إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها

          4418- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بنُ سعدٍ الإمامُ (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين وفتح‼ القاف، ابنِ خالدٍ الأَيْليِّ _بفتح الهمزة بعدها تحتية ساكنة ثم لام_ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصاريَّ الشاعرَ (وَكَانَ) أي: عبد الله (قَائِدَ كَعْبٍ) أبيه (مِنْ) بين (بَنِيْهِ) بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية (حِينَ عَمِيَ) وكان بنوهُ: عبد الله وعبد الرَّحمن ومحمَّد وعبيد الله، ولابن السَّكن ”من بيتِهِ“ بالموحدة والتحتية الساكنة والفوقية. قال ابن حجرٍ: والصَّواب الأوَّل (قَالَ: سَمِعْتُ) أبي (كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ) عن حديثهِ (حِينَ تَخَلَّفَ) مفعول به لا مفعول فيه (عَنْ قِصَّةِ / تَبُوكَ) متعلِّق بقوله: «يحدِّث» (قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ) بكسر التاء مصححًا عليها في «اليونينية»(1) مرقومًا عليها علامة أبي ذرٍّ في الفَرْع وأصلِهِ أي: لم يعاتِب اللهُ (أَحَدًا) ولأبي الوقتِ وأبي ذرٍّ ”ولم يعاتَب“ بفتح التاء مبنيًّا للمفعولِ ”أحدٌ“ بالرفع (تَخَلَّفَ عَنْهَا) عن غزوة بدر (إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) إلى بدرٍ (يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ) بكسر العين، الإبلَ التي تحملُ الميرَةَ (حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ) أي: بين المسلمين (وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ) كفَّار قريش (عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم لَيْلَةَ العَقَبَةِ) مع الأنصارِ (حِينَ تَوَاثَقْنَا) بالمثناة ثم المثلثة، تعاهدنَا وتعاقدنَا (عَلَى الإِسْلَامِ) والإيواءِ والنُّصرةِ قبلَ الهجرةِ (وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا) أي: بدلها (مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ) أي: أعظم ذكرًا (فِي النَّاسِ مِنْهَا. كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ) أي: منِّي، كما في مسلم (حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ) صلعم (فِي تِلْكَ الغَزْاةِ(2)) أي: غزاةِ(3) تبوكَ (وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلعم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا) بفتح الواو والراء المشددة، أي: أوهمَ غيرها، والتَّورية: أن تذكُرَ لفظًا يحتملُ معنيينِ أحدُهما أقربُ من الآخرِ، فيوهمُ إرادةَ القريبِ، وهو يريدُ البعيدَ (حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ) غزوة تبوكٍ (غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا) بفتح الميم والفاء آخره زاي، فلاةً لا ماءَ فيها (وَعَدُوًّا كَثِيرًا) وذلك أنَّ الرُّومَ قد جمعَتْ جُمُوعًا كَثِيرةً، وهرقلُ رزقَ أصحابهُ لسنة، وأجلبَتْ معهُ لخمٌ وجذامٌ وغسَّان، وقدَّموا مقدِّماتهم إلى البلقاءِ (فَجَلَّى) بالجيم واللام المشددة، ويجوز تخفيفها، أوضَح (لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ) بضم الهمزة وسكون الهاء، أي: ما يحتاجُونَ إليه في السَّفرِ والحربِ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”أهبة عدوِّهِم“ بدل: غزوِهِم (فَأَخْبَرَهُمْ) صلوات الله وسلامه عليه (بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ) بالتنوين (حَافِظٌ) كذلك بالتنوين، وفي مسلم: بالإضافة. قال الزُّهريُّ‼: (يُرِيدُ الدِّيوَانَ) وزاد في رواية معقل: يزيدونَ على عشرةِ آلاف ولا يجمعهم ديوانٌ حافظٌ. وفي «الإكليل» للحاكم من حديث معاذ: أنَّهم كانوا زيادةً على ثلاثينَ ألفًا، وبهذه العدةِ جزمَ ابن إسحاقَ، وأوردهُ الواقديُّ بإسنادٍ آخرَ موصول، وزاد: أنَّه كانت معهم عشرةُ آلافِ فرسٍ، فتُحمل رواية معاذٍ على إرادةِ عددِ الفرسانِ. ولابنِ مردويه: «لا يجمعهم ديوانٌ حافظٌ»، وقد نقلَ عن أبي زرعةَ الرَّازيِّ: أنَّهم كانُوا في غزوة تبوكَ أربعينَ ألفًا، ولا تخالف الرِّواية الَّتي في «الإكليل»: أكثر من ثلاثينَ ألفًا؛ لاحتمالِ أن يكونَ من قال: أربعينَ ألفًا، جبر الكسرَ. قاله في «الفتح»، وتعقَّبهُ شيخُنَا فقال: بل المرويُّ عن أبي زرعةَ أنَّهم كانُوا سبعينَ ألفًا(4). نعم، الحصرُ بالأربعين في حجَّةِ الوداعِ، فكأنَّه سبقُ قلمٍ أو انتقالُ نظرٍ.
