الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم

          1858- الحادي عشر: عن ابن شهاب عن أنس بن مالك: «أنَّ ناساً من الأنصار قالوا يومَ حنينٍ حين أفاء الله على رسوله من أموال(1) هوازنَ ما أفاء، فطفِق رسول الله صلعم يعطي رجالاً من قريش المئةَ من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلعم؛ يعطي قريشاً ويتركُنا وسيوفُنا تقطُر من دمائهم! قال أنس: فحُدِّث ذلك رسول الله صلعم من قولهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعَهم في قُبَّةٍ من أَدَمٍ ولم يَدْعُ معهم غيرَهم، فلمَّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلعم فقال: ما حديثٌ بلغَني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أمَّا ذَوو رأينا يا رسول الله؛ فلم يقولوا شيئاً وأمَّا أناسٌ مِنَّا حديثةٌ أسنانُهم فقالوا: يغفر الله لرسوله؛ يُعطي قريشاً / ويَتركُنا وسيوفُنا تقطُر من دمائهم! فقال رسول الله صلعم: فإنِّي أُعطي رجالاً حديثي عهدٍ بكفرٍ أتألَّفُهم، أفلا تَرضَون أن يذْهبَ النَّاسُ بالأموال وترجعوا إلى رِحالكم برسول الله؟ فوالله ما تَنقَلِبون به خيرٌ ممَّا يَنقلبون به.
          فقالوا: بلى يا رسول الله؛ قد رضينا.
          قال: فإنَّكم ستجدون بعدي أَثَرةً شديدةً، فاصبروا حتَّى تلقَوا الله ورسولَه على الحوض. قالوا: سنصبر».
          وفي رواية شعيب وغيره عن الزُّهريِّ قال أنس: «فلم نصبر». [خ¦3147]
          وأخرجاه من حديث شعبةَ عن قتادَةَ عن أنس قال: «جمع رسول الله صلعم الأنصار فقال: أفيكم أحدٌ من غيركم؟ قالوا: لا، إلَّا ابنَُ أختٍ لنا، فقال رسول الله صلعم: ابنُ أخت القوم منهم.
          فقال: إنَّ قريشاً حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ ومُصيبةٍ، وإنِّي أرَدت أن أَجبُرَهم وأتألَّفَهم، أما تَرضَون أن يرجع النَّاس بالدُّنيا وترجعون برسول الله صلعم إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى، قال: لو سلَك النَّاسُ وادياً، وسلَك الأنصارُ شِعباً لسلكتُ شِعب الأنصار». [خ¦3146]
          وأخرجاه من حديث أبي التيَّاح يزيدَ بن حُمَيد عن أنس قال: «لمَّا فُتحت مكَّةُ قَسم الغنائم في قريش، فقالت الأنصار: إنَّ هذا لهو العجب! إنَّ سيوفنا تقطُر من دمائهم، وإنَّ غنائمَنا تُرَدُّ عليهم! فبلغَ ذلك رسول الله صلعم، فجمعهم، فقال: ما الَّذي بلغَني عنكم؟ قالوا: هو الَّذي بلغك، وكانوا لا يكذبون.
          فقال: أما تَرضَون أن يرجع النَّاسُ بالدُّنيا إلى بُيوتهم، وترجِعون برسول الله صلعم إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى، فقال: لو سلَك النَّاسُ وادياً أو شعباً، وسلكتِ الأنصار / وادياً أو شِعباً لسَلكتُ واديَ الأنصار أو شِعب الأنصار». [خ¦3778]
          وأخرجاه من حديث هشام بنِ زيد عن أنس قال: «لمَّا كان يومُ حُنين أقبلت هوازِن وغَطَفانُ وغيرُهم بذراريِّهم ونَعَمِهم، ومع النَّبيِّ صلعم يومئذٍ عشرة آلافٍ ومعه الطُّلَقاء، فأدبروا عنه حتَّى بقيَ وحدَه، قال: فنادى يومئذٍ نداءَين لَم يَخلِط بينهما شيئاً، قال: التفَتَ عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار.
