الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه

          160- الحديث الأوَّل: عن عبد الله بن العبَّاس بطوله، وعن عبد الله بن عامر بنِ ربيعةَ مختصرٌ، وهذا حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب خرج إلى الشَّام، حتَّى إذا كان بسَرْغٍَ لقيَه أمراءُ الأجناد:(1) أبو عبيدةَ بن الجرَّاح وأصحابُه، فأخبروه أنَّ الوباءَ قد وقع بالشَّام، قال ابن عبَّاسٍ: فقال لي(2) عمر: ادعُ لي المهاجرينَ الأوَّلينَ فدعوتُهم، فاستشارهم وأخبرهم أنَّ الوباءَ قد وقع بالشَّام فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجتَ لأمرٍ ولا نَرى أن ترجعَ عنه، وقال بعضهم: معك بقيَّةُ النَّاس وأصحابُ رسول الله صلعم، ولا نرى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوباء.
          فقال: ارتفِعوا عنِّي، ثمَّ قال: ادعُ لي الأنصار فدعوتُهم، فاستَشارَهم فسلَكوا سبيلَ المهاجرينَ واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفِعوا عنِّي، ثمَّ قال: ادعُ لي مَن كان ههنا من مَشيَخة قريش من مُهاجِرة الفتح فدعوتُهم، فلم يختلف عليه منهم رجلانِ، فقالوا: نرى أن ترجع بالنَّاس ولا تُقدِمَهم على هذا الوباء. فنادى عمر في النَّاس: إنِّي مصبِّحٌ على ظهرٍ(3) فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بنُ الجرَّاح: أَفِراراً من قَدَر الله؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدةَ _وكان عمر يكرَه / خلافَه_ نعم؛ نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله، أرأيتَ لو كانت لك إبلٌ فهبطتَ وادياً له عُدوتان إحداهما خَـِصْبَة(4) والأخرى جَدبة، أليس إن رعيتَ الخَـِصِبةَ رعيتَها بقَدَر الله، وإن رعيت الجَدْبة(5) رعيتها بقَدَر الله؟!
          قال: فجاء عبد الرَّحمن بنُ عوف، وكان متغيِّباً في بعض حاجته، فقال: إنَّ عندي من هذا علماً؛ سمعت رسول الله صلعم يقول: «إذا سمِعتُم به بأرضٍ فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتُم بها فلا تخرجوا فِراراً منه».
          قال: فحمِد اللهَ عمرُ بن الخطَّاب ثمَّ انصرف. [خ¦5729]
          وفي حديث مَعْمَر: فسار حتَّى أتى المدينة فقال: هذا المحلُّ، أو قال: هذا المنزل إن شاء الله تعالى.
          وأمَّا حديث عبد الله بن عامرٍ، فإنَّه اقتصر على المسند: أنَّ عمر خرج إلى الشَّام، فلمَّا جاء سَرْغٍَ بلغه أنَّ الوباء قد وقع بها، فأخبره عبد الرَّحمن بن عوف أنَّ رسولَ الله صلعم قال... فذكر نحوه. [خ¦6973]
          وفي «كتاب مسلم» عن الزُّهريِّ عن سالم: أنَّ عمر إنَّما انصرف بالنَّاس عن / حديث عبد الرَّحمن بن عوف.


[1] في هامش (ابن الصلاح): (قال لنا شيخنا رضي الله عنه: سرْغ بإسكان الراء قرية بوادي تبوك، وفي أطراف الشام فما قبل.والأجناد هاهنا عبارة عن مدن الشام الخمس وهي دمشق وحمص وقنسرين والأردن وفلسطين فاعلم والله أعلم).
[2] سقطت (لي) من (أبي شجاع).
[3] من قول عمر: إنِّي مُصبحٌ على ظهر أي: على الرِّكاب يريد الرحيل.(ابن الصلاح) نحوه.
[4] ضبطها (ابن الصلاح): خَصْبَة وخَصِبَة.
[5] في (أبي شجاع): (الجذبة) بمعنى لا ماء فيها مأخوذةٌ من قولهم: جَذَبَتِ النّاقةُ إذا قَلَّ لَبنُها.انظر «لسان العرب» مادة (جذب)، وما أثبتناه من (ابن الصلاح) موافق لنسختنا من رواية مسلم.