          (قَالَ كَعْبٌ) بنُ مالكٍ _بالإسناد السَّابق_: (فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”أنَّه“ (سَيَخْفَى لَهُ) لكثرةِ الجيشِ (مَا لَمْ يَنْزِلْ) بفتح أوله وكسر ثالثه (فِيهِ وَحْيُ اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلعم تِلْكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ) وفي رواية موسى بن عقبة، عن ابن شهابٍ: «في قيظٍ شديدٍ في ليالِي الخريفِ، والنَّاسُ خارفونَ في نخيلِهِم» (وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ) فأخذتُ (أَغْدُو) بالغين المعجمة (لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا) من جهازِي (فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ) متى شئتُ (فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي) الحال (حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ) بكسر الجيم والرفع فاعلًا؛ وهو الجهدُ في الشَّيءِ والمبالغةُ فيه، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”حتى اشتدَّ النَّاسُ“ بالرفع على الفاعلية ”الجدَّ“ بالنصب على نزعِ الخافض، أو نعت لمصدر محذوف، أي: اشتدَّ النَّاسُ الاشتدادَ الجدَّ (فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي / شَيْئًا) بفتح الجيم (فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ) صلعم (بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ) بالغين المعجمة (بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا) بالصاد المهملة (لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”شَرعُوا“ بالشين المعجمة. قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو تصحيفٌ (وَتَفَارَطَ الغَزْوُ) بالفاء والراء والطاء المهملتين، أي: فات وسبق (وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ(5) فَأُدْرِكَهُمْ) بالنَّصب عطفًا على «أرتحلَ» (وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ) ذلك (فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ) فيه: أنَّ المرءَ إذا لاحَت له فرصةٌ في الطَّاعةِ فحقُّهُ أن يبادِرَ إليها ولا يُسوِّف بها لئلَّا يُحرمها.
          قال كعب: (فَكُنْتُ‼ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صلعم فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو فصاد مهملة (عَلَيْهِ النِّفَاقُ) أي: يظنُّ به النِّفاق ويُتَّهمُ به، و«أنِّي» بفتح الهمزة. قال الزَّركشيُّ: على التَّعليل. قال في «المصابيح»: ليس بصحيحٍ، إنَّما هي وصِلَتُها فاعلُ «أحزنَنِي» (أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صلعم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ _وَهْوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ_: مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللام، وهو عبدُ الله بنُ أُنيسٍ السَّلَميُّ؛ بفتح السين واللام، كما قال الواقديُّ. قال في «الفتح»: وهو غير الجهنيِّ الصَّحابيِّ المشهور (يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ) تثنية برد (وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ) بكسر العين المهملة والتثنية، أي: جانبيه، كنايةً عن كونه معجَبًا(6) بنفسهِ ذا زهوٍ وتكبُّرٍ، أو لباسِه، أو كنَّى به عن حسنِهِ وبهجتهِ، والعربُ تصفُ الرِّداءَ بصفةِ الحسنِ، وتسمِّيه عطفًا لوقوعهِ في عطفَي الرَّجلِ، وفي نسخة «باليونينية» ”في عطفِهِ“ بالإفراد (فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) ☺ له: (بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ _يَا رَسُولَ اللهِ_ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) فبينما هو كذلك رأَى رجُلًا منتصبًا يزولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ الله صلعم : «كُن أبا خيثمةَ» فإذا هو أبو خيثمةَ سعدُ بن(7) خيثمةَ الأنصاريُّ، وعند الطَّبرانيِّ أنَّه قال: «تخلَّفتُ عن رسولِ الله صلعم فدخلتُ حائطًا، فرأيتُ عريشًا قد رُشَّ بالماءِ، ورأيتُ زوجتي فقلتُ: ما هذا بإنصافٍ، رسولُ الله صلعم في السَّمومِ والحرِّ، وأنا في الظلِّ والنَّعيمِ، فقمتُ إلى ناضحٍ(8) لي وتمراتٍ وخرجتُ، فلمَّا طلعتُ على العسكرِ فرآني النَّاسُ، فقال النَّبيُّ صلعم : كن أبا خيثمةَ، فجئتُ فدعَا لي».
