إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم

          5231- وبه قال‼: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الحَوْضِيُّ) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة مكسورة، قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستوائيُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامةَ (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ): والله (لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا) ولأبي ذرٍّ: ”بحديثٍ“ (سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ، لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي) لأنَّه آخرُ من مات بالبصرةِ من الصَّحابة، أو كان إذ ذاك في آخرِ عمره حيث لم يبق بعدَه من الصَّحابة من ثبت سماعُه من النَّبيِّ صلعم إلَّا النَّادر، ممَّن لم يكن هذا الحديث في(1) مرويِّه، وعند ابنِ ماجه: «لا يحدِّثكم به أحدٌ بعدي» (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) أي: علاماتها (أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ) لكثرة قتل العلماء بسبب الفتنِ، وفي «كتاب العلم» [خ¦81]: «أن يقلَّ العلم» فيحتملُ أن يكون المراد بالقلَّة أولًا وبالرَّفع آخرًا، أو أطلقت القلَّة وأريدَ بها العدم كعكسه (وَيَكْثُرَ الجَهْلُ) بسبب رفعِ العلم (وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ) بسبب القتل في الرَّجلِ من كثرة الفتن دون النِّساء لأنهنَّ لسنَ من ذوات الحربِ، وقيل: بل هي علامة محضةٌ(2) لا بسبب آخر، بل يقدِّر الله في آخرِ الزَّمان أن يقلَّ من يولد من الذُّكور، ويكثر من يولدُ من الإناث (حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ) أي: من يقومُ بأمرهنَّ، واللام للعهد إشارةً إلى المعهود من كون الرِّجال قوَّامين(3) على النِّساء، ويحتملُ أن يُكَنَّى بذلك عن اتِّباعهنَّ لطلب النِّكاح حلالًا أو حرامًا. وقوله: «لخمسينَ» لا يُنافي قوله في المعلَّق السَّابق [خ¦67/110-7772]: «أربعون» لأنَّ الأربعينَ داخلة في الخمسين، أو المراد المبالغةُ في كثرةِ النِّساء بالنِّسبة إلى الرِّجال، أو الأربعين عدد من يلذنَ به، والخمسين عدد من يتَّبعه، وهو أعمُّ من أن يلذنَ به، فلا منافاةَ. وقد روى عليُّ بن معبد(4) في «كتاب الطَّاعة والمعصية» عن حذيفة قال: «إذا عمَّت الفتنةُ ميَّز الله أولياءهُ حتَّى يَتْبَع الرَّجل خمسونَ امرأة، تقول: يا عبدَ الله استُرني، يا عبد الله آوني». قال في «الفتح»(5): وكأن هذه الأمور الخمسة خصَّت بالذِّكر لإشعارها باختلافِ الأحوال الَّتي يحصل بحفظها صلاحُ(6) المعاشِ والمعاد، وهي: الدِّين لأنَّ رفع العلمِ يخلُّ به، والعقلُ لأنَّ شربَ الخمر يخلُّ به، والنَّسب لأنَّ الزِّنا يخلُّ به، والنَّفس والمال لأنَّ كثرة الفتن تخلُّ بهما(7).
          وفي الحديث الإخبار بما سيقعُ. وهذا الحديث قد سبق في «كتابة العلم» [خ¦80].


[1] في (ب) و(س): «من».
[2] في (ص): «مختصة».
[3] في (م) و(ص) و(د): «قوامون».
[4] في كل الأصول: «بن سعيد» وهو تحريف، والتصويب من «المعجم المفهرس» و«الفتح».
[5] «قال في الفتح»: ليست في (د).
[6] في (م): «إصلاح».
[7] في (م): «بها».