إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت

          5334- 5335- 5336- 5337- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بفتح العين، والحاء المهملة وسكون الزاي (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ) أبي أفلح الأنصاريِّ (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ) ولأبي ذرٍّ: ”بنت“ (أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الأسدِ، وهي بنتُ أمِّ المؤمنين أمِّ سلمة ربيبته صلعم (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ) فالأوَّل عن أمِّ حَبيبة، والثَّاني عن زينبَ بنت جحشٍ، وسبقا في: «باب إحداد المرأةِ على غيرِ زوجها» مِنْ «كتاب الجنائز» [خ¦1280] (قَالَتْ زَيْنَبُ) بنت أبي سلمة: (دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ) رملةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم حِينَ تُوُفِّي أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ) صخر (بْنُ حَرْبٍ) بالشَّام وجاءها نَعيُهُ (فَدَعَتْ(1) أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ) أي: طلبت طِيبًا(2) (فِيهِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فيها“ (صُفْرَةٌ، خَلُوقٌ) بوزن صبور ضربٌ من الطِّيبِ (أَوْ غَيْرُهُ) ولأبي ذرٍّ: ”صفرةُ خلوقٍ“ بإضافة صفرةٍ لتاليه ”أو غيره“ بالجرِّ عطفًا على المضاف إليه، ولغير أبي ذرٍّ بالرَّفع (فَدَهَنَتْ مِنْهُ) من الخلوق (جَارِيَةً) لم أقفْ على اسمها (ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا) أي: مَسحتْ أمُّ حبيبةَ بجانبي وجه نفسها، وَجَعْلُ العارضين ماسحَين تَجوُّزٌ(3)‼، والظَّاهر: أنَّها جعلت الصُّفرَة في يديها ومسحتْها(4) بعارضَيْها، والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدَّى بنفسه وبالباء، تقول: مسحتُ رأسِي وبرأسِي، وزاد في «الجنائز»: «وذراعَيها» [خ¦1280] (ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ(5): لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) نفيٌ بمعنى النَّهي (أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) المصدر المنسبك من أن تحدَّ فاعلُ يحل، وفوقَ ظرفُ زمان؛ لأنَّه أُضِيف إلى زمانٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) إيجاب للنفِي، والجار والمجرور يتعلَّق بتُحِدَّ فيكون استثناءً مفرغًا (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) من تمام الاستثناء؛ لأنَّ التَّقدير: أن تحدَّ على ميِّت فوق ثلاثٍ فقوله: إلَّا على زوجٍ مستثنى من ميِّت المقدَّر، وقوله: أربعة أشهرٍ، مستثنى من الفوقيَّة لأنَّ المراد بالفوقيَّة: زمنٌ طويلٌ، استثنى منه أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ويحتملُ أن يكون التَّقدير: إلَّا أن تحدَّ على زوجٍ(6) أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، فيكون الاستثناءُ بهذا التَّقديرِ متَّصلًا، ويكون على زوجٍ متعلِّقًا بالمحذوفِ، أو يكون التَّقدير: إلَّا على زوجٍ فإنَّها تحدُّ عليه أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، فيكون أربعة أشهرٍ معمولًا لـ «تُحِدَّ»، وعشرًا معطوفًا(7) عليه.
          (قَالَتْ زَيْنَبُ) بنتُ أبي سلمة: (فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ) ولأبي ذرٍّ: ”بنت جحشٍ“ (حِينَ تُوُفِّي أَخُوهَا) سمِّي في بعض «الموطَّآت»: عبد الله، وكذا هو في «صحيح ابن حبان» من طريق أبي(8) مُصْعب لكن المعروف أنَّ عبد الله بن جحشٍ قُتِل بأُحدٍ شهيدًا، وزينب بنت أبي سلمةَ يومئذٍ طفلةٌ، فيستحيلُ أن تكون دخلتْ على زينب بنتِ جحشٍ في تلك الحالةِ، ويجوزُ أن يكون عُبيد الله المصغَّر؛ فإنَّ دخولَ زينب بنت أبي سلمَة عند بلوغِ الخبرِ بوفاتهِ كان وهي مُميِّزة، قاله في «فتح الباري».
