إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عتبان: أين تحب أن أصلي من بيتك؟

          5401- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) بالموحدة المضمومة مصغَّرًا، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين مصغَّرًا، ابن خالد (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ) بفتح الراء وكسر الموحدة (الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ) بكسر العين (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ(1) صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي) أي: ضعفَ أو عمي (وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي) وللإسماعيليِّ من طريق عبد الرَّحمن بن نمر:”جعلَ بصرِي يكلُّ“.
          ولمسلمٍ من طريق سليمان بن المغيرةَ، عن ثابتٍ: أصابَني في بَصري بعضُ الشَّيء، وكلُّ ذلك ظاهرٌ‼ في أنَّه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن عند / المصنِّف في «الصَّلاة» في «باب الرُّخصة في المطر» [خ¦667] من طريق مالك، عن الزُّهريِّ: «أنَّه كان يؤمُّ قومه وهو أعمى، وأنَّه قال: يا رسولَ الله إنَّها تكون الظُّلمة والسَّيل(2) وأنا ضريرُ البصر». نعم، يحتملُ أن يكون قوله: وأنَا(3) ضريرُ البصر، أي: أصابَني فيه ضرٌّ فهو كقولهِ: أنكرتُ بصري فتتَّفق الرِّوايات، ويكون أطلقَ عليه العَمى لقربهِ منه ومُشاركته له(4) في فواتِ بعضِ ما كان يعهدُه في حالِ(5) الصِّحَّة.
          وقال ابن عبد البرِّ: كان ضريرَ البصر ثمَّ عميَ، ويؤيِّده قولهُ في روايةٍ أخرى: «و(6)في بصري بعضُ الشَّيء»، ويقال للنَّاقص: ضرير البصرِ، فإذا عميَ أطلق عليه: ضريرٌ من غير تقييدٍ بالبصرِ (فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ) الماء في (الوَادِي) فهو من إطلاقِ المحلِّ على الحالِ. وللطَّبرانيِّ: «وأنَّ الأمطارَ حين تكون يمنعني سيلُ الوادي» (الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ فَوَدِدْتُ) بكسر الدال الأولى، أي: تمنَّيت (يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي) بسكون الياء ويجوز النَّصب لوقوع الفاء بعد التَّمنِّي (فِي) مكان من (بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى) موضعًا للصَّلاة برفعِ فأتخذهُ ونصبهِ، كقوله: فتصلِّي (فَقَالَ) رسول الله صلعم : (سَأَفْعَلُ) ذلك (إِنْ شَاءَ اللهُ) تعالى (قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ وسقطَ قوله: «عليَّ» من «اليونينيَّة» (حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ) يوم السَّبت (فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلعم ) في الدُّخول إلى منزلي (فَأَذِنْتُ لَهُ) وفي رواية الأوزاعيِّ: ”فأذنتُ لهما“ وفي رواية أبي(7) أويسٍ: ”ومعه أبو بكرٍ وعمر“ (فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ) أي: فلم يجلسْ في الدَّار ولا في غيرها حتَّى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاءَ بسببه لأنَّه لم يجلسْ إلَّا بعد أن صلَّى (ثُمَّ قَالَ لِي: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟) قال عتبان: (فَأَشَرْتُ) له صلعم (إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلعم فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا) وراءه (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ) بالخاء المعجمة والزاي (صَنَعْنَاهُ) أي: منعناهُ من الرُّجوع ليأكل من الخزير الَّذي صنعناه له (فَثَابَ) بالمثلَّثة، أي: جاء (فِي البَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو(8) عَدَدٍ) بعضهم في إثر بعض لمَّا سمعوا به صلعم (فَاجْتَمَعُوا) الفاء للعطف، ومن ثمَّ لا يحسنُ تفسيرُ ثاب باجتمعوا لأنَّه يلزم منه عطف الشَّيء على مرادفهِ، وهو خلاف الأصل، فالأوجهُ تفسيره بجاء بعضهم إثرَ بعضٍ، كما مرَّ(9) (فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ) لم يسمَّ: (أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟) بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين‼ المعجمتين بعدها نون (فَقَالَ بَعْضُهُمْ) قيل: هو عتبان المذكور (ذَلِكَ) باللَّام، أي: مالك بن الدُّخشن (مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا تَقُلْ) ذلك (أَلَا تَرَاهُ) بفتح التاء (قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قُلْنَا): يا رسول الله (فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ) أي: توجُّهه (وَنَصِيحَتَهُ إِلَى المُنَافِقِينَ) اسْتُشكل من حيث إنَّه يقال: نصحتُ له لا إليه، وأجاب في «الفتح» بأنَّ قوله: إلى المنافقين متعلِّقٌ بقولهِ: وجهه، فهو الَّذي يتعدَّى بإلى، وأمَّا متعلَّقُ نصيحته فمحذوفٌ للعلم به (فَقَالَ) صلعم : (فَإِنَّ اللهَ) تعالى (حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ(10) وَجْهَ اللهِ).
          (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ، بالإسناد السَّابق: (ثُمَّ سَأَلْتُ الحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (الأَنْصَارِيَّ، أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ) بفتح السين والراء المخففة المهملتين، أي: خيارهم (عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ فَصَدَّقَهُ) زاد في رواية: ”بذلك“ أي: بالحديثِ المذكور.
          قال في «الفتح»: يحتملُ أن يكون حمله عن صحابيٍّ آخر وليس للحُصين ولا لعتبان في «الصحيحين» سوى هذا الحديث، وقد أخرجهُ البخاريُّ في أكثرِ من عشرةِ مواضع مطوَّلًا ومختصرًا.


[1] في (م) و(د): «النبي».
[2] في (م) و(د): «الليل».
[3] «وأنا»: ليست في (س).
[4] «له»: ليست في (د).
[5] في (ب): «حالة».
[6] في (م) و(د): «أصابني».
[7] «أبي»: ليست في (د).
[8] في (م) و(ص): «ذو».
[9] في (د): «كما صرح به».
[10] في (م) و(د): «بها».