الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: التمس لنا غلاماً من غلمانكم يخدمني

          1901- الرَّابع والخمسون: عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب عن أنس، قال: قال رسول الله صلعم لأبي طلحة: «التَمِس لنا غلاماً من غلمانكم يَخْدُمُني _يعني عند خروجه إلى خيبر_ فخرج بي أبو طلحة يُردِفُني وراءه، فكنت أخدُم النَّبيَّ صلعم كلَّما نزل، فكنت أسمعه يكثِر أن يقول: اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن، والعجزِ والكسَل، والبُخل والجُبن، وضَلَعِ الدَّين وغَلَبة الرِّجال. فلم أزل أخدُمه حتَّى أقبلنا من خيبرَ، وأقبل بصفيَّة بنتِ حُيَيٍّ قد حازها، فكنت أراه يحوُّي وراءه بعَباءة(1) أو بكِساءٍ ثمَّ يردِفها وراءه، حتَّى إذا كنَّا بالصَّهباء صنع حَيساً في نِطَعٍ، ثمَّ أرسلني فدعوت رجالاً، فأكلوا، وكان ذلك بناءَه بها، ثمَّ أقبل، حتَّى إذا بدا له أُحُدٌ قال: هذا جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه. فلمَّا أشرف على المدينة قال: اللَّهمَّ إنِّي أحرِّم ما بين جبلَيها مثلَ ما حرَّم إبراهيم مكَّة اللَّهمَّ بارك لهم في مُدِّهم وصاعِهم». [خ¦2893]
          وفي حديث عبد الغفَّار بن داود وابن وهب أنَّ أنساً قال: «قدِم رسول الله / صلعم خيبر، فلمَّا فتح الله عليه الحصن ذُكِرَ له جمالُ صفيَّة بنتِ حُيي بن أخطَبَ، وقد قُتِلَ زوجها وكانت عروساً، فاصطفاها(2) رسول الله صلعم لنفسه، فخرَج بها حتَّى بلغنا سدَّ الرَّوحاء، فحلَّت فبنى بها، ثمَّ صنع حَيساً في نِطَعٍ صغيرٍ ثمَّ قال رسول الله صلعم: آذِنْ مَن حَولَكَ. فكانت تلك وليمةَ رسول الله صلعم على صفيَّة، ثمَّ خرجنا إلى المدينة، قال: فرأيت رسول الله صلعم يحوُّي لها وراءه بعَباءةٍ، ثمَّ يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفيَّة رِجلها على رُكبته حتَّى تَرْكَبَ». [خ¦2235]
          وقد أخرجا(3) هذا الطَّرف المذكور فيه من الدُّعاء بأتمَّ من هذا من حديث سليمان التَّيميِّ عن أنس، قال: «كان رسول الله صلعم يقول: اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك من العَجزِ والكسَلِ، والجبْنِ والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات». [خ¦2823]
          وأخرجاه أيضاً من حديث شُعيب بن الحَبحاب عن أنس قال: «كان رسول الله صلعم يدعو بهؤلاء الدَّعوات: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من البُخل والكَسل، وأَرذَل العُمر، وعذاب القبر، وفتنةِ المحيا والممات». [خ¦4707]
          وعند البخاريِّ هذا الطَّرف منه في الدُّعاء مختصراً من حديث عبد الوارث عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس قال: «كان رسول الله صلعم يتعوَّذ يقول: / اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الكَسل، وأعوذُ بك من الجبْن، وأعوذُ بك من الهرم، وأعوذُ بك من البخل». [خ¦6371]
          وعندهما طرفٌ منه في تحريم المدينة وزيادةٌ فيه من حديث عاصم بن سليمان الأحول، قال: قلت لأنس: أَحَرَّمَ رسول الله صلعم المدينة؟ قال: «نعم، ما بين كذا إلى كذا، فَمَن أحدثَ فيها حَدَثاً، ثمَّ قال لي: هذه شديدةٌ: مَن أحدثَ فيها حَدَثاً فعَلَيه لعنةُ الله والملائكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ، لا يقبلُ الله منه يومَ القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً»(4). [خ¦1867]
          وفي رواية يزيدَ بن هارون عن عاصم قال: «سألتُ أنساً: أَحَرَّم رسول الله صلعم المدينةَ؟ قال: نعم، هي حرامٌ، لا يُختَلى خَلَاها(5)، فمن فعَل ذلك فعَليه لعنةُ الله والملائكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ».
