إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما رأيت رسول الله ضاحكًا حتى أرى منه لهواته

          4828- 4829- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ / بْنُ عِيْسَى) كذا في رواية أبي ذرٍّ: ”ابن عيسى“وهو الهمدانيُّ التُّستريُّ المصريُّ الأصل، وسقطَ «ابن عيسَى» لغير أبي ذرٍّ، وقال الكِرمانيُّ: إنَّه أحمد بنُ صالحٍ المصريُّ؛ يعني: ابنَ الطَّبري، ولعلَّه اعتمدَ على قول أبي عليِّ(1) بنِ السَّكنِ حيث قال: هو أحمد بنُ صالحٍ في المواضعِ كلها، وكذا قاله ابنُ مندهْ، وقيل: هو أحمد بنُ عبد الرَّحمن ابنِ أخي ابنِ وهب. قال الحاكمُ أبو عبد الله: هو أحمد بنُ صالحٍ أو أحمدُ بنُ عيسى، لا يخلو أن يكون واحدًا منهما، ولم يحدِّث عن ابنِ أخي ابنِ وهب شيئًا، ومَن زعم أنَّه ابنُ أخي ابن وهب فقد وهمَ، فاتَّفق الرُّواة على أحمد بنِ صالحٍ، أو أحمد بنِ عيسى، وقد عين أبو ذرٍّ في روايته أنَّه ابنُ عيسى قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله قال: (أَخْبَرَنَا عَمْرٌو) هو: ابنُ الحارثِ: (أَنَّ أَبَا النَّضْرِ) سالمًا المدنيَّ (حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) ضد اليمينِ (عَنْ عَائِشَةَ ♦ زَوْجِ النَّبيِّ صلعم ) أنَّها (قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ) بتحريك الهاء، جمع: لهاةٍ، وهي اللَّحمةُ الحمراءُ المعلَّقةُ في أعلى الحنكِ (إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ)‼ بضم العين وكسر الراء، مبنيًّا للمفعول (فِي وَجْهِهِ) الكراهيَّة، وذلك لأنَّ القلبَ إذا فرحَ تبلَّج الجبينُ، وإذا حزنَ اربدَّ الوجه، فعبَّرت عائشةُ عن الشَّيءِ الظَّاهر في الوجهِ بالكراهيةِ(2)؛ لأنَّه ثمرتها (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، النَّاسُ) ولغير أبي ذرٍّ: ”إنَّ النَّاس“ (إِذَا رَأَوا الغَيْمَ فَرِحُوا) به (رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤْمِنِّي) بواو ساكنة ونون مشددة، ولأبي ذرٍّ: ”يؤمنني“ بنونين (أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ) هم قوم هودٍ(3) حيث أهلكوا بريحٍ صرصرٍ (وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}[الأحقاف:24]) قد تقرَّر أنَّ النَّكرة إذا أُعيدت نكرةً كانت غير الأولى، لكن ظاهر آية الباب أنَّ الَّذين عذِّبوا بالرِّيحِ هم الَّذين قالوا: هذا عارضٌ، وقد أجابَ صاحب «الكواكب الدراري» عن ذلك: بأنَّ القاعدةَ المذكورة إنما تطَّرد(4) إذا لم يكن في السِّياقِ قرينة تدلُّ على الاتِّحاد، فإن كان هناك قرينةٌ كما في قولهِ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف:84] فلا، وعلى تقدير تسليمِ المغايرةِ مطلقًا فلعلَّ عادًا قومان: قومٌ بالأحقاف، أي: في الرِّمالِ؛ وهم أصحاب العارضِ، وقومٌ غيرهم. انتهى. ويؤيِّد قوله الثَّاني قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى}[النجم:50] فإنَّه يشعرُ بأنَّ ثمَّ عادًا أُخرى، وعند الإمام أحمد بإسنادٍ حسنٍ عن الحارثِ بنِ حسَّانٍ البكريِّ، قال: خرجتُ أشكُو العلاءَ بن الحضرميِّ إلى رسول الله صلعم فمررتُ بالرَّبَذةِ فإذا عجوزٌ من بني تميمٍ منقطعٌ بها، فقالتْ لي: يا عبدَ الله، إنَّ لي إلى رسولِ الله صلعم حاجةً، فهل أنتَ مبلِّغِي إليه؟ قال: فحملتُها فأتيتُ المدينةَ، فإذا المسجدُ غاصٌّ بأهله...الحديثَ. وفيه: فقلت: أعوذُ بالله ورسولهِ أن أكون كوافدِ عادٍ. قال: وما وافدُ عادٍ؟ _وهو أعلم بالحديث منه لكن يستعظمه(5)_ قلت: إنَّ عادًا قحطوا فبعثُوا وافدًا لهم يقال له: قَيْل بنَ عَنْـزٍ(6)، فمرَّ بمعاوية بن(7) بكر فأقامَ عنده شهرًا يسقيهِ الخمرَ وتغنِّيهِ جاريتان يقال لهما: الجرادتانِ، فلمَّا مضى الشَّهر خرج إلى جبالِ مَهْرَة، فقال: اللَّهمَّ إنَّك تعلمُ أنَّي لم أجئ إلى مريضٍ فأداويهِ، ولا إلى أسيرٍ فأفاديهِ، اللَّهمَّ اسقِ عادًا ما كنتَ تسقيهِ، فمرَّت به سحاباتٌ سودٌ، فنودِيَ منها: اختَر، فأومأَ إلى سحابةٍ منها سوداءَ، فنُودي منها: خذهَا رَمَادًا رِمْدِدًا(8)، لا تبقي من عادٍ أحدًا. رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه، ذكرهُ ابنُ كثير بطوله في «تفسيره»، وابن حجرٍ مختصرًا، وقال: الظَّاهرُ أنَّه في قصَّة عادٍ الأخيرة‼ لذكر مكَّة فيه.
          وحديث الباب أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الأدب» [خ¦6092]، ومسلمٌ في «الاستسقاءِ»، وأبو داود في «الأدب».


[1] في (ص): «يعلى».
[2] في (م): «بالكراهة».
[3] في (د): «عاد».
[4] في (ص): «تطرق».
[5] في (ص): «استعظمه». في المصادر: (يستطعمه).
[6] قوله: «بن عنز»: ليست في (س) و(ص).
[7] في (د) زيادة: «أبي».
[8] في (ص): «رمدًا»، وفي (د): «ومدرًا».