إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه أو كهاتين

          5301- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (قَالَ أَبُو حَازِمٍ) سلمة بن دينار الأعرج، وعند الإسماعيليِّ: ”عن أبي حازمٍ“ وصرَّح الحميديُّ فيما أخرجَه أبو نُعيم بالتَّحديث عن سفيان، فقال: حدَّثنا أبو حازم قال: (سَمِعْتُه(1) مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) فيه تنبيهٌ على تعظيمهِ بالصُّحبة (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : بُعِثْتُ) بضم الموحدة وكسر العين (أَنَا وَالسَّاعَةَُ) بالرَّفع في الفرع، وبه وبالنَّصب معًا في «اليونينية»، لكن قال أبو البقاء العكبريُّ في «إعراب المسند»: لا يجوز إلَّا بالنَّصب على أنَّه مفعول معه. قال: ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى إذ لا يقال: بعثتُ والسَّاعة، ولا هو في موضع المرفوع‼ لأنَّها لم توجد بعد، وأجازَ غيره الوجهين. بل جزمَ القاضي عياض بأنَّ الرَّفع أحسن وهو عطفٌ على ضميرِ المجهول في «بُعثت». قال: ويجوزُ النَّصب، وذكر توجيه أبي البقاء وزاد: أو على إضمار فعلٍ يدلُّ عليه الحال، نحو: فانتظروا كما قدِّر في نحو: جاء البردُ والطَّيالسة فاستعدُّوا(2)، وأُجيب عن الَّذي اعتلَّ به أبو البقاء، أوَّلًا: أن يُضمَّن بعثت معنى يجمع إرسال الرَّسول، ومجيءُ السَّاعة نحو جئت، وعن الثَّاني بأنَّها نُزِّلتْ منزلة الموجود مبالغةً في تحقُّق مجيئها، ويرجِّح النَّصب ما سبقَ في «تفسيرِ والنَّازعات» بلفظ: «بُعثت والسَّاعة» [خ¦4936] فإنَّه ظاهرٌ في المعيَّة، والمراد: بُعثت أنا والقيامة (كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ) أي: كقرب السَّبابة من الوسطى (أَوْ) قال: (كَهَاتَيْنِ) بالشَّكِّ من الرَّاوي (وَقَرَنَ بَيْنَ) أصبعه (السَّبَّابَةِ وَ) أصبعه (الوُسْطى) وزاد في روايةِ أبي ضمرةَ عند ابن جرير، وقال: «مَا مَثَلي ومَثَلُ السَّاعةِ إلَّا كفرَسَيْ رهَانٍ» وعند أحمد والطَّبرانيِّ وسنده جيِّدٌ في حديث بُريدة: «بعثتُ أَنا والسَّاعةُ إِنْ كادَتْ لتسْبِقنِي» وفي حديث المستورِد بن شدَّاد عند التِّرمذيِّ: «بعثتُ فِي نَفَسِ السَّاعةِ سبقتُهُا كمَا سبقَتْ هذِهِ لهذِهِ» لأصبعه السَّبَّابة والوُسطى، وقوله: نفَس _بفتح الفاء_ وهو كنايةٌ عن القُرب، أي: بُعثت عند تنفُّسها. وعند الطَّبرانيِّ(3) من حديث جابر بنِ سَمُرة، أشار بالمسبحة والَّتي تليها وهو يقول: «بعثتُ أَنا والسَّاعةُ كهذِهِ مِن هذِهِ» قال القرطبيُّ في «المفهم»: ومعنى الحديث: تقريب أمر السَّاعة وسرعة مجيئها، فعلى النَّصب يكون وجه التَّشبيه انضمام السَّبَّابة والوسطى، وعلى الرَّفع يحتملُ هذا، ويحتملُ أن يكون وجه التَّشبيه هو التَّفاوت الَّذي بين الأصبعين المذكورتين في الطُّول، ولبعض السَّلف في تعيينِ ذلك كلام افتضح فيه بمرورِ زمانٍ طويلٍ بعده ولم يقعْ ما قاله، فالصَّواب الإعراضُ عن ذلك.
          وستكون لنا بقوَّة الله تعالى وفضله عودةٌ إلى البحثِ في ذلك في «كتاب الرِّقاق» مع فرائد الفوائد إن شاء الله تعالى. /
          وقد مرَّ هذا الحديث في تفسير «سورة النازعات» [خ¦4936].


[1] في (س): «سمعت».
[2] في (م) و(د) زيادة: «الطيالسة».
[3] في غير (م) و(د): «الطبري».