          وأخرجا جميعاً في أمر صفيَّةَ وخيبرَ من حديث حمَّاد بنِ زيدٍ عن ثابتٍ وعبد العزيزِ بنِ صُهيب عن أنس: «أنَّ رسول الله صلعم صلَّى الصُّبح بِغَلَس، ثمَّ رَكِبَ فقال: الله أكبر، خَرِبَت خيبر، إنَّا إذا نَزَلنا بساحةِ(6) قومٍ فَسَاء صباحُ / المنذَرين. فخرجوا يسعون في السِّكك ويقولون: محمَّدٌ والخميسُ(7) _قال: والخميس الجيش_ فظهَر رسول الله صلعم عليهم، فقتَل المقاتِلة وسبى الذَّراريَّ، فصارت صفيَّة لدِحيةَ الكلبيِّ، وصارت لرسول الله صلعم، ثمَّ تزوَّجها وجعَل صَداقها عِتقَها».
          فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمَّد، أنت سألتَ أنساً: ما مهرُها؟ قال: «أَمهَرَها نفسَها»، فتَبَسَّمَ. [خ¦371]
          وفي روايةِ سليمانَ بنِ حرْب عن حَمَّاد: فحرَّك ثابتٌ رأسَه تصديقاً له. [خ¦4200]
          وفي رواية قتيبةَ عن حَمَّاد عن ثابتٍ وشُعيبِ بنِ الحَبحَابِ عن أنس: «أنَّه ◙ أعتق صفيَّة، وجعل عِتقَها صَداقها»، لم يزد. [خ¦5086]
          وفي حديث يونس بن عبيد عن أنس مثلُ ذلك، من رواية سفيان عنه وعن شعيب.
          وللبخاريِّ نحو هذا من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: «سبى النَّبيُّ صلعم صفيَّة، فأعتقها وتزوَّجها».
          فقال ثابتٌ لأنس: ما أصدقها؟ قال: «نفسَها، فأعتقَها». [خ¦4201]
          وأخرَج البخاريّ(8) طرفاً من ذكر صفيَّة من حديث حَمَّاد بن زيد عن ثابتٍ / عن أنس: «أنَّ صفيَّة كانت في السَّبي، فصارَت إلى دِحية، ثمَّ صارت إلى النَّبيِّ صلعم». [خ¦2228]
          وأخرج مسلم منه طرفاً في العتق من حديث أبي عوانة عن قتادَةَ وعبد العزيز عن أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلعم أعتق صفيَّة وجعل عِتقَها صَداقها».
          وفي النكاح من حديث الجَعد أبي عثمان عن أنس مثله.
          وأخرجاه بطوله من حديث إسماعيل ابنِ عليَّة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: «أنَّ رسول الله صلعم غزا خيبر، قال: فصلَّينا عندها صلاة الغداة بِغَلَس، فرَكِبَ النَّبيُّ صلعم وركب أبو طلحةَ وأنا رديفُ أبي طلحةَ، فأجرى نبيُّ الله صلعم في زُقاق خيبر وإنَّ ركبتي لَتَمَسُّ فخِذ نبيِّ الله صلعم، وانحسر الإزار عن فخِذ نبيِّ الله صلعم، فإنِّي لأرى بياض فخِذ النَّبيِّ صلعم».
