إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: حي على أهل الوضوء البركة من الله

          5639- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابنُ عبد الحميد (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بنِ مهران (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْدِ)‼ الأشجعيُّ مَولاهم، الكوفيُّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☻ هَذَا الحَدِيثَ) قال الكِرمانيُّ: أشارَ إلى الَّذي بعدَه (قَالَ: قَدْ رَأَيْتُنِي) أي: رأيتُ نفسِي (مَعَ النَّبِيِّ صلعم وَقَدْ) أي: والحال أن(1) قد (حَضَرَتِ العَصْرُ) أي: صَلاتها (وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ فَجُعِلَ) ما فضل (فِي إِنَاءٍ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلعم / بِهِ) بضم همزة فأُتِي وكسر الفوقية (فَأَدْخَلَ يَدَهُ) الكريمة (فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى أَهْلِ الوَضُوءِ) بفتح الواو (البَرَكَةُ مِنَ اللهِ) أي: هذا الَّذي ترونه من زيادةِ الماء إنَّما هو من فضلِ الله وبركتهِ(2) ليسَ مني، وهو الموجدُ للأشياءِ لا غيره، وللنَّسفيِّ: ”على الوضوء“ بإسقاط لفظ: «أهل» قال في «الفتح» و«العمدة» و«التنقيح»: وهو أصوبُ، كما في الحديث الآخر: «حيَّ على الطَّهور المبارك». وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: كلٌّ صواب فإنَّ(3) حيَّ بمعنى: أقبل، فإن كان المخاطبُ المأمور بالإقبالِ هو الَّذي يريدُ به الطَّهور كان سقوطُ «أهل» صوابًا، أي: أَقْبِلْ أيُّها المريد للتَّطهر(4) على الماء الطَّهور، وإن جعلنا المخاطب هو الماء الَّذي أراد النَّبيُّ صلعم انبعاثه وتفجره من بين أصابعهِ نزَّله(5) منزلةَ المخاطب تجوزًا فإثبات «أهل» صوابٌ، أي: أقبل أيُّها الماء الطَّهور على أهل الوضوء(6)، ووجه القاضِي هذه الرِّواية: بأن يكون أهل منصوبًا على النِّداء بحذف حرف النِّداء كأنَّه قال: حيَّ على الوضوءِ المبارك يا أهل الوضوء، لكن يلزمُ عليه حذف المجرور وبقاء حرفِ الجرِّ غير داخلٍ في اللَّفظ على(7) مَعموله وهو باطلٌ، ولا أعلم أحدًا أجازه، وقيل: الصَّواب: حيَّ هلا على الوضوء المبارك، فتحرفت(8) لفظة(9) أهل وحوِّلت عن مكانها. وحي: اسم فعل للأمر بالإسراعِ، وتفتح لسكون ما قبلها، وهلًا: بتخفيف اللام وتنوينها، كلمة استعجالٍ. وقال الكِرمانيُّ: وفي بعضها: حيَّ عليَّ _بتشديد الياء_ وأهل الوضوءِ: منادى محذوف منه حرف النِّداء.
          قال جابر: (فَلَقَدْ رَأَيْتُ المَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) من نفسها أو من بينها لا من نفسها(10) وكلاهما معجزةٌ عظيمةٌ، والأول أقعدُ في المعجزةِ كما لا يخفى (فَتَوَضَّأَ النَّاسُ) من ذلك الماء (وَشَرِبُوا) منه. قال جابر: (فَجَعَلْتُ لَا آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ) آلو بالمدِّ وتخفيف اللام المضمومة، أي: لا أقصر، والمعنى: إنَّه جعل يستكثر من شربهِ من ذلك الماء لأجلِ البركةِ، وشرب البركةِ يُغْتفر فيه الإكثار لا كالشُّرب(11) المعتاد الَّذي ورد أن(12) يجعلَ له الثُّلث، فلأجلِ ذلك أَكْثَرَ وإن كان فوق الرِّي. قال سالمُ بن أبي الجعد: (قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا) أي: كنَّا ألفًا (وَأَرْبَعَ مِئَةٍ) وللأكثرين _كما في «الفتح» وغيره_: ”ألفٌ“ بالرفع، أي: ونحن يومئذٍ ألف (تَابَعَهُ) أي: تابع‼ سالمًا (عَمْرُو بْنُ دِيْنَارٍ، عَنْ جَابِرٍ) وثبت: «بنُ دينار» لأبي الوقتِ، وهذه المتابعةُ وصلها المؤلِّف في «سورة الفتح» مختصرًا بلفظ: «كنَّا يوم الحديبية ألفًا وأربع مئة» [خ¦4840]. قال الحافظُ ابن حجرٍ: وهذا القدر هو مقصودُه(13) بالمتابعةِ لا جميع سياق الحديث.
          (وَقَالَ حُصَيْنٌ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، فيما وصلَه المؤلِّف في «المغازِي» [خ¦4152] (وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) بفتح العين، ومُرَّة _بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة_ الجهنيُّ، فيما وصلَه مسلمٌ وأحمد كلاهما (عَنْ سَالِمٍ) هو ابنُ أبي الجعد (عَنْ جَابِرٍ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً، وَتَابَعَهُ) أيضًا (سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرٍ) قال الكِرمانيُّ: فإن قلتَ: القياس أن يقال: ألف وخمس مئة، وأجابَ بأنَّه أرادَ الإشارة إلى عدد الفِرَقِ وأنَّ كلَّ فِرْقةٍ مئة، وفي التَّفصيل زيادةُ تقريرٍ لكثرةِ الشَّاربين، فهو أقوى في بيان كونهِ خارقًا للعادةِ، كما أنَّ خروج الماء من اللَّحم أخرق لها من(14) خروجهِ من الحجرِ الَّذي ضربهُ موسى ◙ .
          هذا آخر الربع الثَّالث من «صحيح البخاري» فيما ضبطَه المعتنونَ بشأن البخاريِّ فيما نقلَه في «الكواكب الدَّراري».


[1] في (م) و(د): «أنه».
[2] في (م) زيادة: «و».
[3] زاد في (ص) و(م): «كان».
[4] في (م): «للتطهير».
[5] في (د): «نزل».
[6] «على أهل الوضوء»: ليست في (م).
[7] في (م): «عن».
[8] في (ص) و(د): «فتحرف» وتصحف في (م): «فتحذف».
[9] في (ص) و(م) و(د): «لفظ».
[10] «لا من نفسها»: ليست في (ص).
[11] في (م): «الشرب».
[12] في (م) و(د): «أنه».
[13] في (م) و(د): «محفوظ».
[14] في (م): «دون».