إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أتي النبي بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد

          421- (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) يعني: (ابن طَهْمَان) بفتح الطَّاء المُهمَلة وسكون الهاء، ابن شعبة الخراسانيُّ، وسقط اسم أبيه في رواية الأربعة، وإثباته هو الصَّواب _كما قاله ابن حجرٍ_ ليزول(1) الاشتباه، وقد وصله أبو نُعيمٍ في «المستخرج»، والحاكم في «المستدرك» من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النَّيسابوريِّ عن إبراهيم بن طَهْمان (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) بضمِّ الصَّاد وفتح الهاء (عَنْ أَنَسٍ ☺ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) بضمِّ همزة(2) «أُتِي» مبنيًّا للمفعول (بِمَالٍ) وكان مئة ألفٍ كما عند ابن أبي شيبة من طريق حُمَيْدٍ مُرسَلًا، وكان خراجًا(3) (مِنَ البَحْرَيْنِ) بلدةٌ بين البصرة وعُمَان (فَقَالَ) ╕ : (انْثُرُوهُ) بالمُثلَّثة، أي: صبُّوه (فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ) أي: إلى المال (فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ) منه (إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ) عمُّه ☺ ، قال في «المصابيح»: المعنى _والله أعلم_: فبينما هو على ذلك إذ جاءه العبَّاس (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي) مِنْهُ (فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي) يوم بدرٍ (وَفَادَيْتُ عَقِيلًا) بفتح العين المُهمَلة(4) وكسر القاف، ابن أخي، أي: حين أسرنا يوم بدرٍ (فَقَالَ لَهُ) أي: للعبَّاس (رَسُولُ اللهِ صلعم : خُذْ، فَحَثَا) بالمهملة والمُثلَّثة، من الحثية، وهي ملء اليد (فِي ثَوْبِهِ) أي: حثى العبَّاس في ثوب نفسه (ثُمَّ ذَهَبَ) ☺ (يُقِلُّهُ) بضمِّ الياء، أي: يرفعه (فَلَمْ يَسْتَطِعْ) حمله / (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ) بياء المضارعة والجزم، جوابًا للأمر، أي: فإن تأمره يرفعه، أو بالرَّفع استئنافًا، أي: هو يرفعه، والضَّمير المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الَّذي حثاه في ثوبه، واُؤْمر: بهمزةٍ مضمومة فأخرى ساكنةٍ، وتُحذَف الأولى عند الوصل، وتصير الثَّانية ساكنةً، وهذا جارٍ على الأصل، وللأَصيليِّ: ”مُرْ“ على وزن(5) «عُلْ» فحُذِف منه فاء الفعل لاجتماع المثلين في أوَّل كلمةٍ، وهو مؤدٍّ إلى الاستثقال، فصار: اُمُرْ، فاستُغنِي عن همزة الوصل لتحرُّك ما بعدها فحُذِفت، ولأبي ذَرٍّ في نسخةٍ: ”برفعه“ بالمُوحَّدة المكسورة وسكون الفاء (قَالَ) ╕ : (لَا) آمر أحدًا يرفعه (قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: لَا)‼ أرفعه، وإنَّما فعل ◙ ذلك معه؛ تنبيهًا له على الاقتصاد، وترك الاستكثار من المال (فَنَثَرَ) العبَّاس (مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ) فلم يقدر أن(6) (يُقِلّهُ) أي(7): فلم يستطع حمله (فَقَالَ) العبَّاس: (يَا رَسُولَ اللهِ، اُؤْمُرْ) وللأَصيليِّ: ”مُرْ“ (بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عليَّ) بالجزم أو الرَّفع (قَالَ: لَا) آمر (قَالَ) سقط لفظ «قال» لغير الأربعة(8): (فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ) ╕ : (لَا) أرفعه (فَنَثَرَ مِنْهُ) العبَّاس (ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ) ما بين كتفيه (ثُمَّ انْطَلَقَ) ☺ (فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُتْبِعُهُ) بضمِّ أوَّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه من الإتباع، أي: مازال النَّبيُّ صلعم يتبع العبَّاس (بَصَرَهُ حَتَّى خَفِي عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ) بفتح العين والنَّصب مفعولًا مطلقًا (فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) من ذلك المجلس (وَثَمَّ) بفتح المُثلَّثة، أي: وهناك (مِنْهَا) أي: من الدَّراهم (دِرْهَمٌ) جملةٌ حاليَّةٌ من مبتدأٍ مُؤخَّرٍ، وهو «درهمٌ» وخبره: «منها» ومرادُه: نفيُ أن يكون هناك درهمٌ، فالحالُ قيدٌ للمنفيِّ لا للنَّفي، فالمجموع منتفٍ بانتفاء القيد لانتفاء المُقيَّد، وإن كان ظاهره نفي القيام حالة ثبوت الدَّراهم(9)، قاله البرماويُّ، والعينيُّ نحوه، ولم يذكر المؤلِّف حديثًا في تعليق القِنْو، لكن قال ابن المُلقِّن: أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أنَّ كلًّا منهما وُضِع لأخذ المحتاجين منه(10)، وأشار بذلك إلى حديث عوف بن مالكٍ الأشجعيِّ عند النَّسائيِّ بإسنادٍ(11) قويٍّ: «أنَّه صلعم خرج وبيده عصًا، وقد علَّق رجلٌ قِنْو حَشَفٍ، فجعل يطعن في ذلك القِنْوِ ويقول: لو شاء ربُّ هذه الصَّدقة لتصدَّق بأطيبَ من هذا» وليس على شرطه.


[1] في (د): «فيزول».
[2] «همزة»: مثبتٌ من (م).
[3] في (م): «خارجًا».
[4] «المهملة»: ليس في (د).
[5] في (م): «بوزن».
[6] «فلم يقدر أن»: مثبتٌ من (م).
[7] «أي»: مثبتٌ من (م).
[8] «سقط لفظ «قال» لغير الأربعة»: مثبتٌ من (م).
[9] في (د): «الدِّرهم».
[10] في (د): «فيه»، وهو تحريفٌ.
[11] في (م): «بسندٍ».