الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقاً

          1597- الرَّابع عشر: عن وهب بن كَيسانَ عن جابرٍ: «أنَّ أباه توفِّيَ وترك عليه ثلاثين وَسْقاً لرجلٍ من اليهود، فاستنظَره جابرٌ فأبَى أن يُنظِرَه، فكلَّم جابرٌ رسولَ الله صلعم ليشفعَ إليه، فجاءه رسولُ الله صلعم وكلَّم اليهوديَّ ليأخذَ ثَمر نَخلِه بالَّذي له فأبى، فدخل رسول الله صلعم النَّخلَ فمشى فيها، ثمَّ قال لجابر: جُدَّ(1) له فأَوفِ الَّذي له. فجَدَّه بعدما رجعَ رسولُ الله صلعم فأوفاه ثلاثين وَسْقاً، وفَضَلت له سبعةَ عشر وَسْقاً، فجاء جابرٌ رسولَ الله صلعم ليخبرَه بالَّذي كان، فوجده يصلِّي العصر، فلمَّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: أَخبِر بذلك ابنَ الخطَّاب. فذهب جابرٌ إلى عمرَ فأخبرَه، فقال عمر: لقد علمتُ حين مشى فيها رسول الله صلعم لَيُبارَكَنَّ فيها». [خ¦2396]
          وفي حديث عُبيد الله بن عمر عن وهب عن جابرٍ قال: «توفِّي أبي وعليه دَينٌ، فعرَضتُ على غرمائه أن يأخذوا الثَّمر بما عليه، فأبَوا ولم يرَوا أنَّ فيه وفاءً، / فأتيت النَّبيَّ صلعم فذكرت ذلك له، فقال: إذا جَدَدته فوضعتَه في المِربَد(2) فأعلِمْني. فجَدَدْتُه، فلمَّا وضعتُه في المِربَد(3) آذنتُ رسولَ الله صلعم فجاء ومعه أبو بكرٍ وعمرُ(4)، فجلس عليه ودعا بالبركة فيه، ثمَّ قال: ادْعُ غرماءَك فأَوفِهِم. فما تركتُ أحداً له دَينٌ على أبي إلَّا قضيتُه، وفَضَل ثلاثةَ عشرَ وَسْقاً: سبعةٌ عجوةٌ وستَّةٌ لَونٌ، أو ستَّةٌ عجوةٌ وسبعةٌ لَونٌ. فوافَيتُ رسولَ الله صلعم المغربَ، فذكرتُ ذلك له، فضحك وقال: ائت أبا بكرٍ وعمرَ فأخبِرْهما، فقالا: قد عَلِمنا إذ صنعَ رسولُ الله صلعم ما صنعَ أن سيكونُ.
          وقال هشام بن عروة عن وهبٍ: صلاةَ العصر».
          وقال ابن إسحاق عن وهب عن جابرٍ: صلاةَ الظُّهر. [خ¦2709]
          وأخرجه أيضاً من حديث الشَّعبي عن جابرٍ قال: «توفِّي عبد الله بن عمرو بن حَرام وعليه دَينٌ، فاستعنتُ بالنَّبيِّ صلعم على غُرمائه أن يضعوا من دَينه، فطلب إليهم فلم يفعلوا، فقال لي النَّبيُّ صلعم: اذهبْ فصنِّف تَمرَك أصنافاً: العجوةَ على حِدةٍ، وعِذْقَ زيدٍ على حِدة، ثمَّ أرسِلْ إليَّ. ففعلتُ ثمَّ أرسلتُ إليه، فجلس على أعلاه أو في وسطه، ثمَّ قال: كِلْ للقومِ. فكِلْتُ لهم حتَّى أوفيتُهم الَّذي لهم وبقيَ تَمري كأنَّه لم يَنقُص منه شيءٌ!». / [خ¦2127]
          قال البخاريُّ: وقال فراسٌ عن الشَّعبيِّ عن جابر عن النَّبيِّ صلعم: «فما زال يكيلُ لهم حتَّى أدَّى».
          وفي رواية أبي عَوانةَ عن مغيرة عن الشَّعبيِّ نحوُه، وفيه زيادة: قال جابر: «أُصيب عبد الله وترك عيالاً ودَيناً، فطلبت إلى أصحاب الدَّين أن يضعوا بعضاً فأبَوا، فأتيتُ النَّبيَّ صلعم فاستشفعت به عليهم فأبَوا، فقال: صَنِّف تَمرَك، كلَّ شيءٍ على حِدَة، ثمَّ أحضِرهم حتَّى آتيَك. ففعلت، ثمَّ جاء فقعد عليه، وكال لكلِّ رجلٍ حتَّى استوفى، وبقيَ التَّمرُ كما هو كأنَّه لم يُمَسَّ! وغزوت مع النَّبيِّ صلعم على ناضحٍ لنا، فأَزحَفَ الجملُ(5) فتخلَّف عليَّ فوكزَه...»، ثمَّ ذكر نحو ما تقدَّم من أمرِ الجمل وبيعِه، وسؤالِه عمَّا تزوَّج وجوابِه، وإتيانِه أهلَه، ولَومِ خالِه له.
