إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

          ░2▒ (باب: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]): الجمهور على جرِّ {غَيرِ} بدلًا من {الَّذِينَ} على المعنى، أو من ضمير {عَلَيهِمْ} ورُدَّ بأنَّ أصل «غير» الوصفيَّة، والإبدال بالأوصاف ضعيفٌ، وقد يقال: استعمل «غير» استعمال الأسماء؛ نحو: غيرك يفعل كذا، فجاز وقوعه بدلًا لذلك، وعن سيبويه: هو صفة لـ «الَّذِيْن»، ورُدَّ بأنَّ «غيرًا» لا تتعرَّف، وأجيب بأنَّ سيبويه نقل أنَّ ما إضافته غير محضةٍ قد يتمحَّض فيتعرَّف إلَّا الصِّفة المشبَّهة، و«غير» داخلٌ في هذا العموم، وقُرئ شاذًّا بالنَّصب، فقيل: حالٌ من ضمير {عَلَيهِمْ} وناصبها: {أَنعَمتَ} وقيل: من {الَّذِينَ} وعاملها معنى الإضافة، قال ابن كثيرٍ: والمعنى: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ}[الفاتحة:6-7] ممَّن تقدَّم وصفهم بالهداية والاستقامة غير صراط المغضوب عليهم؛ وهم الذين فسدت إرادتهم(1) فعلموا الحقَّ وعدلوا عنه، و{لاَ} صراط {الضَّالِّينَ} وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضَّلالة لا يهتدون إلى الحقِّ، وأكَّد الكلام بـ {لاَ} ليدلَّ على أنَّ ثَمَّ مَسْلَكين فاسدين؛ وهما طريقتا اليهود والنَّصارى. ومن أهل العربيَّة من زعم أنَّ {لاَ} في قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} زائدةٌ، والصَّحيح: ما سبق من أنَّها لتأكيد النَّفي؛ لئلَّا يُتوهَّم عطف {الضَّالِّينَ} على {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وللفرق بين الطريقين ليُتَجنَّب(2) كلٌّ منهما، فإنَّ طريقة أهل الإيمان مشتملةٌ‼ على العلم بالحقِّ والعمل، واليهود فقدوا العمل، والنَّصارى فقدوا العلم؛ ولذا كان الغضب لليهود والضَّلال للنصارى؛ لأنَّ من عَلِم وتَرَك استحقَّ(3) الغضب؛ بخلاف من لم يعلم، والنَّصارى لمَّا كانوا قاصدين شيئًا لكنَّهم لم يهتدوا(4) إلى طريقه؛ لأنَّهم لم يأتوا الأمر من بابه؛ وهو(5) اتباع الرَّسول الحقِّ ضلُّوا، وكلٌّ من اليهود والنَّصارى ضالٌّ مغضوبٌ عليه، لكنَّ أخصَّ أوصاف اليهود الغضب، وأخصَّ أوصاف النَّصارى الضَّلال، وقد روى أحمد وابن حبَّان من حديث عديٍّ بن حاتمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «{المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} اليهود، و{الضَّالِّينَ} النَّصارى»، والمراد بالغضب هنا: الانتقام، وليس المراد به تغيُّرًا يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام؛ إذ هو محالٌ على الله تعالى، فالمراد: الغاية لا الابتداء(6).


[1] في (د): «آراؤهم».
[2] في (د): «لتجنب».
[3] في (د): «يستحقُّ».
[4] في (د): «لايهتدون».
[5] في (د): «وهم» وهو خطأ.
[6] قوله: «والمراد بالغضب هنا: الانتقام ... فالمراد: الغاية لا الابتداء» سقط من (د).