إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء

          6041- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بنُ أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة السَّدوسيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ) بالنَّصب (لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) قال الكِرْمانيُّ: فإنَّ قلت: الحلاوةُ إنَّما هي في المطعوماتِ، وأجابَ: بأنَّه شبَّه الإيمان بالعسلِ بجامعِ ميلِ القلوبِ إليهما، وأسندَ إليه ما هو من خواصِّ العسلِ، فهو استعارةٌ بالكناية (وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ) ╡، أي: منه، وفصل بين الأحبِّ وكلمة «مِن» لأن في الظَّرف توسعة (وَحَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) قال البيضاويُّ: إنَّما جعل هذه الأمور الثَّلاثة عنوانًا لكمالِ الإيمان / المحصِّل لتلك اللَّذَّة؛ لأنَّه لا يتمُّ إيمانُ المرءِ(1) حتَّى يتمكَّن في نفسهِ أنَّ المنعم والقادر على الإطلاق هو الله تعالى، ولا مانحَ ولا مانعَ سواه، وما عداهُ وسائط لها، فإنَّ الرَّسول هو العَطوفُ الحقيقيُّ السَّاعي في إصلاح شأنهِ وإعلاءِ مكانه، وذلك يقتضِي أن يتوجَّه بشراشرهِ نحوه، ولا يحبُّ ما يحبُّه إلَّا لكونه وسطًا بينه وبينه، فإن تيقَّن أنَّ جملةَ ما وعدَ به وأوعد حقٌّ لا يحوم الرَّيب حولَه، فيتيقَّن أنَّ الموعودَ كالواقع وأنَّ الاستقلالَ بما يؤول إليهِ الشَّيء كملابستهِ، فيحسبُ مجالسَ الذِّكر رياض الجنَّة، وأكلَ مال اليتيمِ أكل النَّار، والعودَ إلى الكفرِ الإلقاءَ في النَّار، فيكره الإلقاءَ في النَّار، وثنَّى الضَّمير هنا في قولهِ: «سواهما» وردَّ على الخطيب: «ومن عصاهما فقد غوى». وأمره بالإفرادِ إيماء إلى أنَّ المعتبر هنا هو المجموع المركَّب من المحبَّتين لا كلُّ واحدةٍ فإنَّها وحدَها ضائعةٌ لاغيةٌ، وأمرَ الخطيبَ بالإفرادِ إشعارًا بأن كلَّ واحدٍ من العصيانين يستقلُّ باستلزامِ الغِواية، فإن قولَه‼: ومَن عَصى الله ورسولَه، من حيث إِنَّ العطفَ في تقدير التَّكرير، والأصلُ فيه استقلال كلٍّ من المعطوفِ والمعطوف عليه في الحكمِ في قوَّة قولنَا: ومَن عصَى الله فقد غَوى، ومَن عصى الرَّسول فقد غَوى.
          وقد سبق شيءٌ من ذلك عند ذكر الحديث في «باب الإيمان» [خ¦16] والله المستعان.


[1] في (د): «امرء».