          (فَدَعَتْ / بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا) بالتَّخفيف (وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ) اختُلف في محلِّ يقول على ما مرَّ أول هذا الكتاب، فقيل: مفعولٌ ثانٍ أو حال، وسمعَ من الأفعالِ الصَّوتيَّة إن تعلَّق بالأصواتِ تعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وإن تعلَّق بالذَّوات تعدَّى إلى اثنين الثَّاني جملة مصدَّرةٌ بفعلٍ مضارعٍ من الأفعالِ الصَّوتيَّة، وهذا اختيارُ الفارسيِّ، واختارَ ابنُ مالك ومن تَبِعه أن تكون الجملةُ الفعليَّة‼ في محلِّ حالٍ إن كان المُتقدِّم معرفةً، أو صفةً إن كان المتقدِّم نكرةً.
          (لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) جملةٌ في موضع جرِّ صفة لامرأةٍ، واليوم الآخر عطفٌ على اسم الله (أَنْ تُحِدَّ(9) عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) فإنَّها تحدُّ عليه (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) أي: مع أيَّامِها(10) كما قاله الجمهورُ، فلا تحلُّ حتَّى تدخلَ اللَّيلة الحادية عشرة(11)، وقيل: الحكمةُ في هذا العددِ أنَّ الولد يتكاملُ تَخليقُه ويُنفخَ فيه الرُّوح بعد مضي(12) مئة وعشرين يومًا، وهي زيادةٌ على أربعةِ أشهرٍ بنقصان الأهلَّة، فجبرُ الكسرِ إلى العقدِ على طريقِ الاحتياط، واستُدلَّ بقوله: لا يحلُّ، على تحريمِ الإحداد على غير الزَّوج وهو واضحٌ، وعلى وجوبِ الإحداد المدة المذكورة على الزَّوج، وعُورض بأنَّ الاستثناء وقعَ بعد النَّفي، فيدلُّ(13) على الحلِّ فوق الثَّلاث على الزَّوج لا على الوجوبِ.
          قال الشَّيخ كمال الدِّين: وما قيل من أن نفيَ حلِّ الإحداد نفيُ الإحدادِ فاستثناؤهُ استثناء من نفيهِ(14) وهو إثباتُه، فيصيرُ حاصلُه: لا إحدادَ إلَّا من زوج فإنَّها تحدُّ، وذلك يقتضِي الوجوبَ لأنَّ الإخبارَ يُفيده على ما عُرِف، ومن أنَّ نفيَ حلِّ الإحداد إيجابُ الزِّينة، فاستثناؤه استثناءٌ من الإيجاب فيكون إيجابًا لأنَّ الأصلَ أن يكون المستثنى من جنسِ المستثنى منه غيرُ لازمٍ؛ إذ يمنعُ كون نفي حلِّ الشَّيء الحسِّيِّ نفيًا له عن الوجوبِ(15) لغةً أو شرعًا لتضمُّن الاستثناء الإخبارَ بوجودهِ بل نفيٌ له عن الحلِّ، ولو سَلِمَ فوجودُ الشَّيء(16) أيضًا في الشَّرع لا يستلزمُ الوجوب(17) لتحقُّقه بالإباحَةِ(18) والنَّدب بلا(19) وجوب، وأيضًا استثناءُ الإحدادِ من إيجاب الزِّينة حاصلُه نفي وجوبِ الزِّينة وهو معنى حلِّ الإحدادِ، واتِّحاد الجنس حاصلٌ مع هذا، فإنَّ المستثنى والمستثنى منه الإحداد، ولا يتوقَّف اتِّحادُ الجنسِ على صفةِ الوجوب فيهما فهو كالأوَّل. انتهى.
          وأُجيب بأنَّ في حديثِ الَّتي شكتْ عينها وهو ثالثُ أحاديث هذا الباب دَلالةً على الوجوبِ، وإلَّا لم يمتنع التَّداوي المباح، وبأنَّ السِّياق أيضًا يدلُّ على الوجوبِ، فإنَّ كلَّ مانعٍ(20) منه إذا دلَّ دليلٌ على جوازهِ كان ذلك الدَّليل بعينهِ دالًّا على الوجوبِ، كالختان والزِّيادة على‼ الرُّكوع في الكُسوف ونحو ذلك.
          وفي حديث أمِّ سلمة المرويِّ في «الموطَّأ» وأبي داود والنَّسائيِّ قالت: قال رسولُ الله صلعم : «لا تلبسُ المتوفَّى عنهَا زوجهَا المعصفرَ من الثِّيابِ، ولا الممشَّقةَ، ولا الحليَّ، ولا تختضِبُ، ولا تكتحِلُ».
