الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: بعث رسول الله إلى أبي رافع اليهودي

          868- الثَّالث: في قتل أبي رافع عبد الله _وقيل سلَّام_ بن أبي الحُقَيق: عن أبي إسحاقَ عن البراء قال: «بعث رسول الله صلعم إلى أبي رافع اليهوديِّ رجالاً من الأنصار، وأمَّر عليهم عبد الله ابن عَتيك، وكان أبو رافع يؤذي النَّبيَّ صلعم ويُعين عليه، وكان في حصنٍ له بأرض الحجاز، فلمَّا دنَوا منه وقد غربتِ الشَّمس وراح النَّاس بسَرْحِهم؛ قال عبد الله لأصحابه: اجلِسوا مكانَكم، فإنِّي منطلقٌ ومُتلطِّفٌ للبوَّاب، لعلِّي أدخلُ، فَأَقْبَلَ حتَّى دنا من الباب ثمَّ تقنَّع بثوبه كأنَّه / يقضي حاجةً وقد دخل النَّاس، فهتَف(1) به البوَّاب: يا عبد الله، إن كنتَ تريد أن تدخلَ فادخل فإنِّي أريد أن أُغلِقَ الباب، قال: فدخلتُ فكَمَنتُ، فلمَّا دخل النَّاس أغلَق الباب، ثمَّ علَّق الأغاليق على وَتَد، قال: فقُمت إلى الأقاليد(2) فأخذتُها، ففتحتُ الباب، وكان أبو رافعٍ يُسْمَرُ عنده، وكان في عَلاليَّ له، فلمَّا ذهب عنه أهل سَمَرِهِ صَعِدْتُ إليه، فجعلتُ كلَّما فتحتُ باباً أغلقتُ عليَّ مِن داخلٍ، قلت: إنِ القومُ نذِروا بي(3) لم يُخْلَص إليَّ حتَّى أقتلَه، فانتهيتُ إليه، فإذا هو في بيتٍ مُظْلِمٍ وسطَ عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: يا أبا رافع، قال: مَن هذا؟ فأهويتُ نحو الصَّوت فأضربُه ضربةً بالسَّيف وأنا دَهِشٌ(4)، فما أَغْنَت شيئاً، وصاحَ، فخرجت من البيت، فأمكثُ غيرَ بعيدٍ، ثمَّ دخلتُ إليه فقلت: ما هذا الصَّوت يا أبا رافع؟ قال: لِأمِّك الويلُ، إنَّ رجلاً في البيت ضربني قَبْلُ بالسَّيف، قال: فأضرِبُهُ ضربةً أَثْخَنَتْهُ(5) وَلَم أقتُلْهُ، ثمَّ وضعتُ ظُبَةَ السَّيفِ في بطنه(6) حتَّى أخذ في ظهره، فعرفتُ أنِّي قتلتُه، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتَّى انتهيت إلى دَرَجة له، فوضعت رِجلي وأنا أرى أنِّي قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلةٍ مُقمِرة وانكسَرَت ساقي، فعصبتُها بعِصابة، ثمَّ انطلقت حتَّى جلستُ على الباب، فقلت: لا أخرج اللَّيلةَ حتَّى أعلم أقتلتُه؟ فلمَّا صاح الدِّيك قام النَّاعي على السُّور، فقال: أنعى أبا رافع تاجرَ أهل الحجاز، فانطلقت إلى / أصحابي فقلت: النَّجاءَ، قد قتل الله أبا رافع، فانتهيتُ إلى النَّبيِّ صلعم، فحدَّثته(7) فقال: ابسُط رِجلَك. فبسطت رجلي فَمَسَحَهَا، فكأنَّما لم أشتكِها قطُّ». [خ¦4039]
          وفي رواية يوسف بن أبِي(8) إسحاقَ نحوُه، إلَّا أنَّه قال: «فدخلت، ثمَّ اختبأت في مَرْبِط حمارٍ عند باب الحِصْن، فتعشَّوا عند أبي رافع، وتحدَّثوا حتَّى ذهب ساعةٌ من اللَّيل، ثمَّ رجعوا إلى بيوتَهم، فلمَّا هدأتِ الأصوات ولا أسمعُ حركةً خرجت، قال: ورأيتُ صاحب الباب حيث وضع مِفتاح الحِصن في كَـُوَّةٍ، فأخذته ففتحت به باب الحصن، ثمَّ عمَدت إلى أبواب بيوتهم فغلَّقتُها عليهم من ظاهرٍ، قال: قلت: إن نَذِرَ بي القوم انطلقتُ على مَهَلٍ، قال: ثمَّ عَمَدْتُ إلى أبي رافع...» وذكره نحوَه. [خ¦4040]
          وفي حديث علي بن مسلم: «بعث رسول الله صلعم رَهْطاً من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه، فانطلق رجلٌ منهم فدخل حصنَهم، قال: فدخلت في مَـِرْبِـَط دوابَّ لهم، وأغلقوا الحصن، ثمَّ إنَّهم فقدوا حماراً لهم، فخرجوا يطلبونه، فخرجت فيمن خرج أُرِيهم أنِّي أطلبُه معهم، فوجدوا الحمار، فدخلوا ودخلت، فأغلقوا بابَ الحصن ليلاً، ووضعوا المفاتيح في كَوَّةٍ حيث أراها، فلمَّا ناموا أخذتُ المفاتيحَ وفتحت باب الحصن، ثمَّ دخلت عليه _ثمَّ ذكر نحوه في قتل أبي رافع، ووقوعِه من السُّلَّم_ قال: فَوُثِئَتْ رِجلي(9)، فخرجت إلى أصحابي فقلت: / ما أنا ببارحٍ حتَّى أسمعَ الواعيةَ، فما بَرِحْتُ حتَّى سمعت نعايا(10) أبي رافع تاجرِ أهل الحجاز، فقمت وما بي قَلَبَة(11)، حتَّى أتينا النَّبيَّ صلعم فأخبرناه». [خ¦3022]
          ورواية يحيى بن آدم مختصرة: أنَّ البراء قال: «بعث رسول الله صلعم رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عَتيك بيتَه ليلاً، فقتله وهو نائمٌ» لم يزد. [خ¦3023]


[1] هتَفَ: أي: صاح، والهتْفُ: الصوت.
[2] الأقاليدُ: المفاتيح واحدها إِقلِيد، والمقاليد الخزائن.
[3] نذِرَ بالشيء ينذَرُ إذا علِمَ به.
[4] دَهِشَ ودُهِشَ: إذا بُهِتَ، وأنا داهشٌ؛ أي: باهت.
[5] أثخنَتهُ الجراحةُ: أي؛ بالغَتْ فيه.
[6] سقط قوله: (في بطنه) من (أبي شجاع).
[7] سقط قوله: (فحدثته) من (أبي شجاع).
[8] سقط قوله: (أبي) من (أبي شجاع).
[9] وثيت يده: فهي موثوءة تهمز ولا تهمز توجعت وتألمت، والوثي التألم والتوجع يكون خفيفاً وشديداً.
[10] النعايا: جمع ناعية وهي النائحة، والنعاة المخبرون بموت من مات.
[11] ما به قَلَبَة: أي ليست به علة يُقلَّبُ بها فينظر إليه.