          وفي رواية يعقوبَ بنِ إبراهيمَ عن ابن عُليَّة: «ثمَّ حسَر رسول الله صلعم الإزار عن فخِذه حتَّى إنِّي لأنظر إلى بياض فخِذ نبيِّ الله صلعم، فلمَّا دخَل القريَة قال: الله أكبر، خَرِبَت خيبر، إنَّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاء صباحُ المنذَرين.
          قالها ثلاث مرَّاتٍ، قال: وقد خرَج القومُ إلى أعمالهم، فقالوا: محمَّدٌ _قال عبد العزيز: وقال بعض أصحابنا:_ والخميسُ! قال: وأصَبْناها عَنوةً، وجُمِعَ السَّبْيُ، فجاء دِحيةُ فقال: يا رسول الله؛ أَعطِني جاريةً من السَّبي، فقال: اذهب فخذ جاريةً. فأخذ صفيَّة بنتَ حُييٍّ، فجاء رجلٌ إلى نبيِّ الله صلعم فقال: يا نبيَّ الله، أعطيتَ دِحيةَ صفيَّة بنتَ حُييٍّ سيِّدِ قريظةَ والنَّضير، ما تصلُح إلَّا لك، قال: ادعوه / بها.
          قال: فجاء بها، فلمَّا نظَر إليها النَّبيُّ صلعم، قال: خُذْ جاريةً من السَّبي غيرَها. وأعتَقَها وتزوَّجها.
          فقال له ثابتٌ: يا أبا حمزةَ، ما أَصدَقَها؟ قال: نفسَها، أعتقها وتزوَّجها، حتَّى إذا كان بالطَّريق جَهَّزتْها له أمُّ سُلَيم، فأهدَتْها له من اللَّيل، فأصبَح النَّبيُّ صلعم عَروساً، فقال: مَن كان عنده شيءٌ فليَجِئنِي به.
          قال: وبسَط نِطَعاً، قال: فجعَل الرَّجلُ يجيء بالأَقِطِ، وجعَل الرَّجلُ يجيء بالتَّمر، وجعَل الرَّجلُ يجيء بالسَّمن، فحاسوا حَيساً، فكانت وليمةَ رسول الله صلعم». [خ¦371]
          وأخرج البخاريُّ طرفاً منه من حديث مالك عن حُمَيد الطَّويل عن أنس بن مالك: «أنَّ رسول الله صلعم أتى خيبر ليلاً، وكان إذا أتى قوماً بليلٍ لَم يغزُ حتَّى يُصبِحَ، فلمَّا أصبح خرَجتِ اليهودُ بمَساحيهم ومَكاتِلهم(9)، فلمَّا رأوه قالوا: محمَّدٌ والخميسُ! فقال النَّبيُّ صلعم: خَرِبَت خيبر، إنَّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاء صباحُ المنذَرين». [خ¦2945]
          وفي رواية يحيَى عن حُميدٍ الطَّويل عن أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلعم أقام على صفيَّة بنتِ حُييٍّ بطَريقِ خيبرَ ثلاثة أيَّامٍ حتَّى أعرَس بها، وكانت فيمن ضُرِبَ عليها الحجاب». [خ¦4212]
          وفي حديث محمَّد بنِ سيرينَ عن أنس نحو حديث مالك عن حُميدٍ عن أنس، وزاد: «فأصَبنا من لحوم الحُمُر، فنادى منادي رسول الله صلعم: إنَّ الله / ورسوله ينهيَانِكم عن لحوم الحُمُر؛ فإنَّها رِجسٌ»(10).
          ومنهم من قال عنه «فإنَّها رجسٌ أو نَجَسٌ»، وأنَّ المنادي كان أبا طلحة.