          (قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ) صلعم (تَوَجَّهَ قَافِلًا) أي: راجعًا إلى المدينةِ (حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ) أي: أخذتُ (أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ) وعند ابن أبي شيبة: «وطفقتُ أعدُّ العُذرَ لرسول الله صلعم إذا جاءَ وأهيِّئُ الكلامَ» (وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا) أي: دَنَا قدومُه (زَاحَ) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة، أي: زالَ (عَنِّي البَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ) أي: جزمتُ به وعقدتُ عليهِ قصدِي، ولابن أبي شيبةَ: «وعرفتُ أنَّه لا ينجيني منهُ إلَّا الصِّدقُ» (وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلعم قَادِمًا) في رمضانَ، كما قاله ابن سعد‼ (وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) فركعَهُما (ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ) الذين خلَّفهُم كسلُهُم ونفاقُهُم عن غزوةِ تبوكَ (فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ) أي: يظهرونَ العُذرَ (إِلَيْهِ) صلوات الله وسلامه عليه (وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا) من منافِقِي الأنصارِ. قاله الواقديُّ، وأنَّ المعذَّرينَ من الأعرابِ كانوا أيضًا اثنين وثمانين رجُلًا من غِفَار وغيرهم، وأنَّ عبد الله بن أُبيٍّ ومن أطاعَه من قومِهِ من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا، والبِضْعُ: بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة، ما بين ثلاث إلى تسع على المشهورِ، وقيل: إلى الخمس، أو(9) ما بين الواحدِ إلى الأربعةِ، أو من أربعٍ إلى تسعٍ أو سبعٍ، وإذا / جاوزتَ لفظَ العشرِ ذهبَ البضعُ، لا يقال: بضعٌ وعشرونَ، أو يقال ذلك، وهو مع المذكَّر بهاء؛ ومع المؤنث بغير هاء؛ بضعة وعشرون رجلًا، وبضع وعشرون امرأة، ولا يُعكس(10)، قاله في «القاموس».
          (فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَانِيَتَهُمْ) أي: ظواهرهم (وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ) بفتحات مع التخفيف (سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ) قال كعب: (فَجِئْتُهُ) صلعم (فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ) بفتح الضاد المعجمة (ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ. فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ) وعند ابنِ عائذٍ في «مغازيه»: «فأعرضَ عنهُ، فقال: يا نبيَّ اللهِ، لِمَ تُعرِضُ عنِّي؟! فوالله ما نافقتُ ولا ارتبتُ ولا بدَّلتُ» (فَقَالَ لِي: مَا خَلَّفَكَ) عن الغزوِ؟! (أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ) أي: اشتريتَ (ظَهْرَكَ؟) قال: (فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللهِ لَوْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”واللهِ يا رسولَ الله لو“ (جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا) بفتح الجيم والدال المهملة، فصاحة وقوة كلامٍ بحيثُ أخرج من عهدةِ ما ينسب إليَّ ممَّا يقبلُ ولا يردُّ (وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ(11) حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ) اليومَ (حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ) بكسر الجيم، أي: تغضبُ (عَلَيَّ فِيهِ؛ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ) عنِّي (لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَمَّا) بتشديد الميم (هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ) ما يشاءُ (فَقُمْتُ) فمضيتُ (وَثَارَ رِجَالٌ) بالمثلثة، أي: وثَبُوا (مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللام (فَاتَّبَعُونِي) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية (فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ) بالفوقية وكسر اللام المشددة، ولأبي ذرٍّ‼ ”المخلَّفُون“ بإسقاط الفوقية وفتح اللام (قَدْ كَانَ كَافِيَكَ) بفتح التحتية (ذَنْبَكَ) أي: من ذنبك (اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صلعم لَكَ) برفع «استغفارُ» بقوله: «كافيكَ» لأنَّ اسم الفاعل يعملُ عمل فعله (فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي) بالهمزة المفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين، أي: يلومُونَنِي لومًا عنيفًا، ولغير أبي(12) ذرٍّ ”يؤنِّبُونِي“ (حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ) بضم الميم وتخفيف الراءين (العَمْرِيُّ) بفتح العين المهملة وسكون الميم، نسبة إلى بني عمرو بن عوفِ بن مالكِ بن الأوس (وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِي) بتقديم القاف على الفاء، نسبةً إلى بنِي واقف بن امرئ القيسِ بنِ مالكِ بنِ الأوس. وعند ابنِ أبي حاتم من مرسلِ الحسن: أنَّ سببَ تخلُّف الأوَّل أنَّه كانَ له حائطٌ حينَ زَهَا، فقال في نفسهِ: قد غزوتُ قبلَها فلو أقمتُ عامِي هذا، فلمَّا تذكَّر ذنبهُ، قال: اللَّهُمَّ إنِّي أشهدكَ قد تصدَّقت به في سبيلكَ. وأنَّ الثاني كان له أهل تفرَّقُوا، ثمَّ اجتمعوا، فقال: لو أقمتُ هذا العامَ عندَهم، فلمَّا تذكَّر ذنبَهُ قال: اللَّهُمَّ لكَ عليَّ أن لا أرجعَ إلى أهلِي ولا مالِي (فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُـإِسْوَةٌ) بضم الهمزة وكسرها.