          وفي آخره: «فلمَّا قدم النَّبيُّ صلعم غدوت إليه بالجمل، فأعطاني ثمنَ الجمل والجملَ وسَهمي مع القوم». [خ¦2405]
          وفي رواية فراس عن الشَّعبي قال: حدَّثني جابر «أنَّ أباه استُشهد يومَ أُحدٍ وترك ستَّ بناتٍ وترك عليه دَيناً فلمَّا حضر جَـِذَاذُ النَّخل(6) أتيتُ فقلت: يا رسول الله؛ قد علمتَ أنَّ والدِي استُشهد يومَ أُحد وترك دَيناً كثيراً، وأُحبُّ أن يراك الغُرماءُ، قال: اذهب فبيدِر كلَّ تَمرٍ على ناحيةٍ(7). ففعلتُ ثمَّ دعوتُه، فلمَّا رأَوه أُغرَوا بي تلك السَّاعةَ، فلمَّا رأى ما يصنعون طاف حولَ أَعظَمِها بَيدراً ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ جلس عليه، ثمَّ قال: ادعُ أصحابَك. فما زال يكيلُ لهم حتَّى أدَّى اللهُ / أمانةَ والدي، وأنا والله راضٍ أن يؤدِّيَ الله أمانةَ والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرةٍ، فسلَّم اللهُ البيادِرَ كلَّها، حتَّى إنِّي أنظر إلى البيدر الَّذي عليه رسول الله صلعم كأنَّه لم يَنقُصْ تَمرةً واحدةً». [خ¦2781]
          وفي حديث زكريَّا عن عامر عن جابر اختصار: «أنَّ أباه توفِّي وعليه دَينٌ، قال: فأتيتُ النَّبيَّ صلعم فقلت: إنَّ أبي ترك عليه دَيناً، وليس عندي إلَّا ما يُخرِجُ نَخلَه، ولا يبلُغ ما يُخرج سنتين ما عليه فانطلقَ معي لكيلا يُفحِشَ عليَّ الغُرماءُ، فمشى حولَ بَيدرٍ من بيادر التَّمر فدعا ثمَّ أخَّر، ثمَّ جلس عليه فقال: تمزَّعوه. فأوفاهم الَّذي لهم وبقيَ مثلُ ما أعطاهم». [خ¦3580]
          وأخرجه من حديث عبد الرَّحمن بن كعبِ بنِ مالكٍ عن جابرٍ: «أنَّ أباه قُتل يومَ أُحُد شهيداً، فاشتدَّ الغُرماء في حقوقهم، فأتيتُ رسولَ الله صلعم فكلَّمتُه، فسألهم أن يقبلوا ثَمر حائطي ويُحلِّلوا أبي فأبَوا، فلم يُعطِهم رسول الله صلعم حائطي ولم يكسِره لهم، ولكن قال: سأغدو عليك. فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النَّخل ودعا في ثَمرها بالبركة، فجدَدْتُها فقضيتُهم حقوقَهم وبقيَ لنا من تَمرها بقيَّةٌ، ثمَّ جئتُ رسولَ الله صلعم فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلعم لعمرَ وهو جالسٌ: اسمع يا عمرُ! فقال عمر: ألَا نكون قد عَلِمنا أنَّك رسول الله؟ والله إنَّك لرسول الله!». / [خ¦2395]


[1] في (ق): (جذَّ) بالذال، وكذا قوله: (فجده) بعده وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية البخاري.والجذُّ: القطع، وجَذَاذ النخل قطع ثمرها من رؤوسها.
[2] المِرْبَد: البيدر وهو الجَرين أيضاً حيث يوضع التمر عند الجذاذ قبل أن يوضع في الأوعية وينقل إلى البيوت، ويقال لموقف الإبل: مرابد؛ اشتقاقُه من رَبَدَ أي أقام، وقال ابن الأعرابي: رَبَدَه حبسه.
[3] سقط قوله: (فأعلمني.فجددته فلما وضعته في المربد) من (ابن الصلاح) و(غ).
[4] زاد في (ابن الصلاح): (وعثمان)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[5] زَحَف البعيرُ وأزْحَفَه السير: إذا قام من الإعياء ولم يقدر على النهوض.(ق) نحوه.
[6] في (ق): (التمر)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[7] في (ق): (حدة)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية البخاري.