          وفي رواية عبدِ الوهَّاب عن أيُّوب عن محمَّد: «إنَّ الله ورسوله ينهَيَانِكم عن لحوم الحُمُر الأهليَّة، فأُكفيَت القُدور(11) وإنَّها لَتفور(12) باللَّحم». [خ¦2991]
          وقد أخرجا هذا المعنى في الحُمُر(13) من حديث محمَّد بن سيرين عن أنس مفرداً.
          وفي رواية محمَّد بن جعفرِ بنِ أبي كثير عن حُمَيد عن أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلعم أقام بين خيبر والمدينة ثلاثَ لياليَ يبني بصفيَّة فدعَوتُ المسلمين إلى وَليمَته، وما كان فيها من خبزٍ ولا لحمٍ، وما كان فيها إلَّا أن أمر بالأنطاع فبُسِطَت، فأُلقي عليها التَّمر والأَقِطُ والسَّمن، فقال المسلمون: إحدى أمَّهات / المؤمنين أو ما مَلَكَت يمينه؟ فقالوا: إن حَجَبَها فهي إحدى أمَّهات المؤمنين، وإن لَم يَحجُبها فهي مِمَّا ملكت يمينُه، فلمَّا ارتحل وطَّأَ لها خلفَه ومَدَّ الحِجاب». [خ¦4213]
          وأخرج مسلمٌ طرفاً يسيراً منه في خيبر من حديث شعبَةَ عن قتادَةَ عن أنس قال: «لمَّا أتى رسول الله صلعم خيبر قال: إنَّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاء صباحُ المنذَرين».
          وأخرج مسلم أيضاً حديث خيبرَ وصفيَّةَ بطولِه ومختصراً من حديث حَمَّاد بن سلمة عن ثابتٍ عن أنس قال: «كنت رِدْفَ أبي طلحةَ يومَ خيبر وقَدَمي تَمَسُّ قدمَ النَّبيِّ صلعم، قال: فأتينا حين بزغت الشَّمس وقد أخرجوا مواشيَهم وخرَجوا بفؤوسهم ومَكاتلهم ومُرورِهم، فقالوا: هذا محمَّدٌ والخميسُ، قال: فقال رسول الله صلعم: خَرِبَت خيبر، إنَّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاء صباحُ المنذَرين.
          قال: وهزَمَهم الله، ووقَعَت في سَهم دِحيةَ جاريةٌ جميلةٌ، فاشتراها رسول الله صلعم بسبعة أرؤسٍ، ثمَّ دفَعَها إلى أمِّ سُلَيم تُصَنِّعُها وتُهَيِّئُها، قال: وأحسَبه قال: وتعتدُّ في بيتها، وهي صفيَّةُ بنتُ حُييٍّ، قال: فجعَل رسول الله صلعم وَليمَتَها التَّمرَ والأَقِطَ والسَّمن، فُحِصَتِ الأرضُ(14) أفاحيصَ، وجيء بالأنطاع فوُضِعَت فيها، وجيء بالأَقِطِ والسَّمن، فشبع النَّاس، قال: وقال النَّاسُ: لا نَدري أتَزوَّجها أمِ اتَّخذها أمَّ وَلَدٍ، قالوا: إن حَجَبَها فهي امرأته، وإن لَم يَحجُبها فهي أمُّ وَلَدٍ، فلمَّا أراد أن يركَب حجَبَها، فقعَدَت على عجُز البعير، / فعرَفوا أنَّه قد تزوَّجها، فلمَّا دَنَوا من المدينة دفَع رسول الله صلعم ودفَعْنا، قال: فعثَرَت النَّاقةُ العَضباءُ، وندرَ رسول الله صلعم وندَرَت(15)، فقام فستَرها وقد أشرفتِ النِّساءُ يقُلْن: أَبعَدَ الله اليهوديَّةَ.
          قال: قلت: يا أبا حمزةَ، أوقعَ رسول الله صلعم ؟ قال: إي والله، لقد وقَع».
