إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث شقيق: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى

          347- وبالسَّند قال‼: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ) وفي غير رواية الأَصيليِّ: ”محمَّد(1) بن سَلَام“ بتخفيف اللَّام وتشديدها كما في الفرع، البيكنديُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن خازمٍ؛ بالمُعجَمَتين، الضَّرير (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ شَقِيقٍ) أي: أبي وائل بن سلمة (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ (وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ) ☻ (فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى): تقول: (لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟) كذا لكريمة والأَصيليِّ؛ بالهمز، كما(2) قاله الحافظ ابن حجرٍ، و«ما» نافيةٌ على أصلها، و«الهمزة»: إمَّا للتَّقرير المخرج عن معنى الاستفهام الذي هو المانع من وقوعه جزاءً للشَّرط، وإمَّا مُقحَمةٌ فوجودها كالعدم، وإمَّا للاستفهام وعليها(3) فهو جواب «لو»، لكن يُقدَّر في الأوَّلين القول قبل «لو» _كما مرَّ_ وفي الثَّالث قبل «أَمَا كان» أي: لو أنَّ رجلًا أجنبَ يقال في حقِّه: إمَّا يتيمَّم(4)، ويجوز على هذا أن يكون جواب «لو»هو قوله: (فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ) أي: مع قولكم: لا يتيمَّم، وفي روايةٍ: ”قال: فكيف تصنعون“(5) (بِهَذِهِ الآيَةِ) التي (فِي سُورَةِ المَائِدَةِ) وفي رواية الأكثرين: ”ما كان“ بإسقاط الهمزة، ولـ «مسلمٍ»: «كيف يصنع بالصَّلاة؟»(6)، وفي روايةٍ: ”قال، أي:أبو موسى: فكيف“، وللأَصيليِّ كما في «الفتح»: ”فما تصنعون بهذه الآية في سورة «المائدة»؟“، وفي الفرع علامةٌ للكُشْمِيْهَنِيِّ على: ”بهذه“، وعلى: ”الآية“ ({ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا }[النساء:43]؟) وللأَصيليِّ زاد في الفرع وأبي ذَرٍّ: ”فإن لم تجدوا“، وهو مغايرٌ للتِّلاوة، وقد قِيلَ: إنَّه كذلك كان في نسخة أبي ذَرٍّ، ثمَّ أصلحه على وفق التِّلاوة، وهو يؤيِّد ما في الفرع _كما مرَّ_ وإنَّما عيَّن سورة «المائدة» لكونها(7) أظهر في مشروعيَّة تيمُّم الجنب من آية «النِّساء» لتقُّدم(8) حكم الوضوء في «المائدة»، ولأنَّها آخر / السُّور نزولًا (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ: (لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا) بفتح الهمزة، أي:لأسرعوا (إِذَا بَرَدَ) بفتح الرَّاء وضمِّها (عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا) أي: يقصدوا (الصَّعِيدَ) وللأَصيليِّ: ”بالصَّعيد“ قال الأعمش: (قُلْتُ) لشقيقٍ: (وَإِنَّمَا) بالواو، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ(9): ”فإنَّما“ (كَرِهْتُمْ هَذَا) أي: تيمُّم الجنب (لِذَا؟) أي: لأجل تيمُّم صاحب البرد، وفي رواية حفص بن عمر السَّابقة: «فقلت لشقيقٍ: فإنَّما كره عبد الله لهذا» [خ¦346] (قَالَ) أي: شقيقٌ: (نَعَمْ) وهو يردُّ على البرماويِّ كالكِرمانيِّ، حيث قال في حديث هذا الباب: قلت: وهو قول شقيقٍ (فَقَالَ) بالفاء، ولابن عساكر: ”قال“ (أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ : (بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَاجَةٍ) أي: في سريَّةٍ فذهبت (فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ) بالفاء، ولأبي