إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمار وفيه: ثم مسح وجهه وكفينه

          339- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هو ابن مِنهالٍ؛ بكسر الميم (قَالَ: أَخْبَرَنَا) ولأبوَي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”حدَّثنا“ (شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ) بن عُتَيْبَة، الفقيه الكوفيِّ، وللأَصيليِّ وكريمة: ”أخبرني“ بالإفراد ”الحكم“ (عَنْ ذَرٍّ) بفتح الذَّال المُعجَمة، ابن عبد الله الهمْدانيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وللحَمُّويي والمُستملي: ”عن ابن عبد الرَّحمن“ (بْنِ أَبْزَى) بفتح الهمزة والزَّاي المُعجَمة بينهما مُوحَّدةٌ ساكنةٌ (عَنْ أَبِيهِ) عبد الرَّحمن (قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا) إشارةٌ إلى سياق المتن السَّابق من رواية آدم عن شعبة [خ¦338] لكن ليس في رواية حجَّاجٍ هذه قصَّة عمر، قال حجَّاجٌ: (وَضَرَبَ شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ثُمَّ أَدْنَاهُمَا) أي: قرَّبهما (مِنْ فِيهِ) كنايةٌ عن النَّفخ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه كان نفخًا خفيفًا (ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ)(1) ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”ثمَّ(2) مسح بهما وجهه“ (وَكَفَّيْهِ) أي: إلى الرُّسغين، أو إلى المرفقين.
          (وَقَالَ النَّضْرُ) بالنُّون والضَّاد المُعجَمة، ابن شُمَيْلٍ ممَّا وصله مسلمٌ: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) هو ابن الحجَّاج المذكور (عَنِ الحَكَمِ) بن عتيبة(3)(قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ) وفي السَّابقة: ”عن ذَرٍّ“ فصرَّح في هذه / بالسَّماع: (عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ الحَكَمُ) بن عتيبة المذكور: (وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ) عبد الرَّحمن(4)، ولابن عساكر: ”من ابن عبد الرَّحمن بن أبزى عن أبيه“، وأفادت هذه: أنَّ الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرَّحمن، قال في «الفتح»: والظَّاهر أنَّه سمعه من ذَرٍّ عن سعيدٍ(5)، ثمَّ لقي سعيدًا فأخذه عنه، وكأنَّ سماعه له(6) من ذَرٍّ كان أتقن، ولهذا أكثر ما يجيء في الرِّوايات بإثباته.انتهى. (قَالَ) عبد الرَّحمن بن أبزى: (قَالَ عَمَّارٌ) أي: ابن ياسرٍ، زاد في غير الفرع: ”الصَّعيد الطَّيِّب“ أي: التُّراب الطَّاهر ”وضوء المسلم يكفيه“ أي: يجزئه ”من الماء“ عند عدمه، قال الشَّافعيُّ: الصَّعيد لا يقع إلَّا على ترابٍ له غبارٌ، وفي معناهالرَّمل إذا ارتفع له‼ غبارٌ، فيكفي التَّيمُّم به إذا لم يَلْصَقُ بالعضو، بخلاف ما لا غبار له أو له غبارٌ لكنَّه يَلْصَقُ بالعضو.
          340- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الأزديُّ الواشحيُّ؛ بمُعجَمةٍ ثمَّ مُهمَلةٍ، البصريُّ، قاضي مكَّة (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ) بن عُتَيْبَةَ (عَنْ ذَرٍّ) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”سمعت ذَرًّا“ (عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ شَهِدَ) أي: حضر (عُمَرَ) ابن الخطَّاب ☺ (وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ) هو ابن ياسرٍ: (كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا) أي: صرنا جُنُبًا، الحديث السَّابق (وَقَالَ:) مكان نفخ فيهما (تَفَلَ فِيهِمَا) أي: في يديه، قال الجوهريُّ: والتَّفل: شبيهٌ بالبزاق، وهو أقلُّ منه، أوَّله البزاق ثمَّ التَّفل ثمَّ النَّفث ثمَّ النَّفخ.
