الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له

          1761- الثَّامن والعشرون: عن بُسْر بن سعيدٍ من روايةِ يزيدَ بن خُصَيْفةَ عنه / عن أبي سعيدٍ قال: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنَّه مذْعورٌ فقال: استأذَنْتُ على عمرَ ثلاثاً فلم يُؤْذَن لي، فرجعت، قال: ما منعَك؟ قلتُ: استأذَنْتُ ثلاثاً فلم يُؤذَن لي فرجَعت، وقال رسول الله صلعم: «إذا استأذنَ أحدُكم ثلاثاً فلم يؤذَن له فليرجعْ».
          فقال: والله؛ لتُقِيمَنَّ عليه بيِّنةً. أَمِنكُم أحدٌ سَمِعَهُ من النبي صلعم؟.
          قال أُبَيُّ بن كعبٍ: فوَالله لا يقومُ معك إلَّا أصغرُ القَومِ، فكنتُ أصغرَ القومِ، فقمتُ معه فأخبَرتُ عمرَ أنَّ النبي صلعم قال ذلك. [خ¦6245]
          ألفاظ الرُّواةِ في الحكايةِ عن عمرَ وأبي موسى في هذا الحديث مختلفةٌ، والمعاني متقاربةٌ، ولفظُ المتنِ فيها واحدٌ كما قدَّمنا، إلَّا أنَّ في رواية ابنِ وَهْب عن عمرِو بن الحارثِ أنَّ أبا موسى قال: أَنشُدكم بالله، هل سمع أحدٌ منكم رسولَ الله صلعم يقول: «الِاستِئْذانُ ثلاثٌ، فإن أُذِنَ لك وإلا فارجِع؟».
          قال أبو سعيدٍ: فقمتُ حتَّى أتَيتُ عمرَ، فقلت: «قد سمِعتُ رسولَ الله صلعم يقول هذا».
          وأخرجاه من حديثِ أبي عاصمٍ عُبَيدِ بن عُمَيرِ بن قتادةَ اللَّيثيِّ: أنَّ أبا موسى استأذنَ على عمرَ ثلاثاً، فكأنَّه وجَده مشغُولاً فرجَع، فقال عمرُ: أَلَم أسمعْ صوتَ عبد الله بن قَيسٍ، ائْذَنوا له، فدُعِيَ له، فقال: ما حملَك على ما صنعتَ؟ قال: إنَّا كنَّا نُؤمَرُ بهذا، قال: لتُقِيمَنَّ على هذا بيِّنةً أو لأفْعلَنَّ، فخرج فانطلق إلى مجلسٍ من الأنصار، فقالوا: لا يشهدُ لك على هذا إلَّا أصغرُنا، فقام أبو سعيدٍ فقال: «كنَّا نُؤْمرُ بهذا» فقال عمرُ: خفيَ عليَّ هذا من رسول الله صلعم، ألهاني / عنه الصَّفْقُ(1) بالأسواق. [خ¦2062]
          وليس لأبي عاصمٍ عُبَيدِ بن عُمَيرٍ اللَّيثيِّ عن أبي سعيدٍ في الصَّحيحين غيرُه.
          وأخرجه مسلمٌ من حديث أبي نضْرةَ عن أبي سعيدٍ: أنَّ أبا موسى أتى بابَ عمرَ فاستأذنَ، فقال عمر: واحدةٌ، ثمَّ استأذن الثَّانيةَ، فقال عمر: ثِنتان ثمَّ استأذنَ الثَّالثةَ، فقال عمر: ثلاثٌ. ثمَّ انصرفَ، فأتْبَعه فردَّه، فقال: إن كان هذا شيءٌ حفظتَهُ من رسولِ الله فها، وإلَّا لأجعلنَّك عِظَةً، قال أبو سعيدٍ: فأتانا، فقال: أَلَم تعلَموا أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «الاِستئْذانُ ثلاثٌ»، قال: فجعَلوا يضحَكون، قال: فقلت: أتاكم أخوكم المسلمُ قد أُفزِعَ، تضحَكون؟ قال: انْطلِق، فأنا شريكُك في هذه العقوبةِ، فأتاه فقال: هذا أبو سعيدٍ.


[1] الصَّفْق في الأسواق: عقد الصّفَقات، والأصل في الصفْقة أنّهم كانوا يضرِبون باليد على اليد عند عقد البيع، علامةً لتمام البيع، يقال: صَفَق بيده وصفح بيده؛ سواء، ثم استمرت التسمية بالصفْقة لذلك، وإن لم يقع تصفيق.