إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق ابن طهمان: رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار

          5610- (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء، الهرويُّ، ممَّا وصلَه أبو عَوَانة والإسماعيليُّ والطَّبرانيُّ في «معجمه الصغير» من طريقهِ (عَنْ شُعْبَةَ) بن / الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة السَّدوسيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : رُفِعْتُ) بسكون العين المهملة وضم الفوقية، وللحَمُّويي والكُشميهنيِّ: ”دفعت“ «بالدال» المهملة بدل: «الراء»، (إِلَى السِّدْرَةِ) جار ومجرور، وقال في «الفتح»: ”رُفِعَتْ“ كذا للأكثر بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين المهملة وسكون المثناة على البناءِ للمجهول، و”إليَّ“ بتشديد التحتية، و”السِّدرةُ“ مرفوعة، وللمُستملي: ”دُفِعْتُ“ بدَالٍ بدل الراء، وسكون العين وضم المثناة بنسبة الفعل إلى المتكلِّم، و«إلى» حرفُ جرٍّ، والمراد: سدرةُ المنتهَى، وسمِّيتْ بذلك لأنَّ علم الملائكة ينتهِي إليها ولم يجاوزْها أحدٌ إلَّا سيدنا محمد رسول(1) الله صلعم وشَرَّفَ وكَرَّمَ، وعن ابنِ مسعود: وسمِّيتْ بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبطُ من فوقها وما يصعدُ‼ من تحتهَا من أمرِ الله تعالى، ومعنى الرَّفع: تقريبُ الشَّيء، وكأنَّه أرادَ أنَّ سدرةَ المنتهى استبينتْ له بنعوتها كلَّ الاستبانة حتَّى اطَّلع عليها كلَّ الاطِّلاع بمثابة الشَّيء المقرب إليه (فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا) النَّهران (الظَّاهِرَانِ) فهما (النِّيلِ) وهو نهرُ مصر (وَالفُرَاتِ) بضم الفاء والمثناة الفوقية المجرورة، وهو نهرُ الكوفةِ، وأصله: من أطرافِ أرمينيةَ (وَأَمَّا) النَّهران (البَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الجَنَّةِ) وهما فيما قاله مقاتل: السَّلسبيل والكوثرُ، والظَّاهر: أنَّ النِّيل والفراتَ يخرجان من أصلهمَا ثمَّ يسيران حيثُ أرادَ الله، ثمَّ يخرجان من الأرضِ ويسيران فيها، وهذا لا يَمنَعُه شرعٌ ولا عقلٌ، وهو ظاهر الحديث فوجبَ المصيرُ إليه (فَأُتِيتُ) بفاء فهمزة مضمومة، ولأبي الوقتِ: ”وأتيت“ «بالواو» بدل: «الفاء»، (بِثَلَاثَةِ أَقْدَاحٍ) ومفهوم العددِ لا اعتبارَ له، فلا منافاةَ بين قولهِ هنا: بثلاثة، وقولهِ في السابق: قَدَحَانِ، وأيضًا فالقدحان قبل رفعه إلى السِّدرة، وهو في بيت المقدس، والثَّلاثة بعده وهو عند السدرة: أحدها: (قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَ)، الثَّاني: (قَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَ)، الثَّالث: (قَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ) أي: علامةَ الإسلام والاستقامةِ (أَنْتَ) تأكيدٌ للضَّمير الَّذي في أصبتَ (وَ) لتصبْ (أُمَّتُكَ) قال ابنُ المنيِّر: ذكر السِّر في عدولهِ عن الخمرِ ولم يذكرْ في عدولهِ عن العسلِ. وظاهرهُ: تفضيلُ اللَّبن على العسلِ لأنَّه الأيسرُ والأنفعُ، وهو بمجردهِ قوت وليس من الطَّيِّبات الَّتي تدخلُ في السَّرف بوجهِ، وهو أقربُ إلى الزُّهد، فكأنَّه ترك العسلَ الَّذي هو حلال لأنَّه من اللَّذائذ الَّتي يخشى على صاحبها أنْ يندرجَ في قولهِ ╡: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}[الأحقاف:20] وأما اللَّبن فلا شبهةَ فيه ولا منافاةَ بينه وبين الورعِ بوجه، وأمَّا ما وردَ من محبَّته صلعم للعسلِ فعلى وجهِ الاقتصادِ في تناولهِ لا أنَّه جعلَه ديدنًا، والنَّبيُّ صلعم مشرِّع يفعل ما يجوزُ للبيان.
          (وَقَالَ هِشَامٌ) الدَّستُـَوائيُّ (وَسَعِيدٌ) هو ابنُ أبي عَرُوبة، فيما وصلَه المؤلِّف عنهما في «باب ذكر الملائكة» من «كتاب بدء الخلقِ» [خ¦3207] (وَهَمَّامٌ) بتشديد الميم الأولى، ابنُ يحيى، كلُّهم (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم فِي الأَنْهَارِ) أي: اتَّفقوا من متن الحديثِ على ذكر الأنهار (نَحْوَهُ) أي: نحو‼ المذكور في الحديثِ السَّابق(2) (وَلَمْ يَذْكُرُوا) هؤلاء(3) في روايتِهِم، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”ولم يذكر“ أي: هشام (ثَلَاثَةَ أَقْدَاحٍ) في روايتهِ(4).


[1] في (د): «إلا سيدي رسول».
[2] في (د): «الحديث المذكور السابق».
[3] في (ص): «ولم يذكر: هو».
[4] «في روايته»: ليست في (س).