الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: اللهم حوالينا ولا علينا

          1889- الثَّاني والأربعون: عن إسحاق(1) أيضاً عن أنس قال: «أصابتِ النَّاسَ سَنَةٌ على عهد النَّبيِّ صلعم، فبينا النَّبيُّ صلعم يخطب يومَ الجمعة قام أعرابيٌّ فقال: يا رسول الله؛ هلَك المالُ وجاعَ العِيالُ، فادعُ الله لنا، فرَفع يَدَيه وما نرى في السَّماء قَزَعَةً(2)، فوالَّذي نفسي بيده، ما وضعهما حتَّى ثارَ السَّحاب أمثالَ الجبال، ثمَّ لَم ينزِل عن منبَره حتَّى رأيتُ السَّحاب يتحادَر على لحيته، فمُطِرنا يومَنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والَّذي يليه حتَّى الجمعةِ الأخرى، فقام ذلك الأعرابيُّ _أو قال: غيره_ فقال: يا رسول الله؛ تهدَّم البناء، وغَرِقَ المال، فادعُ الله لنا، فرفع يَدَيه وقال: اللَّهمَّ حوالَينا ولا علينا. فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السَّحاب إلَّا انفرَجت، وصارتِ المدينةُ مثل الجَوبة(3)، وسال وادي قناةَ شهراً، ولَم يأتِ أحدٌ من ناحيةٍ إلَّا حدَّث بالجَود(4)». [خ¦933]
          وأخرجاه بمَعناه من حديث شَريك بنِ عبدِ الله بنِ أبي نَمِر عن أنس: «أنَّ رجلاً دخل المسجد يومَ جمعةٍ من بابٍ كان نحوَ دار القضاء ورسول الله صلعم قائمٌ يخطُب، فاستَقبَل رسول الله صلعم قائماً ثمَّ قال: يا رسول الله؛ هلَكَت الأموال، وانقطَعَت السُّبل، فادعُ الله يُغِثنا، قال: فرفَع رسول الله صلعم يديه ثمَّ / قال: اللَّهمَّ أَغِثنا، اللَّهمَّ أَغِثنا، اللَّهمَّ أَغِثنا(5).
          قال أنس: ولا والله؛ ما نرى في السَّماء من سحابٍ ولا قَزَعَة، وما(6) بيننا وبين سَلْع من بيتٍ ولا دارٍ، قال: فطلَعَت مِن ورائه سحابةٌ مثلُ التُّرس، فلمَّا توسَّطت السَّماءَ انتشَرَت ثمَّ أمطَرَت، قال: فلا والله، ما رأينا الشَّمس سبتاً(7)، قال: ثمَّ دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلةِ ورسول الله صلعم قائمٌ يخطُب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله؛ هلكَتِ الأموال، وانقطعَتِ السُّبل، فادعُ الله يُمسِكْها عَنَّا، قال: فرَفَع رسول الله صلعم يَدَيه ثمَّ قال: اللَّهمَّ حوالَينا ولا علينا، اللَّهمَّ على الآكام(8) والظِّراب(9) وبطون الأَودية ومَنابت الشَّجر. قال: فانقلعَت(10) وخرجنا نمشي في الشَّمس».
          قال شَريك: فسألتُ أنس بن مالك: أَهو الرَّجل الأوَّل؟ فقال: لا أدري. [خ¦1013]
          وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمرَ عن ثابتٍ عن أنس بنَحوِه، قال: «كان / النَّبيُّ صلعم يخطُبُ يومَ الجمعة، فقام النَّاس فصاحوا فقالوا: يا رسول الله؛ قَحَط المطرُ، واحمرَّتِ الشَّجرُ، وهلكَتِ البهائم، فادعُ الله أن يسقيَنا، فقال: اللَّهمَّ اسقِنا. مرَّتين، وايمُ الله؛ ما نرى في السَّماء من قَزَعَةٍ من سحاب، فنشَأت سحابةٌ وأمطَرَت، ونزَل عن المنبر فصلَّى بنا، فلمَّا انصرَف لَم تزل تُمطِرُ إلى الجمعة الَّتي(11) تليها، فلمَّا قام رسول الله صلعم يخطُب صاحوا إليه: تهدَّمتِ البيوت، وانقطعَتِ السُّبل، فادعُ الله يحبسْها عنَّا، فتبسَّم رسول الله صلعم ثمَّ قال: اللَّهمَّ حوالَينا ولا علينا.
          وتكشَّطتِ المدينةُ(12)، فجعلتْ تُمطر حولَها ولا تُمطَرُ المدينةُ قطرةً، فنظرتُ إلى المدينة وإنَّها لفي مثل الإكليل!»(13). [خ¦1021]
          وليس لعبيد الله بن عمر عن ثابتٍ عن أنس في المتفَق عليه من «الصَّحيحين» غيرُ هذا.