          قال أنس: «وقد شَهدتُ وليمةَ زينبَ، فأشبَعَ النَّاسَ خبزاً ولحماً، وكان يَبعثُني فأدعو النَّاس، فلمَّا فرَغ قام وتبِعتُه، فتخلَّف رجلان استَأنَس بهما الحديثُ لَم يخرجا، فجعَل يَمُرُّ على نسائه فيسلِّم على كلِّ واحدةٍ منهنَّ: سلامٌ عليكم، كيف أنتم يا أهلَ البيت؟ فيقولون: بخيرٍ يا رسول الله، كيف وجَدتَ أهلك؟ فيقول: بخيرٍ. فلمَّا فرغ رجَع ورجَعتُ معه، فلمَّا بلَغ البابَ إذا هو بالرَّجلين قد استَأنَس بهما الحديثُ! فلمَّا رأياه قد رجَع قاما فخرَجا، فوالله ما أدري أنا أخبرته أم أُنزِلَ عليه الوحيُ بأنَّهما قد خرَجا، فرجَع ورجَعتُ معه، فلمَّا وضَع رِجله في أُسْكُفَّةِ الباب(16) أرخى الحجابَ بيني وبينه، وأنزَل الله ╡ هذه الآيةَ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53]».
          ومن حديث سليمانَ بنِ المغيرةِ عن ثابتٍ عن أنسٍ قال: «صارَت صفيَّةُ لدِحيةَ في مَقسَمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلعم ويقولون: ما رأينا في السَّبي مثلَها! قال: فبعَث إلى دِحيةَ فأعطاه بها ما أراد، ثمَّ دفَعَها إلى أمِّي، فقال: أصلِحيها، ثمَّ خرَج رسول الله صلعم من خيبرَ، حتَّى إذا جعَلها في ظهره نزل ثمَّ ضرَب عليها القُبَّة، فلمَّا أصبَح قال: مَن كان عندَه فضل زادٍ فليأتِنا به.
          قال: / فجعَل الرَّجلُ يجيء بفضلِ التَّمر وفضلِ السَّويق، حتَّى جعَلوا من ذلك سواداً حَيساً، فجَعلوا يأكلون من ذلك الحَيس ويشرَبون من حِياضٍ إلى جنبِهِم من ماء السَّماء، قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمةَ رسول الله صلعم عليها، قال: فانطَلَقنا، حتَّى إذا رأينا(17) جُدُرَ المدينة هَشِشنا إليها، فرفَعنا مَطيَّنا ورفَع رسول الله صلعم مَطيَّته، قال: وصفيَّة خلفَه قد أردفها، قال: فعثرت مَطيَّة رسول الله صلعم، فصُرِعَ وصُرِعَت، قال: فليس أحدٌ من النَّاس ينظر إليه ولا إليها حتَّى قام رسول الله صلعم فستَرها، قال: فأتيناه، فقال: لَم تُضَرَّ.
          قال: فدَخَلنا المدينة، فخرَج جواري نسائه يتراءَينَها ويَشْمَتْنَ لصرعَتها».
          وأخرج البخاريُّ من حديث يحيَى بنِ أبي إسحاقَ عن أنسٍ في عِثار النَّاقة، قال: «كنَّا مع النَّبيِّ صلعم مَقفَلَه من عُسْفانَ، ورسول الله صلعم على راحلَتِه وقد أردَف صفيَّةَ بنتَ حُييٍّ، فعَثَرَت ناقتُه فصُرِعا جميعاً، فاقتَحَم أبو طلحةَ فقال: يا رسول الله، جَعلَني الله فداك، هل أصابك شيءٌ؟ قال: لا، ولكن عليك بالمرأة. فقلَب أبو طلحةَ ثوباً على وجهه وقَصَدَ قَصْدَها، فألقى ثوبه عليها، فقامَت المرأةُ، وأصلَح لهما مركبَهما، فرَكِبا، واكْتَنَفْنا رسول الله صلعم، فلمَّا أشرَفْنا على المدينة قال النَّبيُّ صلعم: آيبون(18) تَائبون عَابدون لربِّنا حَامدون. قال: فلم يزل يقولُ ذلك حتَّى دخَل(19) المدينَة». [خ¦3085]
          كذا عند البخاريِّ، ودخل بعضُ حديثِ روَّاته في بعضٍ، وأخرج مسلمٌ منه / قولَه صلعم حين أشرف على المدينة، ولم يذكر عِثار النَّاقة (20).


