إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله

          5483- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، ابن غزوان الضَّبيُّ مولاهم، الحافظ أبو عبد الرحمن (عَنْ بَيَانٍ) بفتح الموحدة والتَّحتية مخففًا، ابن بِشْر _بكسر الموحدة وسكون المعجمة_ الأحمسيِّ؛ بمهملتين بينهما ميم (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بنِ شراحيل (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أنَّه‼ (قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم قُلْتُ): يا رسول الله (إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ) بنون بعدها صاد، وفي «باب ما جاء في التَّصيُّد»(1) بزيادة فوقية بعد النون [خ¦5487] (بِهَذِهِ الكِلَابِ) أفيحلُّ لنا أكل ما نصيد بها؟ (فَقَالَ) ╕ ، ولأبي ذرٍّ: ”قال“: (إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مِمَّا(2) أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ) فيه: إشعارٌ بأنَّها إذا استرسلت بنفسها أو كانت غير معلَّمة لا يحلُّ، ولأَبَوَي الوقتِ وذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”ممَّا أمسكن عليك“ بإسقاط ميم الجمع (إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ) منه (فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ) لأنَّ الله تعالى قال: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:4] / فإنَّما أباحه بشرط أن يعلم أنَّه أمسكه عليه، وإذا أكل منه كان دليلًا على أنَّه أمسكه على نفسه.
          وقيل: يحلُّ وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} والباقي بعد أكله قد أمسكهُ علينا، فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السَّابق ذكره في «باب صيدِ المعراض». قال الشَّافعيُّ في «المبسوط»(3): والقياس يدلُّ عليه لأنَّ الكلبَ إذا عقر الصَّيد وقتلَه فقد حصلت الذَّكاة، فأكله منه بعد حصولِ ذكاته لا يمنعُ من أكله، كما إذا ذكَّى المسلم صيدًا ثمَّ أكلَ منه الكلب، وهذا ما نصَّ عليه في القديمِ، وأومأ إليه في الجديدِ بالقياس.
          وأُجيب عن الآية بأنَّ الحديث دلَّ على أنَّه إذا أكلَ فقد أمسكَ لنفسه، وعن حديث أبي داود المذكور بأنَّه تكلِّم فيه، كما سبق مع غيره في الباب المذكور.
          (وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ) أي: لأنَّه إنَّما سمَّى على كلابه ولم يسمِّ على غيرها، كما صرَّح به فيما سبق.


[1] في (م): «الصيد».
[2] في (ب): «ما».
[3] هو كتاب جمعه الإمام البيهقي من كلام الشافعي وسماه «المبسوط على ترتيب المختصر» وهو غير موجود فيما أعلم. ويقال إنه يطلق هذا الاسم على «الأم» كما فعل ابن النديم في الفهرست.