          والظَّاهر: أنَّ الفعلَ مجزومٌ على النَّهي، وحديثُ أبي داود: «لا تحدُّ المرأةُ فوقَ ثلاثٍ إلَّا على زوجٍ فإنَّها تحدُّ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا» وهو أمرٌ بلفظ الخبر؛ إذ ليس المرادُ معنى الخبر فإنَّ المرأةَ قد لا تحدُّ، فهو على حدِّ قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ}[البقرة:228] والمراد به الأمرُ اتِّفاقًا، والتَّقييد بالمرأةِ خرج مَخرج الغالب، فيجبُ الإحدادُ على الصَّغيرة كالعدَّةِ، والمخاطَب الوليُّ، فيمنعُها ممَّا تُمنع منه المعتدَّة، وهذا مذهبُ الجمهور خلافًا للحنفيَّة، وشَمِل قوله: المرأة، المدخول بها وغيرها والحرَّة والأمَة، والتَّقييد بالإيمانِ بالله ورسولهِ لا مفهومَ له، كما يُقال: هذا طريقُ المسلمين، وقد يسلكه غيرهم.
          (قَالَتْ زَيْنَبُ) بنتُ أبي سلمَة بالسَّند السَّابق، وهذا هو الحديثُ الثَّالث: (وَسَمِعْتُ) أمِّي (أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ) اسمها: عاتكةُ بنت نُعيم بن عبد الله بنِ النَّحَّام، كما في «معرفة الصحابة» لأبي نُعَيم (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّي عَنْهَا زَوْجُهَا) المُغيرة المخزوميُّ، وروى الإسماعيليُّ في مسند يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ تأليفه(21) من طريق يحيى المذكور عن حميد بنِ نافع، عن زينبَ بنت أمِّ سلمة، عن أمِّ سلمة قالت: جاءتْ امرأةٌ من قريشٍ. قال / يحيى: لا أدري أَبنت النَّحَّام أم أمُّها بنت سعد، ورواه الإسماعيليُّ من طرقٍ كثيرةٍ فيها التَّصريح بأنَّ البنتَ هي عاتكةُ، فعلى هذا فأمُّها لم تسمَّ، قاله الحافظ ابن حجرٍ.
          (وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا) بالرفع على الفاعليَّة، وعليه اقتصرَ النَّوويُّ في «شرح مسلم»، ونُسبت الشِّكايةُ إلى نفس العين مجازًا، ويؤيِّده رواية مسلم: «اشتكتْ عيناها» بلفظ التَّثنية، ويجوز النَّصب وهو الَّذي في «اليونينيَّة» على أنَّ الفاعل ضميرٌ مستترٌ في: اشتكتْ، وهي المرأة، ورجَّحه المنذريُّ. وقال الحريريُّ: إنَّه الصَّواب وأنَّ الرَّفع لحنٌ.
          قال في «درة الغوَّاص»: لا يقال: اشتكتْ عينُ فلانٍ، والصَّواب: أنْ(22) يقال: اشتكَى فلانٌ عينَهُ لأنَّه هو المشتكِي لا هِي. انتهى.
          وَرُدَّ عليه برواية التَّثنيةِ المذكورة إلَّا أن يُجيب بأنَّه على لُغة من يُعرب المثنَّى في الأحوالِ الثَّلاث بحركاتٍ مُقدَّرةٍ.
          (أَفَتَكْحُلُهَا؟)‼ بضم الحاء، وهو ممَّا جاء مضمومًا، وإن كانت عينه حرف حلقٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا) تُكحِلها. قال ذلك: (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا) تأكيدًا للمنع لكن(23) قال(24) في «الموطأ» وغيره: «اجعليهِ بالَّليلِ وامسحيهِ بالنَّهارِ» والمُراد: إنَّها إذا لم تَحْتج إِليه لا يَحلُّ، وإذا احتاجت لم يَجُز بالنَّهار ويجوز بالَّليل، والأَوْلَى تركُه، فإن فعلت مسحته بالنَّهار. (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِنَّمَا هِيَ) أي: العِدَّة الشَّرعيَّة (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) بالنَّصب على حكاية لفظِ القرآنِ العظيم(25)، ولبعضهم وهو الَّذي في «اليونينيَّة» الرَّفع(26) على الأصل، والمُراد: تقليل المدَّة وتهوين الصَّبر عمَّا مُنِعتْ منه وهو الاكتحال في العِدَّة، ولذا قال: (وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ) والبَعَرَةُ بفتح الموحدة والعين وتسكن، قال في «القاموس»: رجيع ذي الخف والظِّلف، واحِدَتُه بهاء، الجمع أَبْعار، وفي ذِكر الجاهليَّة إشارةٌ إلى أنَّ الحكم في الإسلام صار بخلافه، وهو كذلك بالنِّسبةِ لما وصف من الصَّنيع، لكنَّ التَّقدير بِالحول استمرَّ في الإسلام بنصِّ قوله تعالى: {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}[البقرة:240] ثم نُسخت بالآية الَّتي قَبل وهي: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234] والنَّاسخ مُقدَّمٌ عليه تلاوةً ومتأخِّرٌ نُزولًا، كقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ}[البقرة:142] مع قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء}[البقرة:144].