الوقت(10): ”ولم“(11)(أَجِدِ المَاءَ) من «وجد» المتعدِّي لواحدٍ؛ لأنَّه بمعنى: لم أُصِبِ الماء(12)(فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ) وفي روايةٍ: ”في التُّراب“ (كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ) برفع الغَيْن وحذف إحدى التَّاءين تخفيفًا كـ {تَلَظَّى }[الليل:14] و«الكاف» للتَّشبيه، وموضعها مع مجرورها نصبٌ على الحال، وأعربها أبو البقاء في قوله تعالى: {كَمَا آمَنَ النَّاسُ }[البقرة:13] نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ، فيُقدَّر: تمرُّغًا(13) كتمرُّغ الدَّابَّة، ومذهب سيبويه في هذا كلِّه: النَّصب على الحال من المصدر المفهوم من الفعل المتقدِّم المحذوف، بعد الإضمار على طريق الاتِّساع، فيكون التَّقدير: فتمرَّغت على هذه الحالة، ولا يكون عنده نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ؛ لأنَّه‼يؤدي إلى حذف الموصوف في غير المواضع المُستثناة، قال عمَّارٌ: (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ) بالتُّراب(14)(هَكَذَا، فَضَرَبَ) بالفاء، وللأربعة: ”وضرب“ (بِكَفِّهِ) بالإفراد، وللأَصيليِّ: ”بكفَّيه“ (ضَرْبَةً) واحدةً (عَلَى الأَرْضِ) وفي غير هذه الطَّريق: «ضربتان»، وهو الذي رجَّحه النَّوويُّ وقال: إنَّه الأصحُّ المنصوص عليه(15) كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (ثُمَّ نَفَضَهَا) أي: تخفيفًا للتُّراب (ثُمَّ مَسَحَ بِهَا) أي: بالضَّربة (ظَهْرَ كَفِّهِ) اليمنى(16)(بِشِمَالِهِ أَوْ) مسح (ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ) اليمنى(17)؛ بالشَّكِّ في جميع الرِّوايات. نعم؛ هو في رواية أبي داود من طريق معاوية من غير شكٍّ (ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا) أي: بكفَّيه، ولأبي الوقت وابن عساكر: ”بها“ أي: بالضَّربة (وَجْهَهُ؟) فيه الاكتفاء بضربةٍ واحدةٍ، وتقديم مسح الكفِّ على الوجه، والاكتفاء بظهر كفٍّ واحدةٍ وعدم مسح الذِّراعين، ومسح الوجه بالتُّراب المُستعمَل في الكفِّ، ولا يخفى ما في ذلك كلِّه، وقد تعسَّف الكِرمانيُّ فأجاببأنَّ الضَّربة الواحدة لأحد ظهري الكفِّ، والتَّقدير: ثمَّ ضرب ضربةً أخرى، ثمَّ مسح بها يديه للإجماع على عدم الاكتفاء بمسح إحدى اليدين، فيكون المسح الأوَّل ليس لكونه من التَّيمُّم، بل فعله ╕ خارجًا عنه لتخفيف التُّراب.انتهى. وتُعقِّب بأنَّ حديث عمَّارٍ لم يزد فيه على ضربةٍ، والأصل عدم التَّقدير، وقد قال به ابن المنذر ونقله عن جمهور العلماء، وإليه ذهب الرَّافعيُّ وهو مذهب أحمد، وقال النَّوويُّ: الأصحُّ المنصوص وجوب ضربتين، وأمَّا عدم التَّرتيب فيتَّجه على مذهب الحنفيَّة، أما عند الشَّافعيَّة فواجبٌ. نعم؛ لا يُشترَط ترتيب نقل التُّراب للعضو في الأصحِّ، بل يُستحَّبُّ لأنَّه وسيلةٌ، فلو ضرب بيديه دفعةً واحدةً ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه جاز؛ لأنَّ الفرض المسح، والنَّقل وسيلةٌ، وقد روى أصحاب «السُّنن»: «أنَّه ╕ تيمَّم فمسح وجهه وذراعيه»، و«الذِّراع»: اسمٌ للسَّاعد إلى المرفق، وعن «القديم»: إلى الكوعين لحديث عمَّارٍ هذا، قال في «المجموع»: وهو الأقوى دليلًا، وفي «الكفاية» تعيين ترجيحه، وذكر في «المُحرَّر» كيفيَّة التَّيمُّم، وجزم في «الرَّوضة»باستحبابها، فإذا مسح اليمنى(18) وضع بطون أصابع يساره غير الابهام