إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت

          6340- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ الأعظم (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بضم العين وتنوين الدال (مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ) بفتح الهمزة والهاء بينهما زاي ساكنة آخره راء، عبد الرَّحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ) بفتح التَّحتية والجيم بينهما عين ساكنة. وقال في «الكواكب»: يُستجاب، من الاستجابةِ بمعنى الإجابة.
          قال الشَّاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
وقوله: «لأحدكم»(1) أي: يجابُ دعاءُ كلِّ واحدٍ منكم؛ إذ المفرد(2) المضافُ يُفيد العمومَ(3) على الأصحِّ.
          (يَقُولُ) بيان لقوله: «ما لم يعجَلْ» ولأبي ذرٍّ _ممَّا(4) في «الفتح»_ ”فيقولَ“ بالفاء والنَّصب: (دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) بضم التحتية وفتح الجيم، وفي روايةِ أبي إدريس الخولانيِّ عن أبي هريرة عند مسلمٍ والتِّرمذيِّ: «لا يزالُ يستجابُ للعبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ، أو قطيعةِ رحمٍ، وما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجاب لي، فيستحسرُ عند ذلك ويَدَعُ الدُّعاءَ»، وقوله: «فيستحسر(5)»، بمهملاتٍ استفعالٌ من حسر، إذا أعيا وتعبَ، وتكرارُ «دعوتُ» للاستمرار، أي: دعوتُ مرارًا كثيرةً.
          قال المظهريُّ: مَن كان له ملالةٌ من الدُّعاء لا يُقبَل دعاؤه؛ لأنَّ الدُّعاء عبادةٌ حصلت الإجابة أو لم تحصلْ، فلا ينبغِي للمؤمن أن يملَّ من العبادةِ، وتأخيرُ الإجابةِ إمَّا أنَّه لم يأتِ وقتها فإنَّ لكلِّ شيءٍ وقتًا، وإمَّا لأنَّه لم يقدَّرْ في الأزل قَبول دعائه في الدُّنيا؛ ليُعطى عوضه في الآخرة، وإمَّا أن يؤخَّر القَبول ليلحَّ ويبالغ في ذلك، فإنَّ الله تعالى يحبُّ الإلحاح في الدُّعاء مع ما في ذلك من الانقيادِ والاستسلام وإظهار الافتقار، ومَن يكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له، ومن يُكثر الدُّعاء يوشكُ أن يُستجاب له.
          وللدُّعاء آدابٌ منها: تقديمُ الوضوء، والصَّلاة، والتَّوبة، والإخلاص، واستقبال القبلة، وافتتاحُه(6) بالحمد والثَّناء، والصَّلاة على النَّبيِّ صلعم ، وأن يختتم الدعاء بالطَّابع وهو: آمين، وأن لا يخصَّ نفسه بالدُّعاء بل يعمُّ ليدرج دعاؤه وطلبه في تضاعيف دعاء الموحِّدين(7)، ويخلطَ حاجته بحاجتهم لعلَّها أن تقبلَ ببركتهم وتجاب، وأصل هذا كلِّه ورأسُه اتِّقاء الشُّبهات فضلًا عن الحرام، وفي حديث مالك بن يسارٍ مرفوعًا: «إذَا سألتُمُ اللهَ فاسألُوهُ ببطُونِ أكفِّكُم، ولا تسألُوهُ بظهُورِهَا، فإذَا فرغتُم فامسَحُوا بهَا وجوهَكُم» رواه أبو داود، ومن عادة مَن يطلب شيئًا(8) من غيره أن يمدَّ كفَّه إليه، فالدَّاعي يبسط كفَّه إلى الله متواضعًا متخشِّعًا، وحكمةُ مسح الوجه بهما: التَّفاؤل بإصابة ما طلب، وتبرُّكًا بإيصاله إلى وجهه الَّذي هو أعلى الأعضاء وأولاها(9)، فمنه يسري إلى سائرِ الأعضاء.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ في «الدَّعوات» أيضًا، وأبو داود‼ في «الصَّلاة»، والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الدُّعاء».


[1] في (ص): «أحدكم».
[2] في (ص): «اسم المفرد».
[3] في (ص): «للعموم».
[4] في (د): «كما».
[5] في (ص) و(ع) و(د): «يستحسر».
[6] في (د): «واستفتاحه».
[7] في (ص): «المؤمنين».
[8] «شيئًا»: ليست في (د).
[9] في (د): «وأغلاها».