          341- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) بالمُثلَّثة قال: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ولابن عساكر زيادة: ”ابن أبزى“ ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ وأبي الوقت: ”عن أبيه“ بدل قوله: ”عن عبد الرَّحمن“ (قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ) ☻ : (تَمَعَّكْتُ) أي: تمرَّغت (فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم ) فذكرت ذلك له (فَقَالَ: يَكْفِيكَ) أي: لكلِّ فريضةٍ واحدةٍ تيمَّمت لها وما شئت من النَّوافل، أو في كلِّ الصَّلوات فرضها ونفلها (الوَجْهُ) بالرَّفع على الفاعليَّة (وَالكَفَّانِ) عُطِفَ عليه، كذا في رواية الأَصيليِّ وابن عساكر، ولأبي ذَرٍّ وكريمة كما في «فتح الباري»: ”الوجهَ والكفَّين“ بالنَّصب فيهما أي: أن تمسح الوجه و(7)الكفَّين، ولغيرهم: ”الوجهُ“ بالرَّفع على الفاعليَّة، ”والكفَّين“ بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ معه(8)، أي:يكفيك الوجه مع الكفَّين، قِيلَ: ورُوِي: ”الوجهِ والكفَّين“ بالجرِّ فيهما، ووجَّهه ابن مالكٍ في «التَّوضيح» بوجهين؛ أحدهما: أنَّ الأصل يكفيك مسح الوجه، فحُذِف المُضاف وبقي المجرور به على ما كان عليه، والثَّاني: أن تكون الكاف من «يكفيك» حرفًا زائدًا كما في {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(9)}[الشورى:11] وتعقَّبه ابن الدَّمامينيِّ فقال: يدفعه كتابة الكاف متَّصلة بالفعل، أي: بقوله: يكفي. انتهى. والظَّاهر ثبوت الجرِّ روايةً، فإنَّه ثابتٌ مع بقيَّة الأوجه السَّابقة في نسخة الفرع المُقابَلة على نسخة الحافظ شرف الدِّين(10) اليونينيِّ الذي عوَّل النَّاس عليه في ضبط روايات البخاريِّ،حتَّى إنَّ سيبويهِ عصرِه(11) الجمالِ ابنِ مالكٍ حضره عند سماع البخاريِّ عليه(12)، فكان إذا مرَّ من الألفاظ ما يتراءى مخُالَفته لقوانين اللِّسان العربيِّ سأله عنه، فإن أجاب(13) أنَّه كذلك أخذ ابن مالكٍ في توجيهه، ومن ثمَّ جمع كتابه «التَّوضيح» _كما مرَّ_ في المقدِّمة(14)، ومعنى الحديث: يكفيك مسح الوجه والكفَّين في التَّيمُّم، ومفهومه: أنَّ ما زاد على الكفَّين ليس بفرضٍ، وإليه ذهب الإمام أحمد _كما مرَّ_ وحُكِيَ عنِ الشَّافعيِّ في «القديم»، وهو القويُّ من جهة الدَّليل، وأمَّا القياس على الوضوء فجوابه: أنَّه قياسٌ في مُقابَلة النَّصِّ، فهو فاسد الاعتبار، وأُجيببأنَّ حديث عمَّارٍ هذا لا يصلح الاحتجاج به لاضطرابه، حيث روى: «والكفَّين»، وفي أخرى: «والكوعين»، وفي أخرى لأبي داود: «ويديه إلى نصف الذِّراع»، وفي أخرى له: «والذِّراعين إلى نصف السَّاعد ولم يبلغ المرفقين»، وفي أخرى له: «إلى المرفقين»، وفي أخرى له أيضًا والنَّسائيِّ: «وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط»‼،وهذه الزِّيادة على تسليم صحَّتها لو ثبتت بالأمر دلَّت على النَّسخ، ولزم قبولها، لكن إنَّما وردت بالفعل فتُحمَل على الأكمل، وقد قال الحافظ ابن حجرٍ: إنَّالأحاديث الواردة في «صفة التَّيمُّم» لم يصحَّ منها سوى حديث أبي جُهَيْمٍ وعمَّارٍ، وما عداهما فضعيفٌ أو مُختلَفٌ في رفعه ووقفه، والرَّاجح / عدم