          وقد استُشكل: بأنَّ أهل السِّيرِ لم يذكُروا واحدًا منهما فيمَن شهدَ بدرًا، ولا يُعرفُ ذلك في غير هذا الحديثِ، وممَّن جزمَ بأنَّهما شهدَا بدرًا الأثرمُ وهو ظاهرُ صنيعِ(13) البخاريِّ، وتعقَّبَ الأثرَمَ ابنُ الجوزيِّ ونسبهُ إلى الغلطِ، لكن قال الحافظُ ابن حجرٍ: إنَّه لم يصبْ. قال: واستدلَّ بعض المتأخِّرينَ لكونهما لم يشهدَا بدرًا بما وقعَ في قصَّةِ حاطبٍ، وأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يهجُرهُ ولا عاقَبَهُ مع كونهِ جسَّ عليه، بل قال لعمرَ لمَّا همَّ بقتلهِ: «وما يدريكَ، لعلَّ الله اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ فقال: اعملُوا ما شئتُم فقَد غفرتُ لكُم». قال(14): وأين ذنبُ الجسِّ؟ قال في «الفتح»: وليسَ ما استدلَّ به بواضحٍ؛ لأنَّه يقتضِي أنَّ البدريَّ عندَهُ إذا جنَى جنايةً ولو كبرتَ لا يعاقَبُ عليها، وليس كذلك، فهذا عمر _مع كونه المخاطَب بقصَّةِ حاطِبٍ_ قد جلدَ قُدامةَ ابن مظعونٍ / الحدَّ لمَّا شرِبَ الخمرَ وهو بدريٌّ، وإنَّما لم يعاقبْ صلعم حاطِبًا ولا هجرَهُ؛ لأنَّه قبِلَ عذرَهُ في أنَّه إنما كاتبَ قريشًا خشيةً على أهلهِ وولدهِ، بخلافِ تخلُّفِ كعبٍ وصاحبيهِ، فإنَّهم لم يكُن لهم عُذرٌ أصلًا.