          (قَالَ حُمَيْدٌ) هو: ابنُ نافعٍ بالإسنادِ السَّابق: (فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ) بنت أبي سلمة: (وَمَا) المُراد بقوله ╕ : (تَرْمِي بِالبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ) بنت أبي سلمة: (كَانَتِ المَرْأَةُ) في الجاهليَّة (إِذَا تُوُفِي عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا) بكسر الحاء المهملة وتسكين الفاء بعدها شين معجمة: بيتًا صغيرًا جدًّا أو من شعرٍ، وبالأوَّل فسَّره أبو داودَ في «روايته» من طريق مالكٍ، وعند النَّسائيِّ من طريق ابن القاسم، عن مالكَ أنَّه الخُص _بخاء معجمة مضمومة بعدها مهملة_، وقال الشَّافعيُّ: الذَّليل الشَّعث البناء، وعند النَّسائيِّ: «عمدَت إلى شرِّ بيتٍ لها فجلسَت فيهِ» (وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا) بفتح التاء الفوقية والميم (حَتَّى تَمُرَّ بِهَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”لها“ باللام بدل الموحدة (سَنَةٌ) من وفاة زوجها (ثُمَّ تُؤْتَى) بضم أوله وفتح ثالثه (بِدَابَّةٍ) بالتَّنوين. قال في «القاموس»: ما دبَّ من الحيوان، وغلَبَ على ما يُركب، ويقعُ على المذكَّر(27) (حِمَارٍ) بالتَّنوين والجرِّ بدلًا من سابقه (أَوْ شَاةٍ، أَوْ طَائِرٍ) أو للتَّنويع، وإطلاق الدَّابَّة عليهما بطريقِ الحقيقة اللُّغوية كما مرَّ (فَتَفْتَضُّ بِهِ) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة. قال ابنُ قتيبة: سألتُ الحجازيِّين عن الافتضاضِ فذكروا: أنَّ المعتدَّة كانت لا تمسُّ‼ ماءً، ولا تقلِّم ظفرًا، ولا تزيلُ شعرًا، ثمَّ تخرجُ بعد الحولِ بأقبح منظرٍ(28) ثمَّ تفتضُّ، أي: تكسرُ ما هي فيه من العدَّة بطائرٍ تمسح به قُبُلها وتنبذُه، فلا يكاد يعيشُ بعدما تفتَضُّ به. وقال الخطابيُّ: هو من فضَضْتُ الشَّيء إذا كسرتَهُ وفرَّقته، أي: إنَّها كانت(29) تكسرُ ما كانت فيه من الحدادِ بتلك الدَّابَّةِ. وقال الأخفشُ: معناه: تتنظَّف به، وهو مأخوذٌ من الفضَّة تشبيهًا له بنقائِها وبياضِها، وقيل: تمسحُ به ثمَّ تفتَضُّ؛ أي / : تغتسلُ بالماء العذبِ حتَّى تصير بيضاء نقيَّةً كالفضَّة. وقال الخليلُ: الفضْفَض: الماء العذبُ. يقال: افْتَضضت به، أي: اغتسلَت به (فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ) ممَّا ذُكِر (إِلَّا مَاتَ) ما مصدريَّة، أي: فقلَّ افتضاضُها بشيءٍ، وقيل: تكون ما في ثلاثةِ أفعال زائدةً كافةً لها عن(30) العملِ وهي قلَّ وكَثُر وطال، وعلَّة ذلك شَبَهُ هذه الأفعال برُبَّ، ولا تدخلُ هذه الأفعالُ إلَّا على جملةٍ فعليَّةٍ صُرِّح بفعليتِهَا كقوله:
قَلَّمَا يَبْرحُ اللَّبِيْبُ إِلَى مَا                     يُوْرِثُ المجْدَ دَاعِيًا أَوْ مُجِيبًا
وعلى هذا تكتب «قلَّمَا» مُتَّصلة، وعلى الأوَّل تكتب(31) منفصلة، وقوله: «بشيءٍ» يتعلَّق بتفتَضُّ، وإلَّا إيجابٌ لهما(32) في الجملةِ من مَعنى النَّفي لأنَّ قولك: قلَّ يقتضِي نفي الكَثيرِ(33) بالإيجابِ لنفيهِ، والمعنى: قلَّما تفتضُّ بشيءٍ فيعيش.
