الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أ رده حيث أخذته

          216- الرَّابع عشر: عن مصعبِ بن سعد عن أبيه _من رواية سِمَاك بنِ حرب عن مصعب_ أنَّ سعداً قال: «أُنزلت فِيَّ أربعُ آياتٍ من القرآن.
          قال: حلفَت أمُّ سعدٍ ألَّا تكلِّمه أبداً حتَّى يكفُر بدينه، ولا تأكلَ ولا تشربَ، قالت: زعمتَ أنَّ الله وصَّاك بوالدَيك، فأنا أمُّك وأنا آمُرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتَّى غُشِيَ عليها من الجَهد، فقام ابنٌ لها يقال له: عُمَارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله ╡ في القرآن هذه الآيةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8 / {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15].
          قال: وأصاب رسولُ الله صلعم غنيمةً عظيمةً فإذا فيها سيفٌ، فأخذتُه فأتيتُ به رسولَ الله صلعم فقلت: نَفِّلنِي هذا السَّيفَ، فأنا مَن قد علمتَ حالَه، فقال: رُدَّهُ حيث أخذتَهُ. فانطلقت حتَّى أردتُ أن ألقِيَهُ في القَبْضِ(1) لامَتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أَعطنيه، قال: فَشَدَّ لي صوتَه: رُدَّه من حيث أخذتَهُ.
          قال: فأنزل الله ╡: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} [الأنفال:1].
          ومرضتُ فأرسلتُ إلى النَّبيِّ صلعم فأتاني، فقلت: دَعني أَقسِمْ مالي حيثُ شئتُ، قال: فأبى، قلت: فالنِّصفَ، قال: فأبى، قلتُ: فالثُّلثَ، فسكت، فكان بعدُ الثُّلثُ جائزاً.
          قال: وأتيتُ على نفرٍ من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعالَ نُطعمْكَ ونسقيكَ خمراً، وذلك قبل أن تُحرَّم الخمر، قال: فأتيتهم في حَشٍّ(2) _والحَشُّ البستان_ فإذا رأسُ جَزورٍ(3) مَشويٌّ عندهم، وزِقٌّ من خمرٍ، فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصارَ والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار قال: فأخذ رجلٌ أحد(4) لَحْيَيِ الرَّأسِ فضربني به فجرح أنفي فأتيتُ رسول الله صلعم فأخبرته، فأنزل الله ╡ فِيَّ _يعني نفسَه_ شأنَ الخمر: / {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ (5) وَالأَنصَابُ (6) وَالأَزْلاَمُ (7) رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90]».
          في حديث شعبة: في قصَّة أمِّ سعد، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يُطعموها شجَروا فاها(8) بِعَصاً ثمَّ أَوجَرُوها(9)، وقال في آخره: فضرب به أنفَ سعدٍ فَفَزَرَهُ(10)، فكان أنف سعدٍ مَفزوراً.


[1] القَبْض: ما يُجمع من الغنائم، يقال: ألْقِه في القَبْض أي في سائر ما قُبِض من الغنائم.(ابن الصلاح) نحوه.
[2] الحَشّ: البستان.
[3] الجزور: من الإبل كالجزرة من الغنم وهو ما يصلح للذبح.
[4] سقط قوله: (أحد) من (ابن الصلاح).
[5] كلُّ شيءٍ فيه قمار فهو من الميسر، وكان الميسر عندهم: الجزور الذي يتقامرون عليه، سُمّي ميسراً لأنّه يُجزَّأُ أجزاءً فكأنّه وُضع موضعَ التجزئة، وكلُّ شيءٍ جزَّأْتَه فقد يسَّرتَه، والياسر الجازِر لأنَّه يُجزِّئُ لحمَ الجزور، وهذا الأصلُ في الياسر، ثم يقال للضاربين بالقِداح والمتقامرين على الجزور: ياسرون وأيسار؛ أي: جازرون إذ كانوا سبباً لذلك.
[6] الأنْصَاب والنُّصُب: حجارةٌ أو أصنامٌ كانت الجاهلية تنصبُها وتعبدُها وتَذبَح قربانها عليها، واحدها نَصْبٌ.
[7] الأزلام: قِداحٌ كانوا يكتبون عليها الأمر والنهي فإذا أراد أحدهم أمراً من الأمور أدخلوها في وعاءٍ لهم وأخرجوا أحدَها، فإذا كان عليه الأمر أمضَوا ذلك الأمر، وإن كان عليه النهي توقفوا عن ذلك الأمر ولم يمضوه.
[8] شجَرَ فمَه إذا فتحه، والشَّجْرُ مفرَّجُ الفم، وقال الأصمعي: الشَّجْرُ الذقنُ، واشتَجَر الرجل وضع يده على شَجْرِه.
[9] الوَجُور: ما أُدخل في الفم من دواءٍ أو غذاءٍ تُستدرك به القوة.
[10] الفَزْرُ: الشَّقُّ.