          قال كعب: (فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي) أي: الرَّجلينِ (وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلعم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ‼ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ) بالرفع، أي: خصوصًا الثلاثةُ، كقولهم: اللَّهُمَّ اغفِر لنَا أيَّتُها العِصابةُ. قال أبو سعيدٍ السِّيرافيُّ: إنَّه مفعول فعل محذوف، أي: أريد الثَّلاثةَ، أي: أخصُّ الثَّلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: «أي»: منادَى، و«الثَّلاثةُ»: صفةٌ لهُ، وإنَّما أوجبُوا ذلكَ لأنَّه في الأصلِ كان كذلك، فنقلَ إلى الاختصاصِ، وكل ما نقلَ من بابٍ إلى بابٍ فإعرابُهُ بحسبِ أصلِهِ، كأفعالِ التَّعجُّبِ (فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ) بفتح الموحدة (وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ) أي: تَغَيَّرَت (فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ) الأرضُ (الَّتِي أَعْرِفُ) لتوحُّشِها عليَّ، وهذا يجدهُ الحزينُ والمهمومُ في كلِّ شيءٍ، حتى يجدهُ في نفسهِ. قال السُّهيلي: وإنما اشتدَّ الغضبُ على من تخلَّفَ، وإن كان الجهادُ فرض كفايةٍ، لكنَّهُ في حقِّ الأنصارِ خاصَّةً فرضُ عينٍ؛ لأنَّهم بايعُوا على ذلك، ومصداقُ ذلك قولهم وهم يحفرُونَ الخندقَ:
نحنُ الذينَ بايَعُوا محمَّدا                     على الجهادِ ما بقيْنَا أبدا
          فكان تخلُّفُهم في هذهِ الغزوةِ كبيرة؛ لأنَّه كالنّكثِ لبيعتهِم. انتهى. وعند الشَّافعيَّة وجهٌ: أنَّ الجهادَ كان فرضَ عينٍ في زمنه صلعم (فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً) استنبطَ منه جواز الهجرانِ أكثرَ من ثلاثٍ، وأمَّا النَّهي عن الهجرِ فوقَ ثلاثٍ فمحمولٌ على من لم يكن هجرانه شرعيًّا (فَأَمَّا صَاحِبَايَ) مرارة وهلال (فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ) أي: أقواهم (وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ) أي: أدورُ (فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلعم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟) إنَّما لم يجزمْ بتحرُّكِ شفتيهِ ╕ بالسَّلامِ(15) لأنَّه لم يكُن يديمُ النَّظر إليهِ من الخجلِ (ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ) بالسين المهملة والقاف، أي: أنظرُ إليه في خفيةٍ (فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ) ╕ (إِلَيَّ، وَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ) بفتح الجيم وسكون الفاء، أي: من إعراضِهِم (مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ) أي: علوتُ (جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ) الحارثِ بنِ رِبْعِيٍّ الأنصاريِّ ☺ ، أي: بستانه (وَهْوَ ابْنُ عَمِّي) لأنَّه من بني سَلِمةَ، وليس هو ابن عمِّه أخي أبيه الأقرب (وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ) لعموم النَّهي عن كلامِهم (فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة، أسألُك (بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ) بفتح المعجمة، فسألتُهُ باللهِ كذلك (فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) وليس ذلكَ‼ تكليمًا لكعبٍ؛ لأنَّه لم ينوِ به ذلك؛ لأنَّه منهيٌّ عنه، بل أظهر اعتقادَهُ، فلو حلفَ: لا يكلِّمُ زيدًا، فسألهُ عن شيءٍ فقال: الله أعلمُ، ولم يُرِدْ جوابه ولا إسماعَهُ؛ لا(16) يحنث (فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ) للخروجِ من الحائِطِ.
          (قَالَ: فَبَيْنَا) بغير ميم (أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة (مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة، فلَّاح، وكان نصرانيًّا، ولم يسمَّ (مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ) إليَّ، يعني: ولا يتكلَّمُونَ بقولِهم مثلًا: هذا كعبٌ؛ مبالغة في هجرِهِ والإعراضِ عنهِ (حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، جبلةُ بنُ الأَيْهم، أو هو الحارثُ بن أبي شمرٍ، وعندَ ابن مَرْدَوَيه: «فكتب إليَّ كِتَابًا في سَرَقةٍ من حريرٍ» (فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ / ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ) بسكون الضاد المعجمة، أي: حيثُ يضيعُ حقُّك (فَالحَقْ بِنَا(17)) بفتح الحاء المهملة (نُوَاسِكَ) بضم النون وكسر السين المهملة، من المواساةِ (فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا) أي: الصَّحيفة المكتوب فيها: (وَهَذَا أَيْضًا مِنَ البَلَاءِ) وعندَ ابن أبي شيبةَ: «قد طمعَ فيَّ أهلُ الكفرِ» (فَتَيَمَّمْتُ) أي: قصدتُ (بِهَا التَّنُّورَ) بفتح الفوقية، الذي يُخبَزُ فيه (فَسَجَرْتُهُ) بالسين المهملة المفتوحة والجيم، أي: أوقدتُهُ (بِهَا) وهذا يدلُّ على قوَّةِ إيمانِهِ وشدَّة محبتهِ لله ورسولهِ على ما لا يخفَى. وعندَ ابنِ عائذ: أنَّه شكَا حالهُ إلى رسولِ الله صلعم وقال: «ما زالَ إعراضُكَ(18) حتَّى رغب فيَّ أهلُ الشِّركِ» (حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صلعم ) قال الواقديُّ: هو خزيمةُ بنُ ثابتٍ. قال: وهو الرَّسولُ إلى مرارةَ وهلال بذلك، ولأبي ذرٍّ ”إذَا رسولٌ لرسولِ الله صلعم “ (يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ) عُمَيرةَ بنتَ جبيرِ بنِ صخرِ بنِ أميَّةَ الأنصاريَّةَ، أمَّ أولادِهِ الثَّلاثةَ، أو(19) هي زوجتُهُ الأخرى خَيْرة _بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة_ (فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا) بكسر الزاي، مجزومٌ بالأمر (وَلَا تَقْرَبْهَا) معطوفٌ عليه (وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ) بتشديد الياء (مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الحَقِي) بفتح الحاء (بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ) فلحِقَتْ بهم (قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ‼ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ) خولة بنت عاصم (رَسُولَ اللهِ صلعم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ) بالجزمِ على النَّهي (قَالَتْ: إِنَّهُ _وَاللهِ_ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا) قال كعبٌ: (فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي) قال في «الفتح»: لم أقفْ على اسمه. واستُشكلَ هذا مع نهيهِ صلعم النَّاسَ عن كلامِ الثَّلاثةِ. وأُجيب بأنَّه عبَّر عن الإشارة بالقولِ، يعني: فلم يقعْ الكلام اللِّسانيُّ وهو المنهيُّ(20) عنهُ. قاله ابنُ الملقِّن.
          قال في «المصابيح»: وهذا بناء منه على الوقوفِ عند اللَّفظِ واطِّرَاح جانبِ المعنَى، وإلَّا فليسَ المقصود بعدمِ المكالمةِ عدم النُّطقِ باللِّسانِ فقط، بل المرادُ هو وما كان بمثابتِهِ من الإشارةِ المفهمةِ لِمَا يُفهِمه القول باللِّسانِ، وقد يُجابُ: بأنَّ النَّهيَ كان خاصًّا بمَن عدَا زوجة هلال ومن جرت عادته بخدمته إيَّاه من أهله، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما حظر على زوجة هلال(21) غشيانه إيَّاها، وقد أذِنَ لها في خدمتهِ، ومعلومٌ أنَّه لا بدَّ في ذلك من مخالطةٍ وكلامٍ، فلم يكُن النَّهيُ شاملًا لكلِّ أحدٍ، وإنَّما هو شاملٌ لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطتهِ وكلامِهِ؛ من زوجةٍ وخادمةٍ ونحو ذلك، فلعلَّ الذي قال لكعبٍ من أهلهِ (لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي امْرَأَتِكَ) لتخدمك (كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ) كان ممَّن لم يشملهُ النهيُّ. قال كعب: (فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلعم ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ) قويٌّ على خدمةِ نفسِي (فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ) بفتح الميم (لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلعم عَنْ كَلَامِنَا) أيُّها الثَّلاثة (فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا) بغير ميم (أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي) قد(22) (ذَكَرَ اللهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي) أي: قلبِي لا يسعُهُ أنسٌ ولا سرورٌ من فرطِ الوحشةِ والغمِّ (وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) برحبِها، أي: مع سعتِها، وهو مَثَلٌ للحيرةِ في أمرِهِ، كأنَّه لا يجدُ فيها مكانًا يقرُّ فيه قلقًا وجَزَعًا، وإذا كان هؤلاءِ لم يأكُلُوا مالًا حرامًا ولا سَفَكُوا دَمًا ولا أفسَدُوا في الأرضِ وأصابَهُم ما أصابَهُم فكيف بمن واقعَ الفواحشَ والكبائرَ؟! وجواب «بينا» قوله: (سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى) بالفاء مقصورًا، أي: أشرفَ (عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ) بفتح السين المهملة وسكون اللام (بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ) بهمزة