إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري

          5696- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ) المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بنُ المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ) أبو عبيدةَ(1) البصريُّ، مولى طلحة الطَّلحات (عَنْ أَنَسٍ ☺ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الحَجَّامِ) ولأحمد، عن يحيى القطَّان، عن حُميدٍ «عن كسبِ الحجَّام» (فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية وبعد الموحدة تاء، اسمهُ نافعٌ على الصَّحيح، وحكايةُ ابن عبد البرِّ أنَّه دينارٌ، وَهَّمُوه فيها(2) بأنَّ دينارًا الحجَّامَ تابعيٌّ روى عن أبي طيبةَ، وحديثهُ عند ابن مندَه، لا أنَّه أبو طيبةَ نفسهُ، وعند البغويِّ بإسنادٍ ضعيفٍ أنَّ اسمهُ ميسرة. وقال العسكريُّ: الصَّحيح أنَّه لا يعرفُ اسمهُ (وأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ) أي: تَمر، زاد في «البيوعِ»: «ولو كانَ حرامًا لم يُعْطِه» [خ¦2103] (وَكَلَّمَ) صلعم (مَوَالِيَهِ) هم بنو حارثة على الصَّحيح أو(3) مولاهُ منهم محيصة بن مسعودٍ، وإنَّما جمعَ الموالي مجازًا، كما يُقال: بنو فلان قتلوا رجلًا ويكون الفاعلُ(4) منهم واحدًا، وحديثُ جابرٍ أنَّه مولى بني بياضة وهمٌ، فإنَّ مولى بني بياضةَ آخر، يقال له: أبو هندٍ، أن يُخفِّفوا عنه من خراجه (فَخَفَّفُوا / عَنْهُ، وَقَالَ) صلعم بالسَّند المتقدِّم يخاطبُ أهل الحجازِ ومن بلادهِم حارة أو عامًّا (إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ) من هيجان الدَّم (الحِجَامَةُ) لأنَّ دماء أهلِ الحجازِ ومن في معناهم(5) رقيقةٌ تميلُ إلى ظاهر أجسادهم لجذبِ الحرارة الخارجةِ لها إلى سطحِ البدنِ، وهي تُنقِّي سطحَ البدن أكثرَ من الفصدِ، وقد تغني عن كثيرٍ من الأدويةِ، قال في «زاد المعاد»: الحجامةُ في الأزمان الحارَّة، والأمكنة الحارَّة، والأبدانِ الحارَّة الَّتي دمُ أصحابها في غايةِ النُّضج أنفعُ، والفصد بالعكسِ، ولذا كانت الحجامةُ أنفعُ للصِّبيان ولمن لا يقوى على الفصدِ. انتهى.
          وقد أخرج أبو نعيمٍ من حديث عليٍّ رفعه: «خيرُ الدَّواءِ الحجامةُ والفصدُ»‼ لكن في سندهِ حسين بن عبد الله بن ضميرة، كذَّبهُ مالك وغيره، وعن ابن سيرين _فيما أخرجهُ الطَّبرانيُّ(6) بسندٍ صحيحٍ_ «إذا بلغَ الرَّجلُ أربعينَ سنةً لم يحتجِم». قال الطَّبريُّ: وذلك أنَّه يصيرُ من حينئذٍ في انتقاص من عمره، وانحلالٍ من قوى جسدهِ، فلا ينبغِي أن يزيدهُ وهنًا بإخراجِ الدَّم. قال في «الفتح» بعد أن ذكر ذلك: وهو محمولٌ على من لم تتعيَّن حاجتُه إليه، وعلى من لم يعتدَّ به.
          (و) أمثل ما تداويتُم به (القُسْطُ البَحْرِيُّ، وَقَالَ) ╕ بالإسنادِ السَّابق: (لَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالغَمْزِ) بالعصر باليدِ (مِنَ العُذْرَةِ) الَّتي هي قرحةٌ تخرجُ بين الأنفِ والحلقِ، كما مرَّ مع غيرهِ قريبًا [خ¦5692] وكانت المرأةُ تأخذُ خرقةً فتفتلها فتلًا شديدًا، وتدخلُها في حلق الصَّبيِّ وتعصرُ عليه فينفجرُ منه دمٌ أسودُ، وربَّما أقرحته فحذَّرهم النَّبيُّ(7) صلعم من ذلك وأرشدهُم إلى استعمالِ ما فيه دواءُ ذلك من غيرِ ألم، فقال: (وَعَلَيْكُمْ بِالقُسْطِ) فإنَّه دواءٌ للعذرةِ لا مشقَّة فيه، وفي حديث جابرٍ: دخل رسولُ الله صلعم على عائشة وعندها صبيٌّ يسيلُ منخراهُ دمًا، فقال: «ما هذا؟» قالوا: به العذرةُ، أو(8) وجعٌ في رأسه. قال: «ويلكنَّ لا تقتلنَ أولادكنَّ، أيَّما امرأةٍ أصابَ ولدهَا عذرةٌ، أو وجعٌ في رأسهِ، فلتأخُذ قسطًا هنديًّا، فتحكُّه بماءٍ، ثمَّ تُسْعِطُهُ(9) إيَّاه» فأمرتْ عائشة، وصُنِعَ ذلك بالصَّبيِّ فَبَرَأ. رواه أحمدُ وغيرهُ.


[1] في (م): «عبدة».
[2] «فيها»: ليست في (م).
[3] في (ب) و(س): «و».
[4] في (م): «القاتل»، كذا في «الفتح».
[5] في (م) زيادة: «دماؤهم».
[6] هكذا في الأصول الخطية، والذي في «فتح الباري»: «الطبري» والحديث في «تهذيب الآثار» له (820).
[7] «النبي»: ليست في (س).
[8] في (م): «أي».
[9] تصحف في (ب): «تسطعه».