنا الجنَّةَ، فيقول: وهل أخرجَكم من الجنَّة إلَّا خطيئةُ أبيكم، لستُ بصاحبِ ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيمَ خليلِ الله، قال: فيقول إبراهيمُ: لست بصاحبِ ذلك، إنَّما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ، اعمدوا إلى موسى الَّذي كلَّمَه الله / تكليماً، فيأتون موسى فيقول: لست بصاحبِ ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمةِ الله وروحِه، فيقول عيسى: لستُ بصاحبِ ذلك، فيأتون محمَّداً، فيقومُ فيؤذنُ له، وترسَلُ الأمانةُ والرَّحِمُ، فيقومان جَنبتَي الصِّراطِ يميناً وشمالاً، فيمرُّ أوَّلكم كالبرقِ. قال: قلت: بأبي وأمِّي، أيُّ شيءٍ كمَرِّ البرق؟ قال: ألم ترَوا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجِعُ في طرفة عينٍ؟ ثمَّ كمَرِّ الرِّيح، ثمَّ كمَرِّ الطَّير وشدِّ الرِّجال، تجري بهم أعمالُهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصِّراط يقول: ربِّ سَلِّم سَلِّم، حتَّى تعجِزَ أعمالُ العباد، حتَّى يجيءَ الرَّجل فلا يستطيعُ السَّيرَ إلَّا زحفاً(8) قال: وفي حافَّتَي الصِّراط كلاليبُ(9) معلَّقةٌ مأمورةٌ بأخْذ من أُمرَت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومُكَرْدَسٌ(10) في النَّار. والَّذي نفسُ أبي هريرةَ بيده، إنَّ قعرَ جهنَّمَ لسبعين خريفاً».


[1] في (الحموي) في هذا الموضع وما بعده: (فنهش منها نهشة)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسخنا من الصحيحين.والنَّهْس: بالسين المهملة، أخذ ما على العظم بأطراف الأسنان، وقيل: هو والنهش بالشين المعجمة واحد.
[2] الصَّعيد: الأرض المستوية، والصعيد أيضاً وجه الأرض، والصعيد التراب، والصعيد الطريق الذي لا نبات فيه.
[3] في (ت): (وكلمك)، وما أثبتناه من (الحموي) موافق لنسخنا من الصحيحين.
[4] المِصراعُ: أحد شقي الباب، وجمعه مصاريع، والصرعان في اللغة المثلان، وهذا صِرْع هذا؛ أي: مثله فلعل المصراعين اشتُقَّا من هذا لتماثلهما.
[5] أعضادُ كل شيء: ما يُشدُّ حوله من البناء الذي يقويه ويمسكه، وأعضاد الحوض: حجارة تنصب حول شفيره من جوانبه.
[6] قال الحافظ المقدسي رحمه اللهُ عن رواية محمد بن بشر ورواية عمارة بن القعقاع هذه: وهاتان الروايتان لمسلم.اهـ.قلنا: هي فيه برقم: ░194▒.
[7] حتى تُزلَف لهم الجنةُ: أي: تقرب، والإزلافُ الاقتراب والتقدم، ومزدلفة من ذلك لاقتراب الناس من منى بعد الإفاضة من عرفات، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء:90] أي: قُرِّبت.
[8] زحفَ الصبيُّ على الأرض: يزحف زحفاً إذا تقدم حبواً قبل أن يمشي، ثم استعير لمن مشى ذلك لضعف أو عاهة.
[9] الكلاليبُ: كالخَطاطيف.
[10] المُكَرْدس: الذي قد جُمعت يداه ورجلاه في وقوع.