إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني أشتهي أن أسمعه من غيري

          5055- وبه قال: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) بنُ الفضلِ قال: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى) بنُ سعيدٍ القطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ) الأعمشِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ عَبِيدَةَ) السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بنِ مسعودٍ ☺ (قَالَ يَحْيَى) القطَّان: (بَعْضُ الحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) قالَ ابنُ مسعودٍ: (قَالَ لِي النَّبِيُّ صلعم ).
          وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مسرهدٍ، واللَّفظ له (عَنْ يَحْيَى) بنِ سعيدٍ القطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ عَبِيدَةَ) السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بنِ مسعودٍ (قَالَ الأَعْمَشُ) أيضًا: (وَبَعْضُ الحَدِيثِ) بالواو (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ، فيكون الأعمش سمع الحديثَ المذكور من إبراهيمَ النَّخعيِّ، وبعضَهُ من عمرو بن مرَّة، عن إبراهيم (عَنْ) ولأبي ذرٍّ: ”وعن“ (أَبِيهِ) بواو العطف عن الأعمشِ، والضَّمير لأبي سفيانَ، واسمُ أبيهِ: سعيدُ بن مسروقٍ الثَّوري، فيكون سفيان روى(1) الحديث عن الأعمش، وعن أبيهِ سعيد (عَنْ أَبِي الضُّحَى) مسلمِ بنِ صبيحٍ الكوفيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بنِ مسعودٍ، لكن رواية أبي الضُّحى عن ابنِ مسعودٍ منقطعةٌ؛ لأنَّه لم يدركه (قَالَ: قَالَ)‼ لي (رَسُولُ اللهِ صلعم : اقْرَأْ عَلَيَّ. قَالَ) ابنُ مسعودٍ: (قُلْتُ): يا رسول الله (آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟) بضم الهمزة (قَالَ) ╕ : (إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ}) يشهد عليكم ({وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء}) أي: أمَّتك ({شَهِيدًا}[النساء:41] قَالَ لِي: كُفَّ) أي: عن القراءة (أَوْ أَمْسِكْ) بالشَّكِّ من الرَّاوي (فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ) بالذال المعجمة والفاء، يقال: ذرفت العين تذرف إذا جرى دمعها.
          وأخرجَ ابنُ المبارك في «الزُّهد» من مرسلِ سعيدِ بنِ المسيَّب قال: ليسَ من يومٍ إلَّا تعرضُ على النَّبيِّ صلعم أمَّته غدوة وعشيَّة، فيعرفهُم بسيماهم وأعمالهم؛ فلذلك يشهد عليهم. وبكاؤه ╕ رحمةً لأمَّته؛ لأنَّه علم أنَّه لا بدَّ أن يشهدَ عليهم بعملهم، وعملُهم قد لا يكون مستقيمًا فقد يفضِي إلى تعذيبهِم.
          وقال في «فتوحُ الغيبِ» عن الزَّمخشريِّ: إنَّ هذا كان بكاءَ فرحٍ لا بكاءَ جزعٍ؛ لأنَّه تعالى جعل أمَّته شهداءَ على سائرِ الأمم، وقال الشَّاعر:
طَفَحَ السُّـرورُ عليَّ حتَّى إنَّه                     مِن فَرْطِ مَا قدْ سَرَّني أَبْكَاني


[1] في (د): «راوي».