الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من

          2208- الأربعون: عن الزهريِّ عن سعيدٍ عن أبي هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «لا يموتُ لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فتمَسَّه النَّارُ إلَّا تحلَّةَ القَسمِ(1)».
          وفي حديث سفيانَ بن عُيينةَ: «فيلجَ النَّارَ إلَّا تحلَّةَ القسمِ». [خ¦1251]
          وأخرج مسلمٌ من حديث عبد العزيز بن محمَّدٍ عن سُهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه: «أنَّ رسولَ الله صلعم قال لنسوةٍ من الأنصار: لا يموتُ لإحداكنَّ ثلاثةٌ من الولد فتحتسِبَه(2) إلَّا دخلتِ الجنَّة.
          فقالت امرأةٌ منهنَّ: أو اثنان يا رسولَ الله؟ / قال: أو اثنان».
          قال البخاريُّ: وقال شَريكٌ عن ابن الأصبهانيِّ: حدَّثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ(3) وأبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم يعني نحوَه.
          وقال أبو هريرةَ: «لم يبلُغوا الحِنثَ(4)». [خ¦1250]
          ولمسلمٍ من حديثِ عبد الرَّحمن بن الأصبهانيِّ عن أبي حازمٍ عن أبي هريرةَ قال: «ثلاثةٌ لم يبلغوا الحِنثَ».
          وأخرج مسلمٌ أيضاً من حديث أبي زُرعةَ بن عمرٍو عن جَريرٍ عن أبي هريرةَ قال: «أتتِ امرأةٌ النَّبيَّ صلعم بصبيٍّ لها فقالت: يا نبيَّ الله؛ ادعُ الله لي، فلقد دفنتُ ثلاثةً، فقال: دفنتِ ثلاثةً؟! قالت: نعم، قال: لقد احتظرْتِ(5) بحِظَارٍ / شديدٍ من النَّار».
          ولمسلمٍ أيضاً من حديث أبي حسَّانَ قال: قلتُ لأبي هريرةَ: إنَّه قد مات ليَ ابنانِ فما أنت مُحَدِّثي عن رسول الله صلعم بحديثٍ يُطيِّب أنفُسَنا عن موتانا؟ قال: نعم «صغارُهم دَعاميصُ(6) الجنَّة، يتلقَّى أحدُهم أباه _أو قال: أبوَيه_ فيأخذُ بثوبه _أو قال: بيده_ كما آخذُ أنا بصَنِفةِ ثوبك(7) هذا، فلا يتناهى _أو قال: ينتهي_ حتَّى يدخلَه الله وأباه الجنَّةَ».
          وفي حديث يَحيى بن سعيدٍ عن سليمانَ التيميِّ: فهل سمعتَ من رسول الله صلعم شيئاً تُطيِّبُ به أنفسَنا عن موتانا؟ قال: نعم، وذكرَه.
          وليس لأبي حسَّانَ عن أبي هريرةَ في الصَّحيحين غيرُ هذا.


[1] إلا تحِلَّةَ القَسَم.قالوا: يريد تحلَّة قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] يقول: ليس إلا الوُرودُ، وهو القَدر الذي يَبَرُّ الله ╡ قسَمَه ثم كثُر هذا حتى قيل لكلِّ شيءٍ لم يبالَغ فيه: تحليل، ويقال: ضربتُه تحليلاً، ووقعَت مناسمُ هذه الناقة في الأرضِ تحليلاً، إذا لم تبالغ في ذلك، وإذا مرَّ بها وجاوزها فقد أبرَّ الله قسَمَه، وهو الورودُ الذي أراده وقضى به، وقيل: لا قسَمَ في قوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] فيكون له تحلَّة، ومعنى قوله عند قائلِ هذا القول: إلا تحلَّة القسم، إلا التعذير الذي ينالُه مكروه، وأصله من قول العرب ضربه تحليلاً وضربه تعذيراً: أي ليقيم العذرَ، أي لم يبالغ، وأصله في تحليل اليمين، وهو أن يحلِفَ ثم يستثنيَ استثناءً متصلاً ثم جُعل مثلاً لكلِّ شيء يقِلُّ وقته وقد اختار بعضهم القولَ الأوَّل في أنه قسمٌ، وزعم أن ذلك قد جاء مبيناً في حديثٍ آخرَ، قال: وموضع الورودِ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم:68] والعرب تُقسِم وتضمرُ المقسَم به ومنه قوله: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} [النساء:72] ومعناه: وإن منكم والله لمن ليبطئنَّ، وعلى كلِّ حالٍ فهو إخبار من الله ╡ لا بدَّ من كونه، وقال تعالى: {وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} [الأنعام34] وقال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] فقد حل محَلَّ المقسَم به اللازمِ على اتساع العرب الذي به خوطبنا.
