إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك

          4684-وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ) ولأبي ذَرٍّ: ”عن رسول الله“ ( صلعم قَالَ: قَالَ اللهُ ╡: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) بفتح الهمزة في الأولى وضمِّها في الثَّانية، وجزم الأوَّل بالأمر والثَّاني بالجواب (وَقَالَ: يَدُ اللهِ مَلأَى) كنايةٌ عن خزائنه الَّتي لا تنفذ بالعطاء، أي: (لَا يَغِيضُهَا) بفتح التَّحتيَّة وكسر(1) الغين وبالضَّاد المعجمتَين بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ، أي: لا ينقصها (نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بنصبهما على الظَّرفية، و«سحَّاء» بسينٍ وحاءٍ مشدَّدةٍ مهملتَين ممدودًا، يقال: سحَّ يسحُّ فهو ساحٍ وهي سحَّاء، وهي فَعْلاء لا «أَفْعل» لها كهَطْلاء، ويُروَى: ”سَحًّا“ بالتَّنوين على المصدر، أي: دائمة الصَّبِّ والهطل بالعطاء، ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها، فجعلها كالعين الَّتي(2) لا يغيضها الاستقاء(3) ولا ينقصها الامتياح(4) قاله ابن الأثير. ولفظ «بيده» حكمُه حكمُ سائر المتشابهات تأويلًا وتفويضًا (وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ) أي: أخبروني(5) (مَا أَنْفَقَ) أي: الَّذي(6) أنفقه (مُنْذُ) بالنُّون، ولأبي ذَرٍّ: ”مُذْ“ (خَلَقَ السَّمَاءَ(7) وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ) بفتح التَّحتيَّة وكسر الغين وبالضَّاد المعجمتَين، لم ينقص (مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ المِيزَانُ) كنايةٌ عن العدل بين الخلق (يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ) من باب مراعاة النَّظير، أي: يخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويوسع الرِّزق على من يشاء، ويقتره على من يشاء.
          وهذا الحديث أخرجه في «التَّوحيد» [خ¦7411] [خ¦7419] والنَّسائيُّ في «التَّفسير» ببعضه.
          ({اعْتَرَاكَ}[هود:54]) من باب (افْتَعَلْتَ) وفي رواية عن الكُشْميهَنيِّ أيضًا: ”افتعلك“ بكاف الخطاب من باب الافتعال، قال العينيُّ: والصَّواب أن يُقال: اعترى افتعل، فلا يحتاج لكاف الخطاب في الوزن (مِنْ عَرَوْتُهُ، أَيْ: أَصَبْتُهُ)‼، قال الجوهريُّ: عروتُ الرَّجل أعروه عروًا؛ إذا ألممتَ به، وأتيتَه طالبًا، فهو معروٌّ، وفلانٌ تعروه الأضياف وتعتريه أي: تغشاه (وَمِنْهُ) أي: ومن هذا الأصل قولهم: فلانٌ (يَعْرُوهُ) أي: يصيبه (وَاعْتَرَانِي) أي: تغشَّاني.
          ({آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}[هود:56] أَيْ: فِي مُـِلْكِهِ) بضمِّ الميم في الفرع، وفي «اليونينيَّة» بكسرها (وَسُلْطَانِهِ) فهو مالكٌ لها قادرٌ عليها، يصرفها على ما يريد بها، وهذا كلُّه من قوله: «{اعْتَرَاكَ}...» إلى هنا ثابتٌ في رواية الكُشْميهَنيِّ فقط(8).
          (عَنِيدٌ) بالياء في قوله: {وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[هود:59] (وَعَنُودٌ) بالواو (وَعَانِدٌ) بالألف (وَاحِدٌ) قال أبو عبيدة: (هُوَ تَأْكِيدُ التَّجَبُّرِ) وقال غيره: هو من عَنَد عندًا وعنودًا؛ إذا طغى، والمعنى: عصوا مَن دعاهم إلى الإيمان، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفران.
          ({وَيَقُولُ الأَشْهَادُ}[هود:18]) قال أبو عبيدة: (وَاحِدُهُ: شَاهِدُ؛ مِثْلُ: صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ) وهذا ثابتٌ هنا لأبي ذَرٍّ فقط، وسيأتي بعد إن شاء الله تعالى، والمراد بـ {الأَشْهَادُ} هنا: الملائكة والنَّبيُّون والمؤمنون، وعن قتادة / : الخلائق؛ وهو أعمُّ، وقيل: الجوارح.