قطع. وعند الواقديِّ: وكان الَّذِي أوفَى على سَلْع أبا بكر الصِّدِّيق، فصاحَ: قد / تابَ اللهُ على كعبٍ (قَالَ) كعب: (فَخَرَرْتُ‼ سَاجِدًا) شكرًا لله (وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ) بالمد، أي: أعلم (رَسُولُ اللهِ صلعم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا) أيُّها الثلاثةُ بتوبةِ الله علينا (وَذَهَبَ قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة (صَاحِبَيَّ) مرارةَ وهلالٍ (مُبَشِّرُونَ) يبشِّرونهما (وَرَكَضَ إِلَيَّ) بتشديد الياء، أي: استحثَّ (رَجُلٌ فَرَسًا) للعدو، وعند الواقديِّ: أنَّه الزُّبير بن العوَّام (وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ) هو حمزةُ بن عمرو الأسلميُّ. رواه الواقدي، وعند ابنِ عائذ: أنَّ اللَّذين سعيا أبو بكرٍ وعمر ☻ ، لكنَّه صدَّره بقوله: زعموا (وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ) هو حمزةُ الأسلميُّ (يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ) بتشديد الياء بالتَّثنية (فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ) لي بتوبةِ الله عليَّ (وَاللهِ مَا أَمْلِكُ) من الثيابِ (غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ) وقد كان له مال غيرهما، كما صرَّح به فيما يأتي (وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ) أي: من أبي قتادة، كما عند الواقديِّ (فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا) جماعةً جماعةً (يُهَنُّونِي) ولأبي ذرٍّ ”يهنونَنِي“ (بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ) بكسر النون (تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلعم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ) بتشديد الياء (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين، أحدُ العشرة المبشَّرة بالجنَّة (يُهَرْوِلُ) أي: يسيرُ بين المشي والعدو (حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ) وكانا أخوين آخَى النَّبيُّ صلعم بينهما، كذا قاله البَرْماويُّ كغيره، وتعقِّب: بأنَّ الذي ذكره أهلُ المغازي: أنَّه كانَ أخَا الزُّبيرِ، لكن كان الزُّبير أخًا في أخوةِ المهاجرينَ، فهو أخو أخيهِ (وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ) أي: هذه الخصلة؛ وهي بشارتُهُ إيَّايَ بالتَّوبةِ؛ أي لا أزالُ أذكرُ إحسانهُ إليَّ بذلك، وكنتُ رهينَ مسرَّتهِ (قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) أي: سِوى يومِ إسلامِهِ، وهو مستثنى تقديرًا وإن لم ينطقْ به، أو أنَّ يوم توبتِهِ مكمِّلٌ ليومِ إسلامِهِ، فيومُ إسلامِهِ بدايةُ سعادتِهِ، ويوم توبتِهِ مكمِّلٌ لها، فهو خيرٌ من جميع أيامهِ، وإن كان يومُ إسلامِهِ خيرَها فيومُ توبتِهِ المضاف إلى إسلامهِ خيرٌ من يومِ إسلامه المجرَّد عنها (قَالَ) كعب: (قُلتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ) زاد ابنُ أبي شيبة: «أنتم صدَقتُم اللهَ فصدَقَكُم».
          (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا سُرَّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول‼ (اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ) قيل: قال: «قطعةُ قمرٍ» احترازًا من السَّوادِ الَّذي في القمرِ، أو إشارةً إلى موضعِ الاستنارةِ؛ وهو الجبينُ الذي فيه يظهرُ السُّرورُ. قالت عائشةُ [خ¦3555] «مسرورًا تبرقُ أساريرُ وجههِ» فكأنَّ(23) التَّشبيهَ وقعَ على بعضِ الوجهِ، فناسبَ أن يشبَّه ببعضِ القمرِ (وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ) أي: الذي يحصلُ لهُ من استنارةِ وجههِ عند السُّرورِ (فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ) صلعم (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ) أخرج (مِنْ) جميعِ (مَالِي صَدَقَةً) قال الزَّركشيُّ _وتبعه البَرْماويُّ وابن حجرٍ وغيرهما_: هي مصدر، فيجوزُ انتصابهُ بـ«أنخلع»؛ لأنَّ معنى أنخلع: أتصدَّق، ويجوزُ أن يكون مصدرًا في موضعِ الحالِ، أي: متصدِّقًا، وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: لا نسلِّمُ أنَّ الصَّدقةَ مصدرٌ، وإنَّما هي اسمٌ لما يُتصدَّقُ به، ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103] وفي «الصّحاح»: الصَّدقةُ ما تُصدِّقَ به على الفُقراءِ، فعلى هذا يكونُ نصبها على الحالِ من: «مالِي» (إِلَى اللهِ وإِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: صدقة خالصةً لله ولرسولِ الله، فـ«إلى» بمعنى «اللَّام»، ولأبي ذرٍّ ”إلى رسولِهِ“ (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لهُ خوفًا عليه من تضرُّره بالفقرِ وعدمِ صبرهِ على القافة: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي / أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ) بكسر القاف (فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ) بالموحدة الساكنة، أي: أنعَمَ عليهِ (فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي) أي: ممَّا أنعم عليَّ، وفيه الأفضليَّةُ لا نفي المسَاواةِ؛ لأنَّه شاركهُ في ذلك هلالٌ ومرارة (مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلعم : {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ}) أي: تجاوز الله ╡(24) عنه إذنهُ للمنافقينَ في التخلُّفِ كقوله: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}[التوبة:43] ({وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}) ثبت لأبي ذرٍّ «{وَالأَنصَارِ}» وفيه حثٌّ للمؤمنين على التوبةِ، وأنَّه ما من مؤمنٍ إلَّا وهو محتاجٌ إلى التَّوبةِ والاستغفارِ، حتَّى النَّبيّ صلعم والمهاجرين والأنصار (إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:117-119]) في إيمانِهم دونَ المنافقينَ، أو مع الذينَ لم يتخلَّفُوا (فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”بعدَ إذ“ (هَدَانِي لِلإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللهِ صلعم أَنْ لَا أَكُونَ) أي: أن أكونَ (كَذَبْتُهُ) «فلا»: زائدة، كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}[الأعراف:12] (فَأَهْلِكَ) بكسر اللام والنصب، أي: فإن‼ أهلِكَ (كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ) أي: قال قولًا شرَّ ما قالَ؛ بالإضافة أي: شرَّ القولِ الكائنِ لأحدٍ من النَّاسِ (فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ}) إذا رجعتُم إليهِم من الغزوِ (إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:95-96]) أي: فإنَّ رضاكُم وحدكُم لا ينفعُهُم إذا كان الله ساخطًا عليهم وكانُوا عُرضةً لعاجلِ عقوبتهِ وآجلِها.
          (قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ حَلَفُوا لَهُ) أن تخلُّفهم كان لعذرٍ (فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ) بالجيم والهمزة آخره، أي: أخَّرَ (رَسُولُ اللهِ صلعم أَمْرَنَا) أيُّها الثَّلاثةُ (حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ) بالتَّوبةِ (فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ) تعالى: ({وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ}[التوبة:118] وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا) بضم الخاء وكسر اللام المشددة وسكون الفاء (عَنِ الغَزْوِ، وإِنَّمَا) بالواو، ولأبي الوقتِ ولغيره ”إنَّما“ (هُوَ تَخْلِيفُهُ) بالخاء المعجمة(25) (إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ) أي: تأخيرهُ (أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ) صلعم (وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ) ╕ اعتذارهُ، والمراد على قوله: أنَّهم خلفُوا عن التَّوبةِ لا عن الغزوِ.
          وقد أخرج المؤلِّف _ ⌂ _ حديث غزوةِ تبوك وتوبةِ الله على كعبٍ في عشرةِ مواضعَ مطولًا ومختصرًا، وسبق بعضُها [خ¦2948] [خ¦2980] [خ¦3556] [خ¦3889] [خ¦3951] ويأتي منها إن شاء الله تعالى في «الاستئذان» [خ¦6225] و«الأحكام» [خ¦7225]، وأخرجه مسلم في «التوبة»، وأبو داود في «الطَّلاق»، وكذا النَّسائيُّ.


[1] «مصححًا عليها في اليونينية»: ليست في (ص).
[2] في (ص): «الغزوة».
[3] في (ب) و(س): «غزوة».
[4] «ألفًا»: ليست في (ص) و(م).
[5] في (م): «أرحل».
[6] في (ص): «تعجبًا».
[7] في الأصول زيادة: «أبي» وليست في مصادر التخريج ولا «الفتح».
[8] في (ص) و(م): «ناصح».
[9] في (ب) و(س): «وقيل».
[10] في (م): «ينعكس».
[11] في (م): «أن».
[12] في (م): «لأبي».
[13] في (م): «صنع».
[14] «قال»: ليست في (ص).
[15] «بالسلام»: ليست في (م).
[16] في (ب): «لم».
[17] «بنا»: ليست في (م).
[18] في (س): «إعراضك عني».
[19] في (م): «و».
[20] في (م): «النهي».
[21] قوله: «ومن جرت عادته بخدمته إيَّاه من أهله... حظر على زوجة هلال» مثبتٌ من هامش (ج) و(ل).
[22] «قد»: ليست في (ب) و(م).
[23] في (م): «وكأن».
[24] «الله ╡»: ليست في (س).
[25] «بالخاء المعجمة»: ليست في (م) و(ب).