الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت

          1696- التَّاسع والثَّمانون: عن أبي خيثمةَ عن أبي الزُّبيرِ عن جابرٍ قال: «جاء سُراقةُ بن مالك ابن جُعْشُم فقال: يا رسول الله؛ بَيِّن لنا دِينَنا كأنَّا خُلِقنا الآنَ، فيمَ العملُ اليومَ؟ فيما جَفَّت به الأقلامُ(1) وجَرَت به المقاديرُ أَم فيما نَستَقبِلُ؟ قال: لا؛ بل فيما جَفَّت به الأقلامُ وجَرَت به المقاديرُ».
          قال: ففيمَ العملُ؟ قال زهير: ثمَّ تكلَّم أبو الزُّبير بشيءٍ لَم أفهَمْه، فسألتُ: ما قال؟ قال: فقال: «اعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ».
          وأخرجه من حديث عمرِو بن الحارث عن أبي الزُّبير عن جابرٍ في عَقِب حديث أبي خيثمةَ، وقال: عن النَّبي صلعم، بهذا المعنى، وفيه: «فقال رسول الله صلعم: كلُّ عاملٍ مُيَسَّرٌ لعملِه». كذا قال مسلمٌ، أدرجَه على ما قبلَه، ولم يذكر لفظَه.
          وحكى أبو مسعود الدِّمشقيُّ [أنَّه قال: «يا رسول الله،؛ أنعملُ في أمرٍ قد فُرغ منه أمْ نَأْتَنِفُه(2) ؟ فقال: لأمرٍ قد فُرغ منه، فقال سُراقةُ: ففيمَ العملُ؟ فقال / النَّبيُّ صلعم: كلُّ عاملٍ مُيَسَّرٌ لعمله»].
          وهكذا أخرجه أبو بكرٍ البَرقانيُّ في كتابه بالإسناد المذكور في «كتاب مسلم» من حديث ابن وَهْب عن عمرِو بن الحارث كما حكى أبو مسعودٍ من لفظ الحديث. زاد أبو مسعود في أوَّل حديث أبي خيثمةَ عن أبي الزُّبير عن جابرٍ [ قال: «جاء سُراقةُ فقال: يا رسول الله؛ بيِّن لنا دِيننا كأنَّنا خُلِقنا الآنَ، أرأيتَ عُمْرتَنا هذه أَلِعامِنا أو للأبد؟ قال: بل للأبد.
          قال: يا رسول الله؛ فبيِّن لنا دِينَنا كأنَّنا خُلِقنا الآنَ، فيمَ العملُ اليومَ؟...»]
.
          قال: وذكر الحديثَ.
          ثمَّ قال أبو مسعود: رواه مسلم في القَدَر عن أحمد ويحيى _يعني أحمدَ بنَ يونسَ ويحيى بنَ يحيى النَّيسابوريَّ_ .
          والحديث في «كتاب مسلم» في أحاديث القَدَر عن أحمدَ ويحيى كما قال، وليس فيه هذه الزِّيادةُ في العمرة، والحديثُ أطولُ من هذا، وإنَّما أخرج منه مسلمٌ ما أراد في أبواب القَدَر، وأخرج منه أيضاً طَرَفاً في آخر الحجِّ.
          وقد أورده بطوله أبو بكرٍ البَرقانيُّ في كتابه بالإسناد من حديث أبي خيثمةَ عن أبي الزُّبير عن جابرٍ قال: [«خرجنا(3) مع رسول الله صلعم مُهِلِّينَ بالحجِّ ومعنا النِّساءُ والوِلدان، فلمَّا قَدِمْنا مكَّة طُفنا بالبيت وبين الصَّفا والمروةِ، فقال رسول الله صلعم: مَن لَم يكن معه هدْيٌ فلْيَحْلِلْ. فقلنا: أيُّ الحِلِّ؟ فقال: الحِلُّ كلُّه. فلمَّا كان يومُ التَّروية أهلَلنا بالحجِّ، وكفانا الطَّوافُ بين الصَّفا والمروةِ، فقال لنا رسول الله صلعم: اشترِكوا في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ في بَدَنَةٍ].
          قال: فجاء سُراقةُ ابن مالكِ بن جُعشُمٍ فقال: يا رسول الله؛ أرأيت عُمرتَنا هذه، أَلِعامِنا أم للأبد؟ فقال(4) : للأبد.
          فقال: يا رسول الله؛ بيِّن لنا دِيننا كأنَّما خُلِقنا الآنَ، أرأيتَ / العملَ الَّذي نعمل الآنَ، أفيما جفَّت به الأقلامُ وجَرَت به المقاديرُ؟...» ثمَّ ذكر الحديثَ إلى آخره بنحو ما قدَّمنا، وقد فرَّقه بعض الرُّواة ثلاثةَ أحاديثَ، وأفرد لكلِّ واحدٍ منها إسناداً.


[1] جَفَّت به الأقلامُ: أي ثبت واستقر كناية عما كُتب بالأقلام ولم يُمحَ.
[2] يأْتَنِف: أي يستقبل.
[3] في (ق): (كنا)، وفي هامشها نسخة: (خرجنا).
[4] زاد (ابن الصلاح): (هي).