          قالوا: لبَّيك يا رسول الله؛ نحن معك، أَبْشِرْ، قال: ثمَّ التفَتَ عن يساره، فقال: يا معشر الأنصار. قالوا: لبَّيك يا رسول الله؛ أَبشِر(2)، نحن معك، قال: وهو على بغلةٍ بيضاءَ، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله. فانهزم المشركون، وأصابَ رسول الله صلعم غنائمَ كثيرةً، فقسَم في المهاجرين والطُّلَقاءِ، ولم يُعطِ الأنصار شيئاً، فقالتِ الأنصار: إذا كانت الشِّدَّة فنحن نُدعَى، وتُعطَى الغنائمُ غيرَنا؟! فبلغه ذلك، فجمَعهم في قبَّةٍ فقال: يا معشر الأنصار، ما حديثٌ بلغني عنكم؟ فسكتوا، فقال: يا معشر الأنصار، أما تَرضَون أن يذهَب النَّاس بالدُّنيا، وتذهبون بمحمَّدٍ تحوزونَه إلى بيوتكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ رضينا، قال: فقال: لو سلك النَّاس وادياً، وسلكتِ الأنصار شِعباً، لأخذت شِعب الأنصار».
          قال هشامٌ: فقلت: يا أبا حمزةَ، أنت شاهدٌ ذلك؟ فقال: وأين أغيب عنه؟. [خ¦4333]
          وهذا حديث معاذِ بنِ معاذٍ عن ابنِ(3) عَونٍ، وهو أتمُّ. /
          وأخرجه مسلم من حديث السُّمَيط عن أنس قال: «افتتحنا(4) مكَّة، ثمَّ إنَّا غزَونا حنينً(5)، قال: فجاء المشركون بأحسنِ صفوفٍ رأيتُ! قال: فصُفَّت الخيلُ، ثمَّ صُفَّت المقاتِلةُ، ثمَّ صُفَّت النِّساءُ مِن وراء ذلك، ثمَّ صُفَّت الغَنمُ، ثمَّ صُفَّت النَّعَمُ، قال: ونحن بشرٌ كثيرٌ قد بلغنا ستَّة آلافٍ، وعلى مُجَنِّبة خيلنا خالدُ بنُ الوليد، قال: فجعلتِ الخيل تَلوي خلفَ ظهورنا، فلم نلبَث أنِ انكشفت خيلُنا وفرَّتِ الأعراب ومَن نَعلم من النَّاس، قال: فنادى رسول الله صلعم: يا لَلمهاجرين، يا لَلمهاجرين! ثمَّ قال: يا لَلأنصار، يا لَلأنصار(6).
          قال أنس: هذا حديث عَمِّيَّه(7)، قال: قلنا: لبَّيك يا رسول الله؛ قال: فتقدَّم رسول الله صلعم، قال: وايمُ الله، ما أتيناهم حتَّى هزمَهم الله.
          قال: فقبضنا ذلك المالَ ثمَّ انطلقنا إلى الطَّائف، فحاصرناهم أربعين ليلة، ثمَّ رجعنا إلى مكَّة / فنزلنا، قال: فجعل رسول الله صلعم يعطي الرَّجل المئةَ». ثمَّ ذكر باقي الحديث كنحو حديث قتادةَ وأبي التيَّاح وهشامِ بنِ زيد.
          وليس للسُّمَيط عن أنس في «الصَّحيح» غيرُ هذا.


[1] في (الحموي): (أهل) وما أثبتناه موافق لما في «الصحيحين».
[2] سقط قوله: (أبشر) من (ق).
[3] تحرف في (ق) إلى (أبي).
[4] في (ق): (فتحنا).
[5] هكذا وقع في الأصلين: (حنين) دون ألف النصب، فتحتمل أنها ممنوعة من الصرف، وأنها رسمت ووضع التنوين دون ألف، وفي «صحيح مسلم»: حنيناً.
[6] قال النووي: وقع في جميع نسخ صحيح مسلم (يالـــ الأنصار، وفصل يالـــ المهاجرين) بلام مفصولة مفتوحة في الموطن الأربعة.والمعروف وصلها بلام التعريف.«شرح مسلم» 7/154.
[7] اختلف في هذه الكلمة ومعناها على أوجه: أحدها عِمِّيّة؛ قال القاضي: كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، قال وفسر بالشدة.والثاني: عُمِّيّة، وكذا شكِّل في الأصل، والثالث: عَمِّيَه، أي: حدثني به عمي، قال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي جماعتي، أي هذا حديثهم، وهذا أشبه بالحديث، والرابع: عَمِّيّه، ذكره الحميدى وفسَّره بعمومتي، أي هذا حديث فضل أعمامي، أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي، كأنه حدَّث بأول الحديث عن مشاهدة ثم لعله لم يضبط هذا الموضع لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه؛ ولهذا قال بعده: (قال قلنا لبيك يا رسول الله) والله أعلم.انظر «شرح مسلم» 7/155.