إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة

          4813- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (الحَسَنُ) غير منسوبٍ، وقد جزم أبو حاتِم سهل بنُ السريِّ(1) الحافظُ فيما نقله الكلاباذيُّ بأنَّه الحسنُ بنُ شجاعٍ البلخيُّ الحافظُ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ) الكوفيُّ، وهو من مشايخ المؤلِّف، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ) بن سليمان الرَّازيُّ، سكن الكوفة (عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ) بن ميمونَ الهمدانيِّ الأعمَى(2) الكوفيِّ (عَنْ عَامِرٍ) هو ابنُ شراحيلَ الشَّعبيُّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنِّي أَوَّلُ) ولأبي ذرٍّ: ”من أوَّل“ (مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ) بمدِّ الهمزة (فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى) ◙ (مُتَعَلِّقٌ بِالعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ) أي: أنَّه لم يمتْ عند النَّفخة الأولى واكتفَى بصعقةِ الطُّور(3) (أَمْ) أُحيي (بَعْدَ النَّفْخَةِ) الثَّانية قبلِي وتعلَّقَ بالعرشِ؟ كذا قرَّره الكِرمانيُّ، وقال الدَّاوديُّ _فيما حكاه السَّفاقسيُّ_: قوله: «أكذلكَ...» إلى آخره وهمٌ؛ لأنَّ موسى مقبورٌ ومبعوثٌ بعد النَّفخةِ، فكيف يكون ذلك قبلَها؟! انتهى. وأُجيب بأنَّ في حديث أبي هريرة السَّابق في «الإشخاصِ»(4) [خ¦2411]: «فإنَّ النَّاس يُصعقونَ يوم القيامةِ فأُصعقُ معهم، فأكون أوَّل من يفيقُ، فإذا موسى باطشٌ جانبَ العرشِ، فلا أدري أكان فيمَن صُعقَ فأفاقَ قبلي أو كانَ ممَّن / استثنى الله؟» أي: فلم يُصعق، والمرادُ بالصَّعقِ غَشْيٌ يلحقُ من سمعَ صوتًا، أو رأى شيئًا ففزعَ منه، وقد وقع التَّصريح في هذه الرِّوايةِ بالإفاقةِ بعد النَّفخة الثَّانية، وأمَّا ما وقعَ في حديثِ أبي سعيدٍ: «فإنَّ(5) النَّاسَ يصعقونَ فأكونُ أوَّل من تنشقُّ عنه الأرضُ» [خ¦2412] فيمكنُ الجمع بأنَّ النَّفخة الأولى يعقبُها الصَّعقُ من جميع الخلقِ أحيائِهم وأمواتِهم، وهو الفزعُ، كما وقع في النمل: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ}[النمل:87] ثمَّ يعقبُ ذلك الفزع للموتَى زيادةً فيما هُم فيه وللأحياء موتًا، ثمَّ ينفخُ الثَّانية للبعثِ فيفيقونَ أجمعونَ، فمَن كان مقبُورًا انشقَّت‼ عنه الأرضُ فخرجَ من قبرهِ، ومن ليس بمقبورٍ لا يحتاجُ إلى ذلك، وقد ثبتَ أنَّ موسى ممَّن قبرَ في الحياةِ الدُّنيا، كما في مسلمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «مررتُ على مُوسى ليلةَ أُسرِي بي عند الكثيبِ الأحمرِ وهو قائمٌ يصلِّي في قبرهِ». أخرجهُ عقب حديثِ أبي هريرة وأبي سعيدٍ(6)، وقد استُشكل كونُ جميع الخلقِ يصعقونَ مع أنَّ الموتَى لا إحساسَ لهم؛ فقيل: المرادُ أنَّ الَّذين يُصعقونَ هم الأحياءُ، وأمَّا الموتَى فهم في الاستثناء في قولهِ: {إِلَّا مَن شَاء اللهُ}[النمل:87] أي: إلَّا من سبقَ له الموتُ قبل ذلك فإنَّه لا يصعقُ، وإلى هذا جنحَ القرطبيُّ، ولا يعارضهُ ما ورد في الحديثِ: أنَّ موسى ممَّن استثنَى الله؛ لأنَّ الأنبياء أحياءٌ عند الله، وإن كانُوا في صورةِ الأمواتِ بالنِّسبةِ إلى أهل الدُّنيا، وقال عياضٌ: يحتملُ أن يكون المراد صعقةَ فزعٍ بعد البعثِ حين(7) تنشقُّ السَّماءُ والأرضُ، وتعقَّبه القرطبيُّ بأنَّه صلعم صرَّح بأنَّه حين(8) يخرجُ من قبرهِ يلقى موسى وهو متعلِّقٌ بالعرشِ، وهذا إنَّما هو عند نفخةِ البعثِ. انتهى. ويردُّه قوله صريحًا كما تقدم: «إنَّ النَّاسَ يُصعقونَ فأُصعقُ معهم...» [خ¦2411] إلى آخره قاله في «الفتح».


[1] في (د): «اليسر».
[2] «الأعمى»: ليست في (د).
[3] في (م): «الصور».
[4] في (م): «فإني».
[5] في (د): «في أن».
[6] قوله: «أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد»: ليس في (د) و(ص).
[7] في (م): «حتى».
[8] «حين»: ليست في (ب).