إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه

          312- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكَيْنٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ) بالنُّون والفاء، المخزوميُّ أوثق شيخٍ بمكَّة (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) عبد الله، واسم أبي نَجيحٍ: يسارٌ ضدُّ اليمين(1)(عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَتْ) ولابن عساكر: ”قال: قالت“ (عَائِشَةُ) ♦ : (مَا كَانَ لإِحْدَانَا) أي: من أمَّهات المؤمنين (إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ) النَّفيُ عامُّ لكلِّهنَّ لأنَّه نكرةٌ في سياق النَّفيِ؛ لأنَّه لو كان / لواحدةٍ ثوبٌ لم يصدقِ النَّفيُ، ويُجمَع بين هذا وبين حديث أمِّ سلمة السَّابق(2) في «باب النَّوم مع الحائض وهي في ثيابها» [خ¦322] الدَّالِّ على أنَّه كان لها ثوبٌ مُختَصٌّ بالحيض، أنَّ حديث عائشة هذا محمولٌ على ما كان في أوَّل الأمر، وحديث أمِّ سلمة محمولٌ على ما كان بعد اتِّساع الحال، ويحتمل أن يكون مُراد عائشة بقولها: «ثوبٌ واحدٌ» مُختَصٌّ بالحيض وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطُّهر، فيوافق حديث أمِّ سلمة، قاله في «فتح الباري» (فَإِذَا أَصَابَهُ) أي: الثَّوب (شَيْءٌ مِنْ دَمٍ) وللأَصيليِّ: ”من الدَّم“ (قَالَتْ) أي: بلَّته(3)(بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ) بالقاف والصَّاد والعين المُهمَلتين، كذا في الفرع، وعزاها الحافظ ابن حجرٍ لرواية أبي داود، ومفهومه: أنَّها ليست للبخاريِّ، والمعنى: فدلكته وعالجته، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”فمصعته“ بالميم، وهي في هامش فرع«اليونينيَّة» أي: حكَّته (بِظُفْرِهَا) بإسكان الفاء في الفرع، ويجوز ضمُّها.
          ووجه مُطابَقة هذه التَّرجمة من حيث إنَّ من لم يكن لها إلَّا ثوبٌ واحدٌ تحيض فيه معلومٌ أنَّها تصلِّي فيه إذا غسلته بعد الانقطاع، وليس هذا مخالفًا لِمَا تقدَّم، فهو من باب حمل المُطلَق على المقيد، أو لأنَّ هذا الدَّم الَّذي مصعته قليلٌ معفوٌّ عنه لا يجب عليها غسله فلذا لم تذكر أنَّها غسلته بالماء، وأمَّا الكثير فصحَّ عنها أنَّها كانت تغسله بالماء(4)، قاله البيهقيُّ، لكن يبقى النَّظر في مخالطة الدَّم بريقها، فقد قالوا فيه حينئذٍبعدم العفو وليس فيه أنَّها صلَّت فيه، فلا يكون فيه حجَّةٌ لمن أجاز إزالة النَّجاسة بغير الماء، وإنَّما أزالت الدَّم بريقها ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره، فقد سبق ببابٍ عنها ذكر الغسل بعد القرص [خ¦308].
          ورواة هذا الحديث خمسةٌ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول.


[1] في (ص): «اليمن».
[2] كذا في النُّسخ، والحديث سيأتي ولم يسبق.
[3] في (ص): «بلَّت».
[4] «بالماء»: مثبتٌ من (م).