الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح!

          1883- السَّادس والثَّلاثون: عن إسحاقَ عن أنس قال: «كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخلٍ(1)، وكان أحبَُّ أمواله إليه بَيرَُحاءٍَُ(2)، وكانت / مستقبِلةَ المسجد، وكان رسول الله صلعم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنس: فلمَّا نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلعم فقال: يا رسول الله؛ إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] وإنَّ أحبَّ مالي إليَّ بَيرَُحاءُ، وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلعم: بخٍ(3) ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ! وقد سمعتُ ما قلتَ، وإنِّي أرى أن تجعَلَها في الأقربِين.
          فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله؛ فقسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه». [خ¦1461]
          قال القعنبيُّ عن مالكٍ: «رابحٌ أو رائحٌ»، وقال إسماعيل وغيرُه: «رائحٌ»، وقال عبد الله بن يوسفَ ورَوحُ بن عبادة وغيرُهما: «رابحٌ»(4).
          قال البخاريُّ: وقال ثابت: عن أنس قال النَّبيُّ صلعم لأبي طلحة: «اجعَلْه لفقراء أقارِبِك. فجعلها لحسَّانَ وأُبَي ابن كعب».
          قال: وقال الأنصاريُّ: حدَّثني أبي عن ثُمامة عن أنس بمثلِ حديثِ ثابتٍ، وقال: «اجعلها لفقراء قرابَتِك.
          قال أنس: فجعلها لحسَّانَ وأُبي(5) بن كعب، وكانا / أقربَ إليه منِّي».
          وكانت قرابة حسَّانَ وأُبي من أبي طلحة، واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو ابن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وحسَّان بن ثابت بن المنذر بن حرام، يجتمعان إلى حرام، وهو الأب الثَّالث.
          قال البخاريُّ: قال إسماعيل: أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمةَ عن إسحاقَ بنِ عبد الله بن أبي طلحة _لا أعلمه إلَّا عن أنس_ قال: «لمَّا نزلت: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ} [آل عمران:92] جاء أبو طلحة...» ثمَّ ذكر نحو ما تقدَّم، إلى أن قال: «فهي إلى الله وإلى رسوله، أرجو برَّه وذُخره، فضَعْها أي رسول الله حيث أراك الله.
          فقال رسول الله صلعم: بَخٍ يا أبا طلحة! ذلك مالٌ رابحٌ، قبلناه منك، وردَدْناه عليك، فاجعَلْه في الأقرَبين. فتصدَّق به أبو طلحة على ذَوي رَحِمِه، قال: وكان منهم أُبَي وحسَّان».
          قال: فباع حسَّان حصَّته منه من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟! فقال: ألَا أبيع صاعاً من تَمرٍ بصاعٍ من دراهم؟! قال: وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حُدَيلة الَّذي بناه معاوية. [خ¦2758]
          وهذا الحديث الَّذي أخرَجه تعليقاً هو من روايةِ أبي الهيثم وحدَه دون الحموُّي وأبي إسحاق(6).
          وأخرجه مسلم من حديث حَمَّاد بن سلمة(7) عن ثابتٍ عن أنس قال: «لمَّا نزلت هذه الآيةُ: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] قال أبو طلحة: / أرى ربَّنا يسألُنا من أموالنا، فأُشهدك أنِّي قد جعلت أرضي بَيرُحاءَ لله، فقال: اجعلها في قرابتك.
          قال: فجعلها في حسَّانَ بن ثابت وأُبَي بن كعب».


[1] في (ق): (مالاً ونخلاً).
[2] قال الباجي: أنكر أبو ذر الضم والإعراب في الراء، وقال الصوري وشيوخ الباجي: إنما هي بفتح الراء في كل حال.قال عياض: وعلى رواية الأندلسيين ضبطنا الحرف على ابن أبي جعفر في مسلم: وبكسر الباء وفتح الراء والقصر ضبطناها في «الموطأ» على ابن عتاب وابن حمدين وغيرهما وبضم الراء وفتحها معا قيده الأصيلي.«مشارق» 1/116.
[3] في (ق): (بخ بخ).
[4] رابح أي: ذو ربح، أو مربوح فيه.وأما رائح فمعناه رائح عليه أجره، أي: مسافته قريبة، وقيل: معناه يروح بالأجر ويغدو به، وادعى الإسماعيلي أن من رواها بالتحتانية فقد صحف.«فتح الباري» 3/326 باختصار.وفي «القاموس»: يوم رائح وليلة رائحة أي طيبة الريح.
[5] في (ق): (ولأُبي).
[6] أبو الهيثم هو الكُشْمِيهَني، وأبو إسحاق هو المستملي، وهما من تلاميذ الفربري راوي الصحيح عن البخاري.وسقط من (الحموي) من قوله: «قال البخاري...» إلى هنا.
[7] في (ق): (حماد بن زيد) وهو خطأ.