إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها

          4890- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) عبدُ الله بن الزُّبير قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بنُ عُيينة قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) بفتح العين (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) بنِ أبي طالبٍ (أنَّه سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ) بضم العين وفتح الموحدة مصغَّرًا، واسم أبي رافع: أسلَم مولى رسولِ الله صلعم (كَاتِبَ عَلِيٍّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا ☺ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم أَنَا وَالزُّبَيْرَ) بنَ العوَّام (وَالمِقْدَادَ) بنَ الأسودِ (فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ) بخاءين معجمتين بينهما ألف، موضعٌ بين مكَّة والمدينة (فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً) بفتح المعجمة وكسر المهملة، امرأةً في هودجٍ / ، اسمها: سارة، بالمهملة والراء (مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا) قال عليٌّ: (فَذَهَبْنَا تَعَادَى) بفتح التاء والعين والدال المهملتين بينهما ألف، أي: تتباعدُ وتتجَارى (بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ) المذكُورة (فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا) لها: (أَخْرِجِي الكِتَابَ) الَّذي معك؛ بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء (فَقَالَتْ) ولأبي ذرٍّ: ”قالتْ“: (مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ) بضم التاء وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم (أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ) بنون التَّوكيد الشَّديدة وإثبات التحتية مكسورة بعد القاف، والأصل حذفها؛ لأنَّ النون الثَّقيلة إذا اجتمعت مع الياء الساكنة حذفت الياء للساكنين، وأثبتها مشاكلة لـ «تُخْرجنَّ» (فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا) بكسر العين وبالقاف: شعرهَا المضفُور (فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صلعم ) وسقطَ قوله: «به» لغيرِ الكُشمِيهنيِّ (فَإِذَا فِيهِ) في الكتابِ: (مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) بالحاء والطاء المكسورة المهملتين بعدها موحدة، و«بَلْتعة»: بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية (إِلَى أُنَاسٍ) بضم الهمزة، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ: ”إلى ناسٍ“ (مِنَ المُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلعم ) من تجهيزهِ للجيشِ الكثير لمكَّة (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) له: (مَا هَذَا) الكتاب (يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ) بالحلفِ والولاءِ (وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ‼ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ) أي: حين (فَاتَنِي) ذلك (مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا) أي: يدَ منَّةٍ عليهم (يَحْمُونَ) بها (قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إنَّه قَدْ صَدَقَكُمْ) بتخفيف الدال (فَقَالَ عُمَرُ) ☺ : (دَعْنِي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي(1): ”فدَعْني“ (يَا رَسُولَ اللهِ فَأَضْرِبَ) بالنَّصب (عُنُقَهُ. فَقَالَ) ╕ : (إنَّه شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا) ولأبي ذرٍّ: ”فما“ (يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ _ ╡_ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) الذين حضَروا وقعتَها (فَقَالَ) مخاطبًا لهم خطابَ تكريم: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) في المستقبل (فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) عبَّر عن الآتي بالواقع مبالغةً في تحقُّقه، قال القرطبيُّ: والمعنى أنَّهم حصلَت لهم حالةً غُفرت بها ذنوبهم السَّابقة، وتأهَّلوا أن تغفر لهم الذُّنوب اللَّاحقة إن وقعت منهم، ومعنى التَّرجِّي هنا _كما قاله النَّووي_ راجعٌ إلى عمر؛ لأنَّ وقوع هذا الأمر محقَّقٌ عند الرَّسول.
          (قَالَ عَمْرٌو) هو ابنُ دينارٍ، بالإسناد السَّابق: (وَنَزَلَتْ فِيهِ) أي: في حاطبِ بنِ أبي بَلتعة(2) ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}) وزادَ أبو ذرٍّ: ”{أَوْلِيَاء}“[الممتحنة:1] (قَالَ) أي: سفيانُ ابنُ عيينةَ: (لَا أَدْرِي الآيَةَ فِي الحَدِيثِ) عن عليٍّ (أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو) يعني: ابنَ دينارٍ موقوفًا عليه.
          وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو ابنُ المدينيِّ (قِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال: قيلَ“ (لِسُفْيَانَ) بنِ عُيينة: (فِي(3) هَذَا) أي: في أمرِ حاطبٍ (فَنَزَلَتْ) ولأبي ذرٍّ: ”نزلتْ“ ({لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي}) وزاد أبو ذرٍّ: ”{وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} الآية“.
          (قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ) ورواياتهم، وأمَّا الذي (حَفِظْتُهُ) أنا (مِنْ عَمْرٍو) يعني: ابنَ دينارٍ هو الَّذي رويتُه عنه من غيرِ ذكر النُّزول (وَمَا تَرَكْتُ(4) مِنْهُ حَرْفًا، وَمَا أُرَى) بضم الهمزة، ما أظنُّ (أَحَدًا حَفِظَهُ) من عَمرو (غَيْرِي) فلم يجزمْ سفيان برفعِ هذه الزِّيادة، وسقطَ قولُه: «حَدَّثنا عليٌّ...» إلى هنا لأبي الهَيثم.


[1] «والمُستملي»: ليست في (د).
[2] في (ج): «حاطب بن بلتعة» وبهامشها: كذا بخطِّه، وصوابه: ابن أبي.
[3] في (ص) و(م): «أفي».
[4] في (ص): «نزلت».