إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ

          3983- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه الحَنْظليُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ) بنِ يزيد الأَوْديُّ(1) (قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، السُّلميَّ الكوفيَّ (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ(2)) بإسكان العين في الأول، وضمها في الثاني مصغَّرًا، السُّلمي (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عبد الله بن حبيب بنِ رُبَيِّعة، بفتح الموحدة وتشديد التحتية (السُّلَمِيِّ) الكوفيِّ المُقرئ(3)، مشهورٌ بكنيته، ولأبيه صحبة (عَنْ عَلِيٍّ ☺ ) أنَّه (قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبَا مَرْثَدٍ) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة، زاد أبو ذر: ”الغَنَوي“ بفتح الغين المعجمة والنون (وَالزُّبَيْرَ) زاد الأربعة ”ابن العوَّام“ (وَكُلُّنَا فَارِسٌ) وهذا لا يُنافي ما وقع في «بابِ الجاسوس» من «الجهاد» [خ¦3007] أنَّه بعث مع عليٍّ الزُّبيرَ والمقدادَ؛ إذ روايةُ الجهاد لا تنفي الزَّائد هنا.
          (قَالَ: انْطَلِقُوا) بكسر اللام (حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ) بمعجمتين، موضعٌ بين مكة والمدينة (فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ المُشْرِكِينَ) اسمُها: سارة على المشهورِ (مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) سقطَ لابنِ عساكرٍ «ابن أبي بلتعَةَ» (إِلَى المُشْرِكِينَ) من أهل مكَّة: صفوان بن أميَّة وسُهيل بن عَمرو وعكرمة بن أبي جهلٍ، يخبرُهم ببعض أمرِ النَّبيِّ صلعم (فَأَدْرَكْنَاهَا) حال كونها (تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم . فَقُلْنَا) لها: أخرجي (الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا‼ كِتَابٌ) ولأبي ذرٍّ ”الكتاب“ (فَأَنَخْنَاهَا) أي: أنخنا البعيرَ الَّذي هي عليه (فَالتَمَسْنَا) الكتابَ (فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”قلنَا“: (مَا كَذَبَ) بفتحتين، وللأَصيليِّ ”ما كُذِب“ بضم الكاف وكسر المعجمة مخففة (رَسُولُ اللهِ صلعم ، لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ) بضم الفوقية وسكون المعجمة(4) وكسر الراء والجيم والنون الثَّقيلة (أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ(5)) أي: الثيابَ (فَلَمَّا رَأَتِ الجِدَّ) بكسر الجيم (أَهْوَتْ) بيدها (إِلَى حُجْزَتِهَا) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي، مَعقِد الإزارِ (وَهْيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتْهُ) أي: الكتابَ من حُجْزتها (فَانْطَلَقْنَا بِهَا) بالصَّحيفة المكتوب فيها (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) فلمَّا قُرِئَتْ (فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ) بالجزم وفتح اللام، ولأبي ذرٍّ ”فلِأضربَ“ بكسر اللام وفتح الباء الموحدة، وللأَصيليِّ ”لِأضربَ“ كذلك لكن بإسقاط الفاء.
          (فَقَالَ) له (النَّبِيُّ صلعم )(6) وسقط لفظ «النَّبيُّ» والتَّصلية لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ) يا حاطبُ؟ (قَالَ حَاطِبٌ: وَاللهِ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ ”قال: والله“ (مَا بِي أَنْ لَا) بفتح الهمزة (أَكُونَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي / ”إلَّا أن أكون“ بكسر الهمزة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”ما بي أنْ أكونَ“ بفتح همزة «أن» وحذف «لا» (مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ صلعم ) وسقطَتْ التَّصلية لأبي ذرٍّ (أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ) مُشركي قريشٍ (يَدٌ) نعمةٌ ومنَّة عليهم (يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ) بمكة (مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. فَقَالَ) النَّبيُّ صلعم : (صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ).
          قال في «المصابيح»: هذا ممَّا استشكلَ(7) جدًّا، وذلك لأنَّه صلعم قد شهدَ له بالصِّدق، ونهى أن يقال له إلَّا الخير، فكيف يُنسب بعد ذلك إلى خيانةِ الله ورسولهِ والمؤمنين؟ وهو منافٍ للإخبار بصدقهِ، والنَّهي عن إذايته(8)، ولعلَّ الله ╡ يُوفِّق للجواب عن ذلك. انتهى.
          وقد أُجيب بأنَّ هذا على عادة عُمر في القوَّة في الدين وبغضهِ للمنافقين، فظنَّ أنَّ فعله هذا مُوجبٌ لقتله، لكن لم يجزمْ بذلك، ولذا استأذنَ في قتلهِ، وأطلق عليه النِّفاق لكونه أبطنَ خلاف ما أظهرَ، والنَّبيُّ صلعم عذرَهُ لأنَّه كان متأوّلًا؛ إذ لا ضررَ في فعله.
          (فَقَالَ) ╕ : (أَلَيْسَ) أي: حاطب (مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ)؟ وكأنَّ عمر ☺ قال: وهل كونُه من أهل بدرٍ يسقط عنه هذا الذَّنب؟(9)‼ (فَقَالَ) ╕ : (لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ إِلَى(10) أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ) تعالى مخاطبًا لهم خطابَ تشريفٍ وخُصوصيَّة: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) في المستقبلِ(11) (فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) بالشَّكِّ من الرَّاوي، والمراد: غفرْتُ لكم في الآخرة (فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ) ╩ (وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ). والتَّعبير بالخبرِ بلفظ الماضي في قوله: «غفرتُ» مبالغة في تحقيقهِ، وكلمة: «لعلَّ» في كلام الله ورسوله للوقوعِ. وفي حديث أبي هُريرة ☺ عند أحمد وأبي داود: «إنَّ الله تعالى اطَّلع» فأسقطَ لفظ «لعلَّ»، وليس المرادُ من قوله: «اعملوا ما شئتُم» الإباحة؛ إذ هو خلافُ عقد الشَّرع، فيحتملُ أن يكون المراد: أنه لو قدِّر صُدُور ذنبٍ(12) من أحد منهم لبادرَ بالتَّوبةِ، ولازم الطَّريقة المُثلى، وقيل غير ذلك ممَّا سبق في «باب الجاسوسِ»، من «كتاب الجهاد» [خ¦3007] والله تعالى الموفِّق والمعين على الإكمالِ والمتفضِّل بالقبولِ.


[1] في (ب): «الأزدي».
[2] في (ص): «عبادة».
[3] في (ب) و(د): «القرشي».
[4] «وسكون المعجمة»: ليست في (ص).
[5] في (ص): «لنجرِّدن».
[6] زيد في (د): «يا حاطب» وسقطت من الموضع التالي.
[7] في (د) و(س): «استشكله».
[8] في (د): «أذيته».
[9] زيد في غير(د): «فأجاب بقوله».
[10] في (ب) و(س): «على».
[11] «المستقبل»: ليست في (د).
[12] في (م): «ذلك».