إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك

          6361- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) أبو جعفرٍ المصريُّ، المعروف بابن الطَّبرانيِّ، كان أبوهُ من أهل طبرستان، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ، أنَّه(1) (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ) الفاء جزائيَّة والشَّرط محذوفٌ(2)‼ يدلُّ عليه السِّياق، أي: إن كنت سببت مؤمنًا، وفي مسلم من طريق ابن أخي ابن شهابٍ عن عمِّه _بهذا الإسناد_: «اللَّهمَّ إنِّي اتَّخذت عندك عهدًا لن تخلفنيْهِ، فأيُّما مؤمنٌ سببتُهُ أو جلدتُهُ...» ومن طريقِ أبي صالحٍ عن أبي هريرة: «اللَّهمَّ إنَّما أنا بشرٌ، فأيُّما رجلٍ من المسلمين سببتُهُ، أو لعنتُهُ، أو جلدتهُ...» ومن طريق الأعرج عن أبي هريرة، مثل رواية ابن أخي ابن شهابٍ، قال: «فأيُّ مؤمنٍ آذيته شتمتُهُ لعنتُهُ جلدتُهُ...» ومن طريق سالمٍ عن أبي هريرة: «اللَّهُمَّ إنَّما محمَّدٌ بشرٌ يغضبُ كما يغضَبُ البشرُ، وإنِّي قد اتَّخذتُ عندَكَ عهدًا...» الحديث. وفيه: «فأيُّما مؤمنٍ آذيتُهُ» ومن حديث عائشة ♦ قالتْ: دخلَ على رسولِ الله صلعم رجلان فكلَّماه بشيءٍ لا أدرِي ما هو فأغضباهُ فسبَّهما ولعنهمَا، فلمَّا خرجَا قلتُ له، فقال: «أَوَمَا علمتِ مَا شارطْتُ عليهِ ربِّي؟ قلتُ: اللَّهمَّ إنَّما أنا بشرٌ فأيُّ المسلمينَ لعنتُهُ، أو شتمتُهُ، أو سببتُهُ» (فَاجْعَلْ ذَلِكَ) السبَّ أو غيره ممَّا ذُكر (لَهُ قُرْبَةً) تقرِّبه بها (إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ) وفي رواية ابن أخي الزُّهريِّ: «فاجعلْ ذلك كفَّارةً له يوم القيامة» وفي رواية أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: «فاجعلها له زكاةً ورحمةً» وفي رواية الأعرج: «فاجعلها له صلاةً وزكاةً وقربةً تقرِّبه بها إليك يوم القيامة». وفي حديث عائشة: «فاجعلهَا لهُ زكاةً وأجرًا». وفي حديث أنسٍ عند مسلم أيضًا: «إنَّما أنا بشرٌ أرضَى كما يرضَى البشرُ، وأغضَبُ كما يغضبُ البشرُ، فأيُّما أحدٍ دعوتُ عليهِ من أمَّتِي بدعوةٍ ليسَ لها بأهلٍ أن تجعلَهَا لهُ طهورًا وزكَاةً وقربَةً تقرِّبه بِهَا(3) يومَ القيامَةِ»، وقوله: «ليسَ لها بأهلٍ» أي: عندك في باطن أمرهِ، لا في ظاهر ما(4) يظهر منه حين دعائي عليه؛ لأنَّه صلعم كان متعبّدًا بالظَّواهر وحساب النَّاس في البواطنِ إلى الله تعالى، وفي الحديثِ كمالُ شفَقته على أمَّته، وجميل خُلقه صلعم ، وجزاه عنَّا أفضلَ الجزاء بمنِّه وكرمهِ، وأماتنَا على محبَّته وسنَّته.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ في «الأدب».


[1] «أنه»: ليست في (د).
[2] في (ص) و(ع) و(د): «حذف شرطه».
[3] في (ص): «تقربها منه».
[4] في (ع): «ظاهره مما»، وفي (د): «ظاهر أمره مما».