[2] الاحتِساب والحِسْبة: في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات، هو البِدار إلى طلب الأجر وتحصيلِه بالصبر والتسليم، أو باستعمال أنواع البِر ومراعاتِها، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طالباً الثوابَ المرجوَّ فيها، وأن يكون ذلك في حسابِه، ومنه قولهم: فلان يحتسبُ الأخبار ويتحسَّبها، أي يطلبُها ويتوقَّعها، والمحتسِبُ المتتبِّع للمنكَرات طالباً لإنكارها، والأجرِ في المنع منها، ويقال: احتسب فلانٌ ابناً له إذا مات كبيراً، أي احتسبَ أجرَه عند الله وجعله ذخيرةً له عنده، فإن مات صغيراً قيل: افترطَه، أي صيَّره فرطاً و متقدِّماً بين يديه ذخيرةً له عند الله ╡ في تقديم ثواب صبره عليه، وفي الأثر: احتسب على الله أن يكون كذا أي اطلُبه وارجُه.
[3] تحرَّف في (ت) إلى: (أبي صالح)!.
[4] بلَغَ الغلامُ الحِنثَ: إذا بلغ إلى الوقتِ الذي يجري عليه فيه القلم بالطاعة والمعصية، وقوله: «لم يبلغوا الحنث» أي الوقتَ الذي يُخافُ عليهم فيه الحِنثُ، وهو الإثم، ومنه قوله: حنثَ في يمينه أي أثِمَ فيها، وكأنه حذف المضافَ وأقام المضافَ إليه مقامَه، أي لم يبلُغوا خوفَ الحِنثِ، وخُصَّتِ المعصية دون الطَّاعة للاهتمام بالخوف منها، وهي مع ذلك دالَّةٌ على اقتران الطاعة بها في المراعاة لها.
[5] الحَظْر: المنع، والاحتِظار: الامتناع، والحِظار: ما منع من وصول مكروهٍ إلى من فيه، أو انتشار محبوسٍ به وأصله الحظيرةُ التي يحظَرُ بها على الغنم وغيرِها، فيُمنَع من الخروج عنها، ويقال للذي يضع الحظيرةَ: محتظِر.
[6] الدَّعامِيصُ: واحدها دُعموصٌ، من دوابِّ الماء صغير يضرِبُ إلى السَّواد، كأنه شبَّههم بها في الصِّغَر وسرعة الحركةِ.
[7] صِنْفةُ الثَّوب: حاشيتُه، وقيل بل الناحية التي فيها الهُدبُ، وكل ما انمازَ بعضُه من بعضٍ فقد تصنَّف، والتصنيف: تمييز الأشياء بعضها من بعض، والصَّنِفَة: يعبِّر عنها بعضهم بالطُّرة والكُفَّة، وهي الحاشية، وكلُّ ما استطال من الثوب أو من الرَّمْل فهو كُفَّة بالضم، وكلُّ ما استدار فهو كِفَّة بالكسر نحو كِفَّةِ الميزان وكِفَّة الصيد وهي الحَبَالة التي يُصطاد بها.