[1] يحوّي وراءه بعباءة أصل الحوية للسنام، وهو كساء يحوَّى، أي يدار حول سنام البعير ويلوى هنالك، ثم يُركب عليه، وكذلك ما لُوي وطُوي خَلف الراكب للركوب من كساء أو ثوب، فهو حوية أيضاً، من حويت الشيء إذا جمعته، والتَّحوي التَّلوي.
[2] الاصطفاء: الاختيار، اصطفاها: اختارها.
[3] في (الحموي): (أخرج).
[4] صرفاً ولا عدلاً: الصَّرف التوبة، والعدْل الفدية، وقيل: الصَّرف النافلة، والعدْل الفريضة.
[5] الخلا: مقصورٌ الحشيش الرطب، واحدته خلاة، وخليتُ الخلاء واختليتُه إذا جززتَه.
[6] في (ق): (نزلنا بقوم)، وما أثبتناه موافق لما في «الصحيحين».السَّاحة والباحة: عرَص الدَّار و ناحيتها، والجمع سُوح وبُوح، وعرَصَة الدار وسَطُها، وأصل التعريص الاضطرابُ والحركة، وبذلك سمي السحاب الذي يرعَد ويبرق عَراصاً؛ لأنّ الريحَ تجيء به فسمي لاضطرابه عَراصاً، وقيل: سميت عَرْصة الدار عَرْصةً؛ لاضطراب أهلها فيها على ذلك الأصل.
[7] الخميس: الجيش، قيل: وإنما سمي خميساً؛ لأنه مقسوم على خمسة: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وقيل: وإنما سمي الخميس خميساً؛ لأنه يخمس الغنائم.
[8] سقط قوله: (البخاري) من (الحموي).
[9] المِكتَل: الزبيل، و سمي مكتلاً لاجتماع التراب أو غيره فيه، ومن ذلك الكُتلة من الشيء لاجتماعها.
[10] والرجسُ: اسم لكل ما استقذر من عمل، وقيل الرجسُ: المأثم، يقال: رجَس الرجل يرجُس ورجِس يرجَس إذا عمل عملاً قبيحاً، وقيل في قوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:33] أي: الشك، وفي قوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125] أي: كفراً إلى كفرهم، ويكون الرّجس العمل الذي يؤدي إلى العذاب، قال تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس:100] يعني اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة.وفي لحوم الحمر فإنها رجسٌ أي: حرام.
[11] فأُكفِيتِ القُدور: أي قُلِبت وكبَّت.
[12] وإنها لتفور: أي تغلي.
[13] سقط قوله: (في الحمر) من (ق).
[14] فُحصَت الأرض: بُسِطت وذُلّلت وسُوّيت للقعود عليها، وأفاحيص القطا من ذلك وهي مواضعها من الأرض؛ لأنها تفحصه وتسويه وتوسعه، والفحص المتَّسع من الأرض.
[15] في (الحموي): (نذر) و(ونذرت)، وما أثبتناه موافق لما في «مسلم».ندر الشيءُ سقط، وكل شيء خارج عن أصله فهو نادر.
[16] أُسْكُفَّة الباب: عتبته.
[17] في (ق): (حتى أتينا)، وما أثبتناه موافق لما في «مسلم».
[18] الإياب: الرجوع.
[19] في (ق): (دخلنا)، وما أثبتناه موافق لما في «البخاري».
[20] وفي هامش (ق): (بلغ).