إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر

          5974- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) هو سعيدُ بن الحَكَم بن محمَّد بن سالم(1) بن أبي مريم، أبو محمَّدٍ الجُمَحيُّ، مَولاهم المصريُّ(2) قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ) الأسديُّ‼ مَولاهم، أبو إسحاقُ المدنيُّ الثِّقة، تُكُلِّمَ فيه بلا حجَّةٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (نَافِعٌ) مولى ابنِ عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) ممَّن كان قبلكم (يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فَمَالُوا) وللأَصيليِّ: ”فأووا“ (إِلَى غَارٍ فِي الجَبَلِ) وللأَصيليِّ: ”في جبلٍ“ / (فَانْحَطَّتْ) بالحاء والطاء المشددة المهملتين (عَلَى فَمِ غَارِهِمْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”على بابِ غارهِم“ (صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ) بهمزة قطعٍ مفتوحة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فتطابقتْ“ (عَلَيْهِمْ) من أَطْبَقْتُ الشَّيء إذا غطَّيتُه (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً) أي خالصةً لوجههِ لا رياءَ فيها ولا سُمْعة، كما يدلُّ عليه قوله بعدُ: ابتغاءِ وجهكَ (فَادْعُوا اللهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الراء، كذا في الفرع مُصَلَّحةً على كشطٍ لفتحةِ أوَّله، وقال العينيُّ: بكسر الراءِ. قال: وقال ابن التين: وكذا قرأناهُ (فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ) بكسر الصاد، جمع صبيٍّ (كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ) ضمَّن «أرعى» مَعنى الإنفاق، وعدَّاه بعلى، أي: أنفقُ عليهم راعيًا الغنيمات (فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ(3)) أي إذا رددتُ الماشية من المرعى إلى موضع مبيتِها، فضمَّن «رُحْت» معنى رَدَدت (فَحَلَبْتُ) عطف على «رُحْت» وجواب «فإذا» قوله: (بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ) بفتح الدال على التَّثنية، حالَ كوني (أَسْقِيهِمَا) أو أسقيهما استئنافُ بيانٍ للعلَّة (قَبْلَ وَلَدِي) بكسر الدال وتخفيف التَّحتية (وَإِنَّهُ نَأَى) بتقديم النون على الهمزة، أي: بَعُد (بِيَ الشَّجَرُ) الَّتي ترعاهُ(4) المواشي، والشَّجر: بالشين المعجمة والجيم، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”السَّحر“ بالسين والحاء المهملتين. قال في «الفتح»: والأوَّل أولى، فإنَّ في الخبرِ أنَّه رجعَ بعد أن نامَا(5) فأقامَ ينتظرُ استيقاظهما إلى الصَّباح حتَّى انتبها من قبل أنفسهمَا، وزاد المُستملي: ”يومًا“ (فَمَا أَتَيْتُ) من المرعى (حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ) بفتح اللام (كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ) بضم اللام (فَجِئْتُ بِالحِلَابِ) بكسر الحاء المهملة، أي: الإناء الَّذي يُحْلَبُ فيه أو باللَّبن المحلوب (فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا) بضم الهمزة (مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ) في السَّقي (قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين بينهما ألف وبعد الواو الساكنة نون، يضجُّون ويصيحون من الجوعِ (عِنْدَ قَدَمَيَّ) بلفظ التَّثنية، ولعلَّه(6) كان في شريعتِهم تقديمُ نفقةِ الأصول على الفروعِ (فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ) أي: دأبَ الوالدين والصِّبيَّة‼ (حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ) بضم الراء (لَنَا) في هذه الصَّخرة (فُرْجَةً) بضم الفاء وسكون الراء (نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ) ╡، بتخفيف الراء من ففرجَ الله (لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ) بإثبات النون لأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي، وبحذفها له عن الكُشميهنيِّ، وسقط للأَصيليِّ لفظ «فُرْجة» (وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانت لِي ابْنَةُ عَمٍّ) ولأبي ذرٍّ: ”بنت عمٍّ“ (أُحِبُّهَا) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة (كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”الرجل“ بالإفراد، وأشدُّ صفة مصدرٍ محذوفٍ، و«ما» مصدريَّة، أي: أحبُّها حبًّا مثل أشدِّ حبِّ الرِّجال النِّساء (فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا) قال في «النهاية»: يقال: طلب إليَّ(7) فلانٌ فأَطْلَبتُه، أي: أسعفْتُه بما طلبَ، والطَّلِبَة(8) الحاجةُ، والإطلابُ إنجازُها، وقال في «شرح المشكاة»: يجوز أن يضمنَ فيه مَعنى الإرسال، أي: أرسلتُ إليها طالبًا نفسها (فَأَبَتْ) أي: فامتنعَتْ(9) (حَتَّى آتِيَهَا بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِئَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا) بكسر القاف، أي: فلقيتُ ابنة عمِّي بالمئة دينارٍ (فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفْتَحِ الخَاتَمَ) كنايةً عن البكارةِ، إلَّا بحقِّه (فَقُمْتُ عَنْهَا) وهي أحبُّ النَّاس إليَّ (اللَّهُمَّ فَإِنْ) قال في «شرح المشكاة»: عطف على مقدَّر، أي: اللَّهم فعلت ذلك فإن (كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ) وسقط «قد» للأَصيليِّ وأبي ذرٍّ(10) (فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا) من الصَّخرة فُرْجة (فَفَرَجَ) الله (لَهُمْ فُرْجَةً). ويجوز أن تكون «اللَّهم» مُقحمة بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه؛ لتأكيدِ الابتهال والتَّضرُّع إلى الله تعالى، فلا يُقدَّر معطوفٌ عليه، ويدلُّ عليه القرينةُ السَّابقة واللَّاحقة، وإنَّما كرَّر «اللَّهم» في هذهِ القرينةِ دون أختيهَا لأنَّ هذا المقام أصعبُ المقاماتِ وأشقُّها، فإنَّه ردعٌ لهوى النَّفس خوفًا من الله تعالى ومقامه. قال تعالى / : {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:40_41] قال(11) الشَّيخ أبو حامد: شهوة الفرجِ أغلبُ الشَّهوات على الإنسانِ وأَعْصاها عند الهيجانِ على العقلِ، فمن تركَ الزِّنا خوفًا من الله مع القدرةِ، وارتفاعِ الموانعِ، وتيسُّر الأسبابِ لا سيَّما عند صدقِ الشَّهوة نالَ درجةَ الصِّديقين (وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا) واحدًا (بِفَرَقِ أَرُزٍّ) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي، والفرَق _بفتح الراء_ مكيالٌ يسعُ تسعة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مدًّا وثلاثة آصُع عندَ أهل الحجازِ (فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي) بقطع الهمزة (فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ‼، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي) بفتح الهمزة (فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ البَقَرِ) بالتَّذكير، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ: ”إلى تلك البقر“ اسمُ جمع(12) يجوزُ تذكيرهُ وتأنيثُه (وَرَاعِيهَا. فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي) بهمزةٍ ساكنةٍ، مجزومًا(13) على النَّهي (فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ) وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”تلك“ (البَقَرَ وَرَاعِيَهَا، فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا(14)، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ) لنا (مَا بَقِيَ) من هذه الصَّخرة (فَفَرَجَ اللهُ) ╡ (عَنْهُمْ) وسقط من قولهِ: «وقال الثَّاني...» إلى آخره لأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي، وقال بعد قولهِ: يرون منها السَّماء: ”وقصَّ الحديثَ بطولهِ“.
          وهذا الحديثُ سبقَ في «باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه» من «كتاب البيوع» [خ¦2215].


[1] قوله: «بن سالم»: ليس في (د).
[2] في (ص) و(د) و(س) و(ب): «البصري» والمثبت من (ع) وهو موافق لكتب التراجم.
[3] «عليهم»: ليست في (ع).
[4] في (ع) و(ص) و(د): «ترعى».
[5] في غير (د): «نام».
[6] في (س): «ولعل».
[7] قوله: «وما مصدرية... طلب إلي»: ليس في (ب).
[8] في (د): «والطلب».
[9] في (د): «امتنعت».
[10] زاد في اليونينية نسبة عدم وجودها إلى رواية رواية السَّمعاني عن أبي الوقت أيضًا.
[11] في (د): «وقال».
[12] في (د): «اسم جنس جمعي».
[13] في (د): «مجزوم».
[14] قوله: «بها»: ليس في (س) و(ص).