إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالًا

          5611- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بن قعنبٍ القعنبيُّ الحارثيُّ، أحدُ الأعلام (عَنْ مَالِكٍ) إمام الأئمة (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ) بن أبي طلحةَ (أَنَّهُ سَمِعَ) عمَّه (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) ☺ (يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ) زيد الأنصاريُّ (أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالمَدِينَةِ مَالًا) نصبٌ على التَّمييز (مِنْ نَخْلٍ) الجار للبيان (وَكَانَ أَحَبَّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ) برفع الراء اسمُ كان، وأحبَّ نصب خبرها، أو أحبُّ اسمها وبيرَ خبرها، وحاء بالهمز والمد، ولأبي ذرٍّ بالقصر، واختلف في فتح الموحدة وكسرها، وهل بعدها همزة ساكنة، أو تحتية، أو(1) غير ذلك ممَّا سبق في «الزَّكاة» [خ¦1461] فارجع / إليه إن أردتَه ففيه ما يكفي ويشفي، وفي «الفائق» أنَّها فَيْعَلا(2) مِنَ البَرَاح، وهي الأرض الظَّاهرة(3) (وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ المَسْجِدِ) وفي رواية أبي ذرٍّ _كـ «الزكاة»_: ”مستقبلة المسجد“ (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ) بالجرِّ صفة للمجرورِ (قَالَ أَنَسٌ) ☺ : (فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ) ╡ (يَقُولُ: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ}) أي: لن(4) تكونوا أبرارًا محسنين، فكأنَّه(5) جعلَ البر شيئًا متناولًا مبالغة ({حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ مَالِي) بالإفراد (إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ) ولأبي ذرٍّ: ”بيرحا“ بالقصرِ (وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ أَرْجُو بِرَّهَا) خيرَها (وَذُخْرَهَا) بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين، أي: أقدمها فأدَّخرها لأجدها(6) (عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : بَخٍ) فيه لغتان: إسكان الخاء، وكسرها منوَّنة، كلمة يقولها المتعجِّب من الشَّيء، وعند المدح والرِّضا بالشَّيء، وقد تكرَّر للمبالغةِ، فيقال: بخٍ بخٍ (ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ) بالموحدة، ذو ربح (_أَوْ) قال: (رَايِحٌ) بالتحتية بدل الموحدة مِنَ الرَّواح، نقيض الغُدُو، أي: قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبهِ (شَكَّ عَبْدُ اللهِ_) بن مسلمةَ (وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ) فإنَّ أفضلَ البرِّ ما أولي إلى الأقرباء (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ) برفع اللَّام ذلك (يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَفِي بَنِي عَمِّهِ) من باب(7) عطف الخاصِّ على العامِّ (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ) بنُ أبي أويس ممَّا وصله في «التَّفسير» [خ¦4554] (وَ(8)يَحْيَى بْنُ يَحْيَى‼) أبو زكريا التَّميميُّ الحنظليُّ ممَّا وصلَه في «الوصايا» [خ¦2769] كلاهما عن مالك: (رَايِحٌ) بالمثنَّاة التَّحتية من الرَّواح.
          ومطابقةُ الحديث للترجمةِ في قولهِ: «ويشربُ مِن ماءٍ فيها طيِّب». وفي حديث عائشة عندَ أبي داود: «كان رسولُ الله صلعم يُستعذبُ له الماءُ من بيوتِ السُّقيا» _بضم السين المهملة وبالقاف والتحتية_ عين بينها وبين المدينة يومان، فاستعذابُ الماءِ لا يُنافي الزُّهد، ولا يدخلُ في التَّرفه المذموم. نعم، كرهَ مالكٌ ☼ تطييب الماء بنحو المسكِ لما فيه من السَّرف.
          وهذا الحديث سبق في «الزَّكاة» [خ¦1461] و«الوصايا» [خ¦2769] و«الوكالة» [خ¦2318] و«التَّفسير» [خ¦4554].


[1] في (د) و(ص) و(م): «و».
[2] في (س): «فيعلاه»، وفي (م): «فعيلا».
[3] في (س): «الطاهرة».
[4] في (د): «لم».
[5] في (د): «فإنه».
[6] في (د): «لأدخرها فأجدها».
[7] «باب»: ليست في (د).
[8] في (ص) زيادة: «قال».