          ({وَاسْتَعْمَرَكُمْ}[هود:61]: جَعَلَكُمْ عُمَّارًا) يقال: (أعْمَرْتُهُ الدَّارَ، فَهْيَ عُمْرَى) أي: (جَعَلْتُهَا لَهُ) ملكًا مدَّة عمره، وهذا تفسير أبي عبيدة، وقيل: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أقدركم على عمارتها وأمركم(9) بها، وقوله: ({فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ}[هود:70]) قال أبو عبيدة: {نَكِرَهُمْ (10)} أي: الثُّلاثيُّ المجرَّد (وَأَنْكَرَهُمْ(11)) الثُّلاثي المزيد فيه (وَاسْتَنْكَرَهُمْ(12)) الَّذي هو(13) من باب: الاستفعال؛ كلُّها (وَاحِدٌ) في المعنى؛ وهو الإنكار، وذلك أنَّ(14) الخليل ╕ لمَّا جاءه الرُّسل _وهم جبريل ومَن معه من الملائكة_ وجاء بعجلٍ مشويٍّ، ورأى أيديهم لا تصل إليه؛ أنكر ذلك، وخاف أن يريدوا به مكروهًا، فقالوا له(15): لا تخف، إنَّا ملائكةٌ مرسلةٌ بالعذاب إلى قوم لوطٍ ╕ ، وإنَّما لم نمدَّ أيدينا إليه لأنَّا لا نأكل.
          ({حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}[هود:73] كَأَنَّهُ) أي: مجيدٌ على وزن: (فَعِيلٌ، مِنْ) صيغة (مَاجِدٍ) والتَّعبير بـ «كأنَّ» فيه شيءٌ، فإنَّه بوزن: فعيل من غير شكٍّ، وقال القشيريُّ: قيل: هو بمعنى العظيم الرَّفيع القدر(16)، فهو فَعِيلٌ بمعنى: مَفْعُول، وقيل: معناه الجزيل العطاء، فهو فعيلٌ بمعنى: فَاعِل، و{حَمِيدٌ} أي: (مَحْمُودٌ) لفعل(17) ما يُستَحقُّ به الحمدُ، ويوصل العبد إلى مراده، فلا يبعد أن يرزق الولد في إبَّان الكِبَر؛ وهو مأخوذٌ (مِنْ حَمِدَ) بفتح الحاء، وفي نسخةٍ: ”حُمِدَ“ بضمِّها مبنيًّا للمجهول(18)، فهو حامدٌ.
          (سِجِّيلٌ) يريد قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ}[هود:82] قال أبو عبيدة: هو (الشَّدِيدُ الكَبِيرُ) بالموحَّدة، من الحجارة الصُّلبة، واستشكله السَّفاقسيُّ _كابن قتيبة_: بأنَّه لوكان معنى(19) السِّجيل: الشَّديد لَمَا دخلت عليه {مِّن}‼، وكان يُقال: حجارةً سجِّيلًا؛ لأنَّه لا يقال: حجارةٌ من شديدٍ، وأُجِيَب باحتمال حذف الموصوف، أي: وأرسلنا عليهم حجارةً كائنة من شديدٍ كبيرٍ(20)، أي: من حجرٍ قويٍّ شديدٍ صُلْبٍ (سِجِّيلٌ) باللَّام (وَسِجِّينٌ) بالنُّون بمعنًى واحدٍ (وَاللاَّمُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ) من حيث إنَّهما من حروف الزَّوائد، وكلٌّ منهما يُقلَب عن الآخر.
          (وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ) العامريُّ العجلانيُّ الشَّاعر المخضرم ممَّا(21) يشهد لذلك: (وَرَجْلَةٍ) بفتح الرَّاء وسكون الجيم والجرِّ، أي: ورُبَّ رَجْلَةٍ؛ جمع راجلٍ، خلاف الفارس (يَضْرِبُونَ البَيْضَ) بفتح الموحَّدة في الفرع جمع بيضةٍ؛ وهي الخوذة، أي: يضربون مواضع البيض؛ وهي الرُّؤوس، وفي نسخةٍ ”البِيضَ“ بكسر الموحَّدة؛ جمع أبيض؛ وهو السَّيف، أي: يضربون بالبيض على نزع الخافض (ضَاحِيَةً) بالضَّاد المعجمة، أي: في وقت الضَّحوة، أو ظاهرة(22) (ضَرْبًا تَوَاصَى) بحذف إحدى التَّاءين؛ إذ أصله: تتواصى (بِهِ الأَبْطَالُ) أي: الشُّجعان (سِجِّينَا) بكسر السِّين وتشديد الجيم وبالنُّون، أي: شديدًا.


[1] في (د): «وسكون»، ولا يصحُّ.
[2] «الَّتي»: ليس في (ص).
[3] في (د): «الاستسقاء».
[4] في (د): «الاستسياح» وهو تحريفٌ.
[5] «أي: أخبروني»: سقط من (د).
[6] في (د): «ما».
[7] في (د): «السماوات».
[8] «فقط»: ليس في (د).
[9] في (د): «وآثركم».
[10] في (د): «نكره».
[11] في (م): «أنكره».
[12] في (م): «استنكره».
[13] «هو»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[14] في (د): «بأنْ».
[15] «له»: ليس في (د).
[16] في (ص): «القدير».
[17] في (د): «يفعل».
[18] في (د): «للمفعول».
[19] في (د): «يعني».
[20] في (د): «كثير».
[21] في (د): «بما».
[22] في (د): «ظاهره».