رفعه، فأمَّا رواية: «المرفقين» وكذا«نصف الذِّراع» ففيهما مقالٌ، وأمَّا رواية: ”الآباط“ فقال الشَّافعيُّ وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النَّبيِّ صلعم فكلُّ تيمُّمٍ صحَّ للنَّبيِّ صلعم بعده، فهو ناسخٌ له(15)، وإن كان وقع بغير أمره فالحجَّة فيما أمر به، وممَّا يقوِّي رواية «الصَّحيحين» في الاقتصار على الوجه والكفَّين، كون عمَّارٍ كان يفتي به بعد النَّبيِّ صلعم ، وراوي الحديث أعرف(16) بالمُراد به من غيره، ولا سيَّما الصَّحابيِّ المجتهد.انتهى. وتُعقِّب في قوله: «لم يصحَّ(17) منها سوى حديث أبي جُهَيْمٍ... إلى آخره»بحديث جابرٍ عند الدَّارقُطنيِّ مرفوعًا: «التَّيمُّم ضربةٌ للوجه وضربةٌ للذِّراعين إلى المرفقين»، وأخرجه البيهقيُّ أيضًا والحاكم وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وقال الذَّهبيُّ أيضًا: إسناده صحيحٌ، ولا يُلتَفت إلى قول من يمنع صحَّته.
          342- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) هو ابن إبراهيم الفراهيديُّ البصريُّ (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ زيادة: ”ابن أبزى“ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: شَهِدْتُ) أي: حضرت (عُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ (فَقَالَ) له بفاء العطف، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”قال“ (لَهُ عَمَّارٌ... وَسَاقَ الحَدِيثَ) المذكور قريبًا، فـ «ال» للعهد.
          343- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بالموحَّدة والمعجمة المشدَّدة (قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) هو محمَّد بن جعفر البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلعم بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) وقد أخرج المؤلِّف هذا الحديث في هذا الباب من رواية ستَّة أنفسٍ، وبينه وبين شعبة بن الحجَّاج في هذه الطَّريق الأخيرة(18) اثنان، وفي الطُّرق الخمسة السَّابقة واحدٌ، ولم يسُقْه تامًّا من رواية واحدٍ منهم، ولم يذكر جواب عمر ☺ ، وليس ذلك من المؤلِّف، فقد أخرجه البيهقيُّ من طريق آدم كذلك، نعم؛ ذكر جوابه مسلمٌ من طريق يحيى بن سعيدٍ، والنَّسائيُّ من طريق حجَّاج بن محمَّدٍ، كلاهما عن شعبة، ولفظهما: «فقال: لا تصلِّ» زاد السَّرَّاج: «حتَّى تجد الماء»، وهذا مذهبٌ مشهورٌ عن عمر، وافقه عليه ابن مسعودٍ، وجرت فيه مُناظَرةٌ بين أبي موسى وابن مسعودٍ تأتي إن شاء الله تعالى في «باب التَّيمُّم ضربةٌ» [خ¦347].


[1] في (د): «مسح بهما وجهه».
[2] «ثمَّ»: سقط من (د).
[3] زيد في (م): «المذكور».
[4] «عبد الرَّحمن»: سقط من (د).
[5] في (د): «شعبة»، وهو تحريف.
[6] «له»: ليس في (م).
[7] في (د) و(م): «مع».
[8] «معه»: ليس في (م).
[9] «{شَيْءٌ}»: سقط من (د).
[10] «الدِّين»: سقط من (س) و(ص).
[11] في (م): «عصر الزَّمان».
[12] «عليه»: سقط من (د).
[13] في (م): «أجابه».
[14] «كما مرَّ في المقدِّمة»: مثبتٌ من (م).
[15] «له»: سقط من (د).
[16] في (م): «أعلم».
[17] في (م): «يصلح».
[18] قوله:«بن الحجَّاج في هذه الطَّريق الأخيرة» سقط من (د) و(ص).