على ظهور أصابع يمينه غير الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبِّحة اليسرى، ولا تحاذي مسبِّحة اليمنى أطراف أنامل اليسرى، ويُمِرُّها(19) على ظهر الكفِّ، فإذا بلغ الكوع ضمَّ أطراف أصابعه على حرف(20) الذِّراع ويمرُّها إلى المرفق، ثمَّ يدير بطن كفِّه إلى بطن الذِّراع، ويمرُّها عليه وإبهامه مرفوعةٌ، فإذا بلغ الكوع أمرَّها على إبهام اليمنى(21)، ثم يمسح اليسار باليمنى(22) كذلك، ثمَّ يمسح إحدى / الرَّاحتين بالأخرى ويخلِّل أصابعهما، ولم تثبت هذه الكيفيَّة في السُّنَّة، بل في «الكفاية» عن «الأمِّ» أنَّه يعكس فيجعل بطن راحتيه معًا إلى فوق، ثمَّ يمرُّ الماسحة وهي من تحت لأنَّه أحفظ للتُّراب (فَقَالَ) بالفاء، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”قال“ (عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ: (أَلَمْ تَرَ عُمَرَ) بن الخطَّاب، ولكريمة والأَصيليِّ وهو في متن الفرع‼من غير عزوٍ: ”أفلم ترَ عمر بن الخطَّاب“ (لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ) وعند «مسلمٍ» من رواية عبد الرَّحمن بن أَبْزَى: «اتَّقِ الله يا عمَّار» أي: فيما ترويه، وتثبَّت فلعلَّك نسيت أو اشتبه عليك، فإنِّي كنت معك ولا أتذكَّر شيئًا من هذا! (وَزَادَ) بالواو، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”زاد“ (يَعْلَى) بن عبيدٍ الطَّنَافِسِيُّ الحنفيُّ الكوفيُّ ممَّا وصله أحمد وغيره (عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ (وَأَبِي مُوسَى) الأشعريِّ (فَقَالَ أَبُو مُوسَى) لعبد الله: (أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ) وللأَصيلي: ”إنَّ النَّبيَّ“ ( صلعم ، بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ) لا يُقال: كان الوجه بعثني إيَّاي وإيَّاك؛ لأنَّ «أنا» ضمير رفعٍ، فكيف وقع تأكيدًا للضَّمير المنصوب، والمعطوف في حكم المعطوف عليه؛ لأنَّ الضَّمائر تتقارض فيُحمَل بعضها على بعضٍ، وتجري بينها(23) المُناوَبة (فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ) وللأَصيليِّ: ”النَّبيَّ“ ( صلعم ، فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”هذا“ (وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) مسحةً (وَاحِدَةً؟) أو ضربةً واحدةً(24)، وهو المناسب لقول المؤلِّف في التَّرجمة(25) «باب التَّيمُّم ضربةٌ».


[1] «محمَّد»: سقط من (د).
[2] في (د): «كذا».
[3] في (ب) و(س): «عليه».
[4] في (ص): «تيمَّم».
[5] قوله:«وفي روايةٍ: قال: فكيف تصنعون»، مثبتٌ من (م).
[6] قوله:«وفي رواية الأكثرين: ما كان، بإسقاط الهمزة، ولمسلمٍ: كيف تصنع بالصَّلاة؟» سقط من (م).
[7] في (د): «لأنَّها».
[8] في غير (د) و(م): «لتقديم».
[9] «والأصيليِّ»: سقط من (م).
[10] في (ص): «ذَرٍّ»، وهو خطأٌ.
[11] «ولم»: سقط من (د)، وفيها: «بالواو».
[12] قوله:«من وجد المتعدِّي لواحدٍ؛ لأنَّه بمعنى: لم أُصِبِ الماء» مثبتٌ من (م).
[13] في (م): «ممرَّغًا».
[14] «بالتُّراب»: سقط من (د) و(م).
[15] «عليه»: مثبتٌ من (م).
[16] في (د) و(ص): «اليمين».
[17] في (د): «اليمين».
[18] في (د): «اليمين».
[19] في (د) و(م): «غيرها»، وهو تحريفٌ.
[20] في (د): «حدَّ».
[21] في (د): «اليمين».
[22] في (د): «اليمين».
[23] في (ص) و(م) و(ج): «بينهما».
[24] «واحدة»: سقط من (د).
[25] «في التَّرجمة»: سقط من (د).