          وأخرجه البخاريُّ تعليقاً من حديث يحيى بن سعيد الأنصاريِّ، وطرَفاً منه من حديث يحيى وشَريك عن أنس تعليقاً، وفيه: «رفع النَّبيُّ صلعم يديه حتَّى رأيتُ بياضَ إبطَيه»، [خ¦1029] [خ¦6341]، وكذا ذكَر أبو مَسعودٍ.
          وأخرجه البخاريُّ مختصراً من حديث أبي عَوانة عن قتادَةَ عن أنس قال: / «بينما رسول الله صلعم يخطُب يومَ الجمعة إذ جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، قَحَط المطر، فادعُ الله أن يسقيَنا، فدعا، فمُطِرنا، فما كِدنا أن نَصِلَ إلى منازلنا، وما زلنا نُمطَر إلى الجمعة المقبلة قال: فقام ذلك الرَّجل أو غيرُه فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يصرفَه عنَّا، فقال رسول الله صلعم: اللَّهمَّ؛ حوالَينا ولا علينا.
          قال: فلقد رأيت السَّحاب يتقطَّع يميناً وشمالاً، يُمطَرون ولا يُمطَرُ أهلُ المدينة». [خ¦1015]
          وأخرجه أيضاً مختصراً من حديث حَمَّاد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب، ومن حديث يونسَ بن عُبيد عن ثابتٍ عن أنس، قال: «بينما النَّبيُّ صلعم يخطُب يومَ الجمعة إذ قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلَك الكُراع(14)، وهلَك الشَّاءُ، فادعُ الله أن يسقيَنا، فَمَدَّ يديه(15) ودعا». [خ¦932]
          وأخرجه مسلم من حديث حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس قال: «جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلعم يومَ الجمعة وهو على المنبر...» وذكر نحوَه وقال: «فرأيت السَّحاب يتمزَّق كأنَّه المُلاءُ(16) حين تُطوى».
          ومن حديث سليمانَ بنِ المغيرةِ عن ثابتٍ عن أنس قال: «كان النَّبيُّ صلعم يخطُب...»، وذكَر نحوَ حديث عُبيد الله بنِ عمرَ عن ثابتٍ وقال: «فألَّفَ الله / السَّحاب ومَلَأتنا(17) حتَّى رأيت الرَّجل الشَّديد تُهِمُّه نفسُه أن يأتيَ أهلَه».


[1] في (الحموي): (عن إسماعيل إسحاق) ووضع ضبة على إسماعيل.
[2] القَزَع: قطع السحاب، وهو جمع قزعة.
[3] صارت المدينة كالجَوبة: أي منقطعة مما حولها لانجياب السحاب والمطر عنها، يقال: جُبْتُ البلاد أجوبُها جَوباً: أي قطعتُها.
[4] الجَود: بفتح الجيم المطر الكثير.
[5] في (الحموي) تكرر مرتين فقط.
[6] في (ق): (ولا) ووضع فوقها (ص).
[7] في هامش (الحموي) نسخة (ستاً)، وكذا عند البخاري، ما أثبتناه موافق لما في «مسلم».
[8] الأكَمَة: ما ارتفع من الأرض كالتل، وجمعه أَكَمٌ، ثم تُجمع على الآكام والإكَام.
[9] الظِّراب: الجبال الصغار، واحدها ظِرب.وقع في «تفسير الغريب»: الرَّوابي.
[10] في (ق): (فأقلعت)، وكذا في روايةٍ للبخاري، قال الإمام النووي: في بعض النسخ المعتمدة: (فانقطعت)، وفي أكثرها: (فانقلعت)، وهما بمعنى.قال الحميدي في «تفسير الغريب»: انجاب السحاب: أي تقطع و انكشف.وهذا يدل على أنه عند الحميدي (فانجابت)، وهي رواية للبخاري.
[11] في (ق): (لم نزل في مطر إلى الجمعة الأخرى التي)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[12] تكشَّطت عن المدينة: انكشفت، والكشط والقشط قلعُ الشيء وكشفُه.
[13] وكل ما احتفّ بالشيء ودار به من جميع جوانبه فهو إكليل له، والإكليل الذي يوضع على الرأس سمي بذلك لإطافته بالرأس، فكأن المطر لما أحاط بالمدينة إكليل لها، أي هو مطيف لها من جميع جوانبها.
[14] الكُراع: اسم واقع على جماعة الخيل.
[15] في (الحموي): (يده)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[16] المُلاء: كالرداء.
[17] هكذا هي رواية الحميدي، كما نبَّه على هذا ابن الأثير في «جامعه» 6/195، وأشار إليها القاضي عياض في «مشارقه» 1/380 وقال: معناها: أوسعتنا شبعاً ورياً، وذكر روايتين غيرها: (مَلَتْنَا) قال: ولعل معناها: أوسعتنا مطراً، والثانية: (هَلَّتْنا) أي أمطرتنا، قال القاضي: وهو الصواب إن شاء الله.والذي عند النووي _وهو الذي في المطبوع من مسلم_: مكثنا.انظر «شرح مسلم» 6/195.