          (ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى) بضم الفوقية وفتح الطاء (بَعَرَةً) من بعر الإبل أو الغنم، وباب أعطى يتعدَّى إلى مفعولين الأوَّل هنا الضَّمير المستتر العائد عليها، والثَّاني بَعَرَة (فَتَرْمِي) بها أمامها، فيكون ذلك إحلالًا لها، كذا في رواية ابن الماجِشُون عن مالك، وفي روايةِ ابن وهبٍ: «من وراء ظهرها». واختُلِف في المراد بذلك فقيل: الإشارة إلى أنَّها رمت العدَّة رمي البعرَةِ، وقيل: إشارة إلى أنَّ الفعل الَّذي فعلتْه من التربُّص والصَّبر على البلاء الَّذي كانت فيه لمَّا انقضَى كان عندها بمنزلةِ البعرَةِ الَّتي رمتها استحقارًا له، وتعظيمًا في حقِّ الزَّوج (ثُمَّ تُرَاجِعُ) بضم الفوقية، بعد الراء ألف فجيم مكسورة (بَعْدُ) أي: بعد ما ذُكر من الافتضاض والرَّمي (مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ) ممَّا كانت ممنوعة منه في العدَّة. (سُئِلَ مَالِكٌ) الإمام (مَا) معنى قوله: (تَفْتَضُّ بِهِ(34)؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا) ليس في(35) هذا مخالفة لما نقلهُ ابنُ قتيبة عن الحجازيِّين من أنَّها تمسحُ قُبُلها، لكنَّه أخصُّ منه لأنَّ مالكًا ⌂ أطلقَ الجلدَ، والَّذي نقلَه ابنُ قتيبة مبينٌ أنَّ المراد جلد القُبُل. وفي رواية النَّسائيِّ: «تَقبِص» _بقاف ثمَّ موحدة ثمَّ مهملة مخففة_ وهي رواية‼ الشَّافعيِّ، والقَبْص(36): الأخذُ بأطرافِ الأناملِ. قال ابنُ الأثير: هو كنايةٌ عن الإسراعِ، أي: تذهبُ بعدوٍ وسرعةٍ إلى منزلِ أبويها لكثرةِ حيائها لقُبح منظرها، أو لشدَّة شوقهَا إلى التَّزويج لبعدِ عهدها به.


[1] في (د) زيادة: «فطلبت».
[2] «أي طلبت طيبًا»: ليست في (د).
[3] قوله: «تَجوُّزٌ» زيادة لا بدَّ منها لبيان المعنى، وانظر شرح الزرقاني على الموطأ (3/273).
[4] في (ص): «مسحتهما».
[5] في (م) و(د) زيادة: «على المنبر».
[6] في (د): «زوجها».
[7] في (د): «معطوف».
[8] في (د): «ابن».
[9] في (ص) و(م) و(د) زيادة: «أربعة أشهر وعشرًا».
[10] في (د): «ليالها».
[11] في (د): «عشر».
[12] في غير (د): «يمضي».
[13] في (د): «فدل».
[14] في (م) و(د): «منه».
[15] في النسخ الخطية: «الوجود»، والتصحيح من «فتح القدير» و«فتح الباري».
[16] «فوجود الشيء»: ليست في (ص).
[17] في (د): «الوجود».
[18] في (م): «بالعلة»، وفي (د): «بالأول بالعلة».
[19] في (ص) و(م) و(د): «ولا».
[20] في (ب) و(س): «ممنوع».
[21] في (م) و(د): «بالسند».
[22] في (د): «فلان وإنما».
[23] «لكن»: ليست في (د).
[24] «قال»: زيادة من (م) و(د).
[25] «العظيم»: ليست في (ص) و(م) و(د).
[26] في (د): «بالرفع».
[27] في (م): «الذكر».
[28] في (م) زيادة: «منكر».
[29] «كانت»: ليست في (د).
[30] في (م): «من».
[31] «تكتب»: ليست في (د).
[32] في (د): «لها».
[33] في (د) و(م): «الكثرة».
[34] في (د): «ما معنى قوله: ما تفتض».
[35] في (د): «بين».
[36] في (د): «والقبض».