إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين

          4976- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البغلانيُّ الثَّقفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بنُ عُيينة (عَنْ عَاصِمٍ) هو ابنُ أبي النَّجُود _بفتح النون وبالجيم المضمومة آخره دال مهملة_ أحدُ القرَّاء السَّبعة (وَعَبْدَةَ) بفتح العين وسكون الموحدة، ابنُ أبي لُبابة _بضم اللام وتخفيف الموحدة_ الأسديَّ؛ كلاهما (عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ) بكسر الزاي وتشديد الراء، و«حُبَيش»: بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة، مصغَّرًا، وسقط «ابن حبيشٍ» لأبي ذرٍّ أنَّه (قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ) بكسر الواو المشددة، وعند ابنِ حبَّان وأحمد من طريق حمَّادِ بن سلمةَ عن عاصمٍ: قلت لأبيِّ بن كعبٍ: إنَّ ابن مسعودٍ لا يكتبُ المعوِّذتين في مصحفه (فَقَالَ) أُبيٌّ(1): (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ) عنهما (فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“: (قِيلَ لِي) بلسانِ جبريلَ (فَقُلْتُ) قال أُبيٌّ: (فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ).
          وعند الحافظِ أبي يعلى عن علقمةَ قال: كان عبدُ اللهِ يحك المعوِّذتين من المصحف، ويقولُ: إنَّما أمر رسولُ الله صلعم أن يتعوَّذ بهما، ولم يكنْ عبدُ الله يقرأُ بهما. ورواهُ عبدُ الله ابن الإمامِ أحمد عن عبدِ الرَّحمن بنِ يزيد، وزاد: ويقولُ: إنَّهما ليستَا من كتابِ /  الله. وهذا مشهورٌ عند كثيرٍ من القرَّاء والفقهاءِ؛ أنَّ ابنَ مسعودٍ كان لا يكتبهما في مصحفهِ، وحينئذٍ فقولُ النَّوويِّ في «شرح المهذب»: أجمعَ المسلمون على أنَّ المعوِّذتين والفاتحة من القرآنِ، وأنَّ من جحدَ شيئًا منها(2) كفرَ، وما نقل عن ابنِ مسعودٍ باطل ليس بصحيحٍ؛ فيه نظرٌ، كما نبَّه عليه في «الفتح» إذ فيهِ طعنٌ في الرِّوايات الصَّحيحة بغير مستندٍ، وهو غيرُ مقبولٍ، وحينئذٍ فالمصيرُ إلى التَّأويل أولى، وقد تأوَّل القاضِي أبو بكرٍ الباقلَّاني ذلك بأنَّ ابن مسعودٍ لم ينكر قرآنيتهما، وإنَّما أنكر إثباتهما في المصحفِ، فإنَّه كان يرى أن لا يكتب في المصحفِ شيءٌ إلَّا إن(3) كان النَّبيُّ صلعم أذنَ في كتابته فيه، وكأنَّه لم يبلغه الإذن في ذلك، فليس فيهِ جحدٌ لقرآنيتهما، وتُعُقِّب بالرِّواية السَّابقة الصَّريحة الَّتي فيها: ويقول: إنَّهما ليستا من كتاب الله، وأُجيب بإمكانِ حمل لفظ «كتاب الله» على المصحف، فيتمشَّى(4) التَّأويل المذكُور. قالهُ في «فتح الباري»، ويحتملُ أيضًا أنَّه لم يسمعْهما من النَّبيِّ صلعم ولم يتواتَرا عندهُ، ثمَّ لعلَّه قد(5) رجعَ عن قوله ذلك إلى قولِ الجماعة، فقد أجمع الصَّحابة عليهما وأثبتوهُما في المصاحف الَّتي بعثوها إلى سائر الآفاقِ.


[1] في (م): «إني».
[2] في (م): «منهما».
[3] «إن»: ليست في (د).
[4] في (م): «يتمشى».
[5